النبيُّ موسى (عليهِ السلامُ) والفَهْمُ الخطأُ لـ(عقدةِ لسانِه)
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

نشر الأَخُ الدكتور (ستار العيساوي) الموقرُ هذا التساؤلَ: ((زملائي واخواني لدي سؤال: امر الله نبيه موسى عليه السلام بتبليغ دعوته للناس وقال له(اذهب الى فرعون انه طغى قال ربي اشرح لي صدري. ويسر لي امري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي . واجعل لي وزيرا من اهلي ...قال قد اوتيت سؤلك ياموسى) سورة طه اية ٢٧ وما بعدها
كيف تفسر قول فرعون في سورة الزخرف ( ام انا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) ايه ٥٢ .. لانه من المعلوم ان الله استجاب دعوة نبيه واحلل عقدة لسانه لان فيه لثغة على راي الزجاج وقال اخر في لسانه افة وقال مفسر ثالث ان لسان موسى احترق بالجمر تفسير قول فرعون ( لا يكاد يبين ) مع ان الله احلل عقدة لسانه بدليل قوله تعالى اوتيت سؤلك ياموسى)) ، ((سؤال يخص نطق موسى حيث وصفه فرعون بانه لا يكاد يبين في حين ان الله احلل عقدة لسانه)) ؛ فكان جوابي:
السلامُ عليكم ورحمةُ اللٰهِ وبركاتُه.
ما أَورده المفسرون عن لسانِ النبيِّ موسى (عليهِ السلامُ) لا يُفصِحِ عن معرفةٍ منهم بتكوينِ المرسلين (عليهِمُ السلامُ) الخَلْقيةِ التي لا نقصَ فيها مطلقًا ؛ فكيف يترُكُ اللٰهُ علةً في خلقةِ أَحدِهم ؟ عندها تكونُ مسوِّغَ سُخريةٍ عليهم.
إِنَّ الأّنبياءَ والمرسَلين (عليهِمُ السلامُ) معصومونَ لا من الذنبِ فقط ، بل عصمتُهم تتضمنُ وسامةَ صورِهم ، وجمالَ منطقِهم ، وهم (مُخلَصون) بصريحِ القرآنِ الكريمِ بخلوصٍ يرتكِزُ على تخليصِ (نفوسِهم ، وأَجسامِهم ، ومنطِقِهم) من كلِّ عَيبٍ للأَنبياءِ (عليهِمُ السلامُ) بعامةٍ ، ولموسى (عليهِ السلامُ) بخاصةٍ ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ موسى إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا﴾ [مريم/٥١].
جاء في (لسان العرب) : ((و(المُخْلَص): الذي أَخْلَصه اللهُ جَعَلَهُ مُختارًا خَالِصًا مِنَ الدَّنَسِ ، والمُخْلِص: الَّذِي وَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى خَالِصًا)) ؛ فهل يُصدِّقُ عاقلٌ بأَنَّ موسى (عليهِ السلامُ) بخِلقةٍ خالصةٍ من (الدَّنَسِ) وليس خالصًا من عَيْبٍ في النطقِ ؟!
كانتِ اللغةُ التي يتحدثُ بها موسى (عليهِ السلامُ) تختلفُ بتبايُنٍ واضحٍ عن لغةِ فرعونَ وبلاطِه بآيةٍ إِلهيةٍ نتيجةَ ابتعاداتٍ عن (فرعونَ وبِلاطِه وملئِه) طوالَ سنين مع النبيِّ شعيبٍ (عليهِ السلامُ) زمانًا ، ومع فتاه زمانًا ، ومع العبدِ الصالحِ زمانًا ، وسواها ، وكان هارون (عليهِ السلامُ) أَكثرَ اختلاطًا بهم ، ويعرفُ دقائقَ معاني كلامِهم ؛ لذا ترجَّى موسى (عليهِ السلامُ) ربَّه تعالى: ﴿وَأَخي هارونُ هُوَ أَفصَحُ مِنّي لِسانًا فَأَرسِلهُ مَعِيَ رِدءًا يُصَدِّقُني إِنّي أَخافُ أَن يُكَذِّبونِ﴾ [القصص/٣٤] ؛ لأَنَّ هارون (عليهِ السلامُ) يُخاطبُهم بما أَلفوه عنه ، وأَلِفَه عنهم فَهمًا ، وحوارًا وإِقناعًا ، ولا صِلةَ للآيةِ والآياتِ الأُخرى ضمنًا بعَيبٍ في النطقِ بدليلِ ﴿إِنِّي أَخافُ أَن يُكَذِّبونِ﴾ لأَنَّهم يرفضون حديثَه بحجةِ ابتعادِه عنهم ، وعدمِ قناعتِهم بقولِه. ولو كان الموضوعُ يتصلُ بعيبِ النطقِ لوجب ما يُناسبُه من نتيجةٍ بدلًا من (يُكذِّبون) أَن يُقالَ - تمثُّلًا- (يسخرون ، يَعيبون ، يضحكون).
المسألةُ ليست في النطقِ وعَيبٍ فيه ، بل في الحجةِ والإِقناعِ الذي كان يتمكنُ منه موسى (عليهِ السلامُ) ، ويرفضُه فرعونُ ومَن في بلاطِه من أَنصارِه ومرتزقته. وعبارةُ (يكادُ يُبينُ) تعني (لم يصِل إِلى الإِبانةِ المقنعةِ) أما (لا يَكادُ يُبينُ) فتعني (وصل إِلى الإِبانةِ) وهذا اعترافٌ مبينٌ من فرعونَ بقوةِ الحجةِ عليه.
وفي القرآنِ ما يزيدُ على العشرين موردًا جاء فيه (قال موسى ، قال لهم موسى) وهو يُحاورُ قومَه المؤمنين تارةً ، والفريقَ الخصمَ المُنكِرَ تارةً أُخرى كقولِه تعالى: ﴿قالَ موسى لِقَومِهِ استَعينوا باللٰهِ وَاصبِروا إِنَّ الأَرضَ للٰهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾ [الأعراف/١٢٨] ، وقولِه تعالى: ﴿قالَ لَهُم موسى وَيلَكُم لا تَفتَروا عَلَى اللٰهِ كَذِبًا فَيُسحِتَكُم بِعَذابٍ وَقَد خابَ مَنِ افتَرى﴾ [طه/٦١] ولم يَرُدَّ عليه أَحدٌ بتعييبٍ ساخرٍ عليه بسببِ لُثغةٍ ، أَو عِيٍّ ، أَو إِبهامِ لفظٍ ، وهمُ الذين اتهموه - بلا حياءٍ- بالسِّحرِ ، وبالكذِبِ ؛ أَفيُوقِّرونه احترامًا منهم له في هذه الحوارياتِ كلِّها بعدمِ جَرحِه بعَيبِ النطقِ ؟! واللٰهُ أَعلمُ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat