هل الانقياد للدّين تقليد؟
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله
يذهب الحسّيون وأصحاب الاتّجاه المادي، للقَول: أنّ اتّباعَ الدّين والانقياد إليه هو نوعٌ مِن التّقليد، والعِلم ينهى عن التّقليد. [...]
نجيبُ بالقول:
أنّ الدِّين هو مجموعة من المعارف الّتي ترتبط بالمبدأ والمعاد، ومنظومة من القوانين والضّوابط العباديّة والاجتماعيّة والمعاملاتيّة أُخذت عن طريق الوَحي وتلقّاها الإنسان بواسطة النّبوّة. والوَحيُ والنّبوّة هُما أمران ثبُتا بالدّليل والبُرهان.
فما يأتينا مِن الأخبار بواسطة رجُلٍ صادق، تُعتبرُ أخبارًا صادقة تَستندُ إلى العِلم، لأنّنا نفترِض أنّ في مثل هذه الحالة أنّا حققنا العلم بصدق المخبر عن طريق البرهان.
بيدَ أنّ الأغرب مِن ذلك كلّه أنّ قصّة الاتّهام بالتّقليد (!) تصدرُ مِن أناس لا يملكون مِن دعائم حياتهم ووسائلهم الاجتماعيّة شيئًا آخر سوى التّقليد. فهُم مقلّدون للآخرين في الملبس والمأكل والمسكن، وفي طراز الزّواج وفي شؤون الحياة كافّة، وليس لهم سوى اتّباع الرّغبة والهوى!
والطّريف في أمر هؤلاء أنّهم استبدلوا مُصطلح التّقليد بألفاظ -مُراوغة- أخرى، فقالوا: أنّهم يتبعون في حياتهم ما عليه مجتمعات العالَم المُتَقَدّم!
وإذا قُدِّرَ لهؤلاء أن يمحوا كلمة "التّقليد" ويجعلوها غريبة نادرة التّداول -من خلال الحيلة الآنفة- فإنّ النّهج لا زال لم يتغيّر، وإنّ كلّ شيء يدلّ على بقاء المعنى والاستئناس به!
والأغرب من ذلك كلّه، هو أن يغدو شعار هؤلاء: "تلوّن بلَون الجماعة واِرْمِ بِدَلوِكَ مع الآخرين" شعارًا علميًّا يبعَث على معاني التّقدّم والتّمدّن، في حين يغدو الشّعار القرآني: {لا تتّبع الهوى فيُضِلَّكَ عن سبيل الله} نوعًا مِن التَّقليد الدّيني الّذي يحكي الخُرافة!
نَخلُص مِن كلّ ما مرّ إلى أنّ الدّين ينبثقُ مِن الوَحي والعلم، وبذلك فهو يتسّم بالعلميّة على طول الخط، في حين يقوم وجه العالم المُتقدّم على قاعدة معاكِسة تمامًا، إذ هو مملوء تقليدًا.
__المصدر
[العلّامة الطّباطبائي، مقالات تأسيسيّة في الفكر الإسلامي، ص١٣٩ - ١٤١]
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat