صفحة الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

فوزُ الإِنسانِ وخُسرانُه بينَ حبِّ اللٰهِ تعالى ، وحُبِّ الدنيا:
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في ظلِّ مُعطياتِ جائحةِ كورونا التي أَضحى يعرِفُ تفاصيلَها كلٌّ منَّا وَضَحَ لنا أَنَّ المعروضَ له ، ونتيجتَه يتقاسمُهما توجُّهانِ هما:
١- الڤيروس مُعْدٍ ، ولا خلاصَ علاجيًّا منه حتى الآنَ ، والموتُ المرعبُ منه مُحدِقٌ بنا لا محالةَ ، ويستلزِمُ وِقايةً جادَّةً.
٢- الڤيروس أُكذوبةٌ ، وصنعةٌ سياسيةٌ ، ويجبُ ممارسةُ الحياةِ الاعتياديةِ ، والتنكُّرُ لكلِّ مُصدِّقٍ به ناصحٍ عنه.
ومن هذين التوجُّهَين صِرنا نَشهَدُ الناسَ بين:
١- لاجئٍ إِلى اللٰهِ تعالى يسأَلُه الرحمةَ والسلامةَ ، متحفِّظٍ بما يتمكنُ منه من وقايةٍ. فإِنْ ابتُلِيَ بالڤيروس حتى بلوغِه مراحلَ الاحتضارِ فإِنه يسأَلُه اللطفَ والغفرانَ والقبولَ بالرحمةِ. وهذا الصنفُ من الناسِ ملؤُه القيمُ الساميةُ ، ويستجيبُ للحوارِ الروحيِّ البنَّاء.
٢- لاجئٍ إِلى الدنيا يَظُنُّ تباعُدَ رحيلِه ، والخلودَ. وهذا الصنفُ من الناسِ ملؤُه البعدُ عن القيمِ الروحيةِ الساميةِ.

مما عرضتُه يَضِحُ أَنَّ الحُبَّ الذي ينبغي أَن يَضطَمَّ عليه الإِنسانُ هو ما يجبُ لمُوجِدِ الإِنسانِ نفسِه وهو (اللٰهُ تعالى) ؛ فلو كانتِ العلاقةُ الروحيةُ بالحُبِّ السامي لدى الإِنسانِ مختصَّةً بـ(اللٰهِ) تعالى وحده لَمَا كان الخوفُ من الموتِ وتدًا يُعقَدُ به زِمامُ الإِنسانِ بالدنيا ؛ فالحبيبُ يشتاقُ إِلى محبوبِه ولا يهرُبُ من اللقاءِ به. ومن أَشدِّ العَجَبِ أَن يتنكَّرَ الإِنسانُ لمَن تفضَّل عليه بالإِيجادِ ، والرزقِ ، والتخويلِ ، والرعايةِ !
انظروا إِلى المرسَلين والأَنبياءِ والأَوصياءِ والأَئمةِ (عليهِمُ السلامُ أَجمعين) ، وإِلى الأَولياءِ والصالحين (رضوانُ اللٰهِ تعالى عليهم أَجمعين) هل من خائفٍ منهم من الموتِ ؟ هل من غاضبٍ منهم على أَمرِ رحيلِه من دارِ الدنيا إِلى الدارِ الآخرةِ ؟ كلُّهم ينتظرون برضا ، وإِيمانٍ ، وخشيةٍ ، وخضوعٍ ، وتضرُّعٍ لقاءَهم بحبيبِ قلوبِهم ، وأَنيسِ نفوسِهم خالقِهم وموجِدِهم ، بل إِنهم كانوا يَرَوْنَ في الأَوامرِ الإِلهيةِ المؤديةِ إِلى الموتِ كرمًا من اللٰهِ لهم بآيةِ ما تحصًّل لإِبراهيمَ وإِسماعيلَ (عليهِما السلامُ) بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنّي أَرى فِي المَنامِ أَنِّي أَذبَحُكَ فَانظُر ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افعَل ما تُؤمَرُ سَتَجِدُني إِن شاءَ اللٰهُ مِنَ الصّابِرينَ﴾ [الصافات/١٠٢]. ولمَّا خُوطِب نبيُّنا الأَكرمُ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) بالأَمرِ الإِلهيِّ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتونَ﴾ [الزمر/٣٠] لم يُذكَرْ عنه في القرآنِ أَيُّ ردٍّ منه سوى التسليمِ لأَمرِ اللٰهِ. وهذا ما يُوثِّقُ لنا أَنَّ أَولياءَ اللٰهِ تعالى كانوا يأنَسون بالموتِ بحدِّ السيفِ شهادةً للٰهِ تعالى ، وكانوا يَرَوْنَ أَجسامَهم أَوعيةً لا قيمةَ لها ما دامت تُفرِغُ النفوسَ للقاءِ مُوجِدِها.
أَمَّا نحن فلشِدَّةِ تعلُّقِنا بالدنيا ، ولجسامةِ رُعبِنا من صورِ تقتيلِهم (عليهِمُ السلامُ) نجدُ أَنفسَنا نَصِلُ إِلى النحيبِ الموصِلِ إِلى الجزعِ ، وإِلى إِدماءِ الرؤوسِ والوجوهِ في أَيامِ إِحياءِ وَفَيَاتِهم ، بل نفعلُ هذا وأَكثرَ بأَجسامِنا ونفوسِنا حزنًا على إِنسانٍ اعتياديٍّ من ذوينا وربما يكونُ كتلةً من الإِنحرافِ والإِنحلال. لماذا ؟ لأَنَّنا نرى الدُّنيا ووجودَنا فيها وعَلاقتَنا بذوينا ومَن نُحبُّهم بمنظارِ حُبِّ الدنيا والحبِّ الأَعمى لأَنفُسِنا ولذوينا ؛ فنعيشُ صدمةً لا نصدِّقُها عند الفراقِ. ولو كنَّا قد جعلنا هذا الحبَّ لمُوجِدِنا وحدَه لكُنَّا في وَقارٍ وحكمةٍ عند الشدائدِ كلِّها.
ولو تأَمَّلنا في قولِه تعالى : ﴿فَإِذا قَضَيتُم مَناسِكَكُم فَاذكُرُوا اللٰهَ كَذِكرِكُم آباءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا فَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا وَما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ﴾ [البقرة/٢٠٠] لأّدركنا مدى تعلُّقِ الإِنسانِ بالدنيا ومَن فيها بواقعٍ يفرقُ تعلُّقَه فيه باللٰهِ تعالى ؛ فهذا الحاجُّ في بيتِه الحرامِ مشغولٌ بدنياهُ وبذويهِ عن علاقتِه بمَن جاء حاجًّا يستسمِحُه ويسترضيه !
فإِلى كلِّ مَن يَخشى الموتَ بسببِ كورونا: هل قدمتَ للٰهِ ما يجعلُكَ على استعدادٍ للقائِه وهو الذي أَحبَّكَ فأَوجدكَ في الدنيا ، ولولاهُ لَمَا كنتَ شيئًا مذكورًا ؟! وهل منحكَ مَن تُحبُّ الخلودَ معهم في الدنيا ضمانًا لبقائِكَ فيها ، ورعايةً لكَ في مراقيها ومهاويها ؟!
انظرْ إِلى الصالحين الذين أَحبُّوا اللٰهَ مُوجِدَهم وتَأَسَّ بهم ، وانظرْ إِلى الجاحدين الذين أَحبُّوا الدنيا وتملَّكوا فيها البلدانَ والكنوزَ والعبيدَ ؛ ماذا حلَّ بهم ؟! ثم اختَرْ ما يكونُ لكَ خيرًا قبل فواتِ الأَوانِ الذي مصداقُه إِنذارُه تعالى: ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبِّ ارجِعونِ ، لَعَلِّي أَعمَلُ صالِحًا فيما تَرَكتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِن وَرائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثونَ﴾ [المؤمنون/٩٩-١٠٠].
الدنيا جميلةٌ لِمَن يفوزُ بحكمةٍ فيها. والآخرةُ أَجملُ لِمَن جهَّز الزادَ يومًا يُلاقيها.
حفظكمُ اللٰهُ تعالى ، وحرس أُسرَكم وأَهليكم وذويكم برحمتِه ورعايتِه ، وجنَّبنا وإِيَّاكم ڤيروس كورونا وتبعاتِه وسائرَ الشدائدِ والمكارِه ؛ إِنه سميعٌ مجيب.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/24



كتابة تعليق لموضوع : فوزُ الإِنسانِ وخُسرانُه بينَ حبِّ اللٰهِ تعالى ، وحُبِّ الدنيا:
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net