مفهوم السياسة عند الإمام علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعد كلمة السياسة من المفاهيم الأساسية التي تدخل في تكوين الوعي الثقافي والفكري للإنسان , حيث يرتكز على فهمها كشف الكثير من الأمور والأحداث , باعتبارها أداة محركة ومؤثرة في مجالات الحياة المختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ... ولذا نريد التعرف على مفهوم السياسة في فكر وكلمات أعظم واهم ساسة التاريخ الإسلامي والإنساني ألا وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث مثل نموذجا ناصعا ونقيا في الحقل السياسي على الرغم من كل الظروف والملابسات والفتن التي رافقت حكمه وخلافته التي بلغت أربع سنوات وثلاثة أشهر , ومن اجل بيان السياسة كمفهوم بشكل واضح سنعرض اولا لمعناها ومدولها في اللغة , ثم تعريفها عند الكتاب و المفكرين غير الإسلاميين تعميما للفائدة. • السياسة في اللغة تدور كلمة السياسة في اللغة العربية حول معنى , التدبير , الرعاية والعناية , الترويض والتدريب , الاهتمام بالشيء والإشراف عليه. فالسياسة في الأصل مأخوذة من , ساس الدابة أو الفرس : أي القيام بأمرها وشؤونها من السقي والعلف والترويض والتربية والتنظيف ...(1). وهي تعني أيضا " القيام على الشئ بما يصلحه " , ويقال لمن يتولى شؤون الرعية ويدير أمورها بالسائس أو السياسي , ولقد ورد في الحديث " كانت بنوا إسرائيل يسوسهم أنبيائهم "(2). أي يقودهم أنبيائهم و يتولوا أمورهم ويشرفوا عليها ويدبرونها . فالسياسة إذن في معناها اللغوي : هي تولي أمر الشيء والإشراف عليه والقيام بما يصلحه , والشخص العامل في هذا المجال يقال له سائس أو سياسي. • السياسة عند الكتاب والمفكرين غير الإسلاميين لقد تناول الكثير من المفكرين والكتاب غير الإسلاميين مفهوم السياسة وعرفوها , وقد اختلفوا في ذلك تبعا للاختلاف في مدارسهم ومذاهبهم الفكرية , وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية , وتجاربهم العملية في الحياة. - فالسياسة عند فلاسفة اليونان هي : فن الحكم وإدارة المجتمع والأفراد , حيث عرفها سقراط بأنها : فن الحكم والسياسي هو الذي يعرق هذا الفن . وعرفها ( السياسة ) أفلاطون : فن تربية الأفراد في حياة اجتماعية مشتركة والعناية بشؤون الجماعة أو فن حكم الأفراد برضاهم(3) . - أما عند ( ميكافيلي ) صاحب كتاب "الأمير"  فالسياسة : هي فن الإبقاء على السلطة وجمعها في سلطة الحكام وبصرف النظر عن الوسائل التي تحقق ذلك(4) . - ولقد عرف "هانز مورغنتاو" السياسة : هي الصراع من اجل القوة والسيطرة . إما "هارولد لاسويل" فالسياسة عنده : هي السلطة أو النفوذ الذي يحدد من يحصل على ماذا , ومتى , وكيف ؟ (5). - ولقد عرفها الكاتب والسياسي البريطاني " بنيامين دزرائيل " السياسة : هي فن حكم البشر عن طريق خداعهم (6). فهذا الاختلاف في فهم السياسة وتعريفها من قبل الكتاب والمفكرين ناشئ عن فهم كل منهم للحياة والكون والإنسان وتعكس رؤيتهم للأخلاق والفلسفة والتاريخ , ونجد أن السياسة في فكرهم تتمحور حول , الحكم والسلطة , القوة والنفوذ , الصراع والنزاع , وتتوسل بشتى الوسائل والأدوات من اجل الهيمنة والسيطرة والنفوذ, بصرف النظر عن نظافة الوسيلة أو مشروعيتها الأخلاقية و الإنسانية , فالمراوغة والكذب والخداع في فكرهم أدوات ناجعة إذا ما تكفلت بتحقيق المصالح والمنافع السياسية عندهم . • مفهوم السياسة عند الإمام علي (عليه السلام) السياسة عند علي عليه السلام تنطلق من رؤيته الإلهية للكون والإنسان والحياة والوجود بكله" ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه "(7) فالإمام هو القائل " الملك سياسة " ولكنها (السياسة) ليست مقصدا وهدفا بل وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان المادية والمعنوية وفق الرؤية الرسالية للإسلام ونظامه الشامل لمختلف مجالات الحياة وأبعاد وجود الإنسان . فقيمة الحكم والسياسة عند علي (عليه السلام) هي بقدر ما تحقق تلك الأهداف والغايات الإلهية والإنسانية ولذلك يشير الإمام بوضوح بقوله لابن عباس : " والله لهى (النعل الممزقة) أحبّ إلىّ من إمرتكم (الخلافة) إلاّ أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلا "(8). فالسلطة والموقع السياسي ليست تشريفا وامتيازا, بل هي مسؤولية وتكليف الهي لإقامة الحق في مختلف مساحات الحياة , ودفع الباطل بكل أشكاله وصوره . فالسياسة في المدرسة العلوية تعني: معرفة الأدوات السياسية المشروعة وتوظيفها لإدارة المجتمع وتامين الرفاه المادي والمعنوي للناس , بل أساسا لا تستحق السياسات غير الشرعية لقب السياسة في النهج العلوي ولا يطلق عليها هذا الوصف : إنما هي المكر والخدعة والنكراء والشيطنة(9). ولذلك فان سمات السياسة وخصائصها في الرؤية العلوية تختلف عن غيرها من المناهج والرؤى الأخرى , فعند الإمام علي (عليه السلام) ملاك السياسة "العدل" ورأسها "استعمال الرفق" وجمالها "العدل في الإمرة والعفو عند المقدرة " وزينها "الاحتمال" وحسنها "قوام الرعية"...(10). ما نستنتجه ان السياسة عند الإمام علي (عليه السلام) هي جزء من المنظومة القيمية الإسلامية , وتسير بأدواتها المشروعة لتحقيق الغايات الإلهية والإنسانية الكبرى للبشرية جمعاء.

1- انظر: معجم تاج العروس. 2- انظر: معجم لسان العرب. 3- نقلا عن: هاشم الموسوي , الثقافة السياسة الإسلامية. 4- هاشم الموسوي , المصدر نفسه 5- السياسة في الغرب , مقال منشور على موقع www.qaradawi.net. 6- هاشم الموسوي , المصدر نفسه . 7- القبانجي , مسند الإمام علي, ج1 . 8- نهج البلاغة , الخطبة35 . 9- نقلا عن: محمد الريشهري , موسوعة الإمام علي في القران والسنة والتاريخ , مجلد4 . 10- غرر الحكم ودرر الكلم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/17



كتابة تعليق لموضوع : مفهوم السياسة عند الإمام علي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net