دور المرجعية الدينية في رسالة المنبر الحسيني الإصلاحية -قراءة تحليلية لتوصيات المرجعية الدينية إلى الخطباء- (٥)
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

المحور الخامس: الجانب الفكري.
إنَّ الجانب الفكري من الجوانب المهمة والأساسية التي يجب أنْ تكون رسالة المنبر الحسيني قائمة عليه، فالرسالة الإسلامية تقوم على تربية المؤمن تربية فكرية على أساس العلم والمعرفة، ويكون الحاضرون للمنبر على ﭐستعداد لتلقي المعارف؛ وهذا بدوره يوجِب على الخطيب أنْ يكون مؤهَّلًا لذلك، من خلال الاطلاع على المؤلفات الفكرية الحديثة التي تتعرض إلى الرؤى والنظريات المعاصرة المؤيدة للعقيدة الإسلامية، أو المعادية التي تحاول أنْ تبث الأفكار المخالفة للشريعة، أو التشكيك بالنظام الإسلامي وغير ذلك مما يقومون به من أعمال من أجل عرقلة المشروع الإسلامي في جميع جوانبه، وهذا حقيقة يحتاج إلى خطباء أكفاء لهم القدرة على مواجهة تلك الاتجاهات المختلفة المؤيدة أو المعادية؛ لأجل هذا كان للمرجعية دور في بيانها حول الصلاح والإصلاح لرسالة المنبر الحسيني، فقد ورد في ذلك: ((أَنْ يَكُوْنَ الْخَطِيْبُ مُوَاكِبًا لِثَقَافَةِ زَمَانِهِ .... فَإِنَّ مُوَاكَبَةَ مَا يَسْتَجِدُّ مِنْ فِكْرٍ أَوْ سُلُوْكٍ أَوْ ثَقَافَةٍ تَجْعَلُ الاتِفَافَ حَوْلَ مِنْبَرِ الْحُسَيْنِ حَيًّا جَدِيْدًا ذَا تَأْثِيْرٍ وَفَاعِلِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ)).
وفي قراءة لهذا المقطع وما يتعلق بالجانب التربوي يمكن بيان ما يأتي:
1- أهمية أنْ يكون الخطيب على ثقافة كبيرة متنوعة واسعة، يمكنه من خلالها أنْ يهذب المجتمع من الجهل والتخلف الفكري المستحكم في كثير من زوايا المجتمع، مما له أثر في نشر الانحراف الفكري، فالثقافة التي يحتاجها الخطيب يجب أنْ تكون مما هي معتادة في زمانه، وليست موروثًا تراثيًّا، بل يحاول أنْ يكون الكلام الفكري منبثق من واقع الأمة وما يدور فيها من أفكار، واليوم هذا الأمر أصبح سهلًا معرفته بالنسبة للباحثين عنه.
2- إنَّ المرجعية تحاول بإشارات بيان ما يتداوله بعض الناس حول المنبر الحسيني بأنَّه لا يقوم على منهج فكري تربوي، وإنَّما على منهج تراثي روائي، وهذا لا يحقق آمال الأمة، أو يعالج مشاكلها في الجوانب المختلفة؛ لذا نرى العزوف من الطبقات المثقفة عن المنبر، ويحاول أولئك وضع المبررات لذلك كما تقدم، فالخطيب عليه الالتفات إلى مثل هذه التبريرات من خلال التجديد في الخطاب المنبري في معالجة، أو دراسة، أو بيان ما يتعلق بأفكار وسلوكيات المجتمع التي لا تتلاءم مع الشريعة المقدسة في بعض الأحايين، ومناقشتها بثقافة العصر المماثلة لها، وهذا يحتاج إلى خيب واعٍ لذلك.
3- إنَّ على الخطيب مسؤولية كبيرة في بث روح المنبر بالمعرفة والتفكير في نفوس المؤمنين، فالثقافة اليوم هي في الغالب ثقافة الحوار والنقاش والحجج والبرهان، وليست ثقافة التلقين والسرد للمعلومات، وهذا يجعل المنبر حيًّا جديدًا تترقبه الناس؛ لتتعلم منه ما يغذي أفكارها الغذاء المعرفي، الذي يحصِّنها تجاه تلك التيارات المتعددة التي تختلف في المذهب تارة، وفي العقيدة تارة أخرى.
4- إنَّ في قول المرجعية (حَيًّا جَدِيْدًا ذَا تَأْثِيْرٍ وَفَاعِلِيَّةٍ كَبِيْرَةٍ) إشارة واضحة إلى أنَّ الخطباء لهم أثر كبير في الإبقاء على جذوة المنبر حية في نفوس المؤمنين، أو إطفاء تلك الجذوة –لا سمح الله-، من خلال أسباب متعددة ومختلفة، قد تم ذكرها في البيان تلويحًا وتلميحًا، والحياة الحقيقية هي عندما يلتفُّ المؤمنون حول المنبر لأجل العقيدة والمعرفة والعمل، لا لأجل العاطفة والثواب فقط، وفي هذين المنهجين تقع مسؤولية الإحياء والخلود، أو الإماتة والأفول على خطيب المنبر، فعليه أنْ يكون على قدر هذه المسؤولية وخطرها.
إنَّ ما تقدم هو أهم ما يمكن أنْ نستقرأه في الجانب الفكري من توصيات المرجعية الدينية للخطيب الحسيني، وهو ما يتطلب منه أنْ يكون مستعدًّا فكريًّا لذلك، وهذا يحتاج إلى بذل جهد فكري له القدرة على مواجهة الفكر المقابل القائم في الغالب على المادة، وإنكار الخالق، ليتم من خلاله الولوج إلى أسس العقيدة الإسلامية، وما نراه اليوم من الأفكار الإلحادية في كثير من المجتمعات الإسلامية إنَّما هي نتيجة إهمال المنبر الإسلامي بصورة عامة إلى التصدي إلى الفكر بالفكر، وإنَّما ﭐكتفى إلى التصدي بالموروث الغيبي القائم على الإيمان والتسليم، أو الموروث النصِّي، على الرغم من وجود الاطروحات الفكرية الإسلامية العميقة، التي لها القابلية على الرد والتفنيد والإقناع.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat