صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢٢)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

إِذا أَردت أَن تستوعبَ شرُوط التَّمكين، فرداً أَو مُجتمعاً، يلزمكَ أَن تكونَ على استعدادٍ تامٍّ لتقييمِ نقاط القوَّة والضَّعف بشكلٍ دقيقٍ فالمبالغةُ تودي بكَ إِلىالتَّهلكُةِ.

إِنَّ الوهمَ سببهُ خِداع الذَّات {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

وفي الآيةِ المُباركة تخفيفٌ من الله تعالى على المُسلمين عندما علِم أَنَّ فيهم ضعفاً، بغضِّ النَّظر عن نوعهِ، ولولا ذلكَ لحمَّلهُم فَوقَ طاقتهِم وهذا خِلافُ الواقعوالحِكمة.

فإِذا كانَ تعالى في بادئِ الأَمرِ يتوقَّعَ منهُم إِنجازاً أَكبرَ في ساحةِ المعركةِ لقوَّتهِم وإِرادتهِم، كما في قولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِنيَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} فهوَ الآن خفَّف عنهم بسببِ ما ظهرَ فيهِم منضعفٍ.

هذا يعني أَنَّ [الضَّعف] الذي هوَ مُشكِلةٌ بحدِّ ذاتهِ قد تتضاعف مشاكلهُ إِذا لم يعترفَ بهِ المرءُ ليستعِدَّ لتجاوزِ مخاطرهِ من خلالِ إِيجادِ الحلُولِ والبدائلِ.

لذلكَ يُمكنُ القَول وبضَرسٍ قاطعٍ أَنَّ من أَهم شرُوط التَّمكين، هو الإِعتراف بالضَّعف وتقدير القوَّة بشكلٍ سليمٍ بِلا تهويلٍ أَو تضخيمٍ، والنَّاجحُون فقط همُ الذينَيتميَّزونَ بذلكَ ولهذا تراهم لا يُفاجأُون بشيءٍ لأَنَّهم حسِبُوا لكلِّ شيءٍ حسابهُ إِلَّا اللَّمم، أَمَّا الفاشلُون ففي كُلِّ يومٍ تواجههُم مُفاجأَة لأَنَّهُم يُهوِّلون ويُضخِّمونَوقليلاً ما ينجحُونَ في تجاوزِ آثارها السَّلبيَّة ورُبما المُدمِّرة.

إِنَّهم يُضخِّمون القوَّة المُفترضة ويهوِّنونَ من الضَّعف.

وإِنَّ الإِعتراف بالضَّعف دونَ الإِستسلام لهُ، يلزم أَن يعقبهُ طلبُ المُساعدةِ لسدِّ النَّقصِ ولتحقيقِ التَّكامل من دونِ خجلٍ أَو غرورٍ أَو إِعتدادٍ بالنَّفسِ زائداً عنحدِّهِ.

فعندما تعيدُ النَّظر فتكتشفَ خطأً أَو تقصيراً أَو قُصوراً فلا تخجل مِن البَوحِ بهِ عندَ مَن يستحق أَو عندَ المعنيِّ بكَ أَو بمشرُوعِكَ لتطلُبَ المُساعدة والنَّجدة، أَورُبما ليكُونَ شريككَ، فذلكَ أَمرٌ تصبُّ مصلحتهُ في إِنجازِ الهدف كما أَنَّهُ أَمرٌ يخدمُكَ لأَنَّهُ يقوِّي موقفكَ ويسدُّ الفراغ أَو الحلَقة الضَّعيفة في مسيرتكَ وأَنتَ تتحمَّلالمسؤُوليَّة.

وكلُّ هذا لا يُقلِّل من شأنِكَ كما يتصوَّر البعض أَو يُضعف أَو يطعن بشخصيَّتِكَ أَبداً، فلنتعلَّم فن الإِعتراف بالضَّعف أَو القصُور لطلبِ المُساعدةِ من آياتالقُرآن الكريم، عندما طلبَ نبيَّ الله موسى (ع) المدَد والمُساعدة من الله تعالى بدعوةِ أَخيهِ هارون ليُشاركهُ في أَمرِ الرِّسالة لتتكامل نُقاط قوَّتهِ مع نُقاط قوَّة أَخيهِأَو معَ ما يتميَّز بهِ ليسُدَّ بهِ الفراغ.

يقولُ تعالى مُتحدِّثاً عن ذلكَ {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُلِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ* وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}.

إِستجابَ الله تعالى لهُ بقولهِ {قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ* فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَاسُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}.

يُشيرُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) إِلى هذهِ الحالة الصحيَّة بحثِّهِ على تقديمِ النَّجدة مِنَ القويِّ لِمن بدا منهُ ضعفاً، فيقُولُ {وَأَيُّ امْرِىء مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشعِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ}.

فالنَّجدة لسدِّ النَّقص يُساهمُ في اقتناصِ فُرص التَّمكين، أَمَّا الوقُوف حَيراناً أَو مُتفرجاً فينتهي بالإِثَنينِ إِلى الهاوِية.

إِذا تحقَّقَ التَّكامُل بينَ القُوَّة والضَّعف وتضافرت العوامل وسَدَّ بعضهُ فراغ البعض الآخر فسيتجنَّب المُجتمع الحال السيِّئة التي ذكرها (ع) بقولهِ {وَكَأَنِّي أَنْظُرُإِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ؛ لاَ تَأْخُذُونَ حَقّاً، وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً. قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ، فَالنَّجَاةُ لَلْمُقْتَحِمِ، وَالْهَلَكَةُ لَلْمُتَلَوِّمِ}.

١٥ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: nahaidar@hotmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/17



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢٢)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net