التسميم السياسي Political Intoxication
صلاح الاركوازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صلاح الاركوازي

تعرف الأدبيات السياسية التسميم السياسي political intoxication بأنه عملية ممتدة تهدف إلى تغيير عقلية النخب عبر إعلاء قيمة معينة على حساب قيم أخرى، بما يرتب تغييرا في البنى المؤسسية، بحيث يكون الهدف الجديد للنخب، وما يرتبط بها من مؤسسات تحقيق هذه القيم بصرف النظر عن الحاجة إليها.
وفي السياسة الدولية يروِّج بعض الدول لقيم كالانفتاح السياسي والمجتمعي غير المحدود من دون إدراك أثره على طبيعة النظم ومجمل الأوضاع، وتكون النتيجة غالبا تخلخل المجتمعات موضع التجربة من دون إمكانية العودة إلى الوراء. والشاهد أن منطقتنا تتعرض منذ مطلع القرن لعملية تسميم سياسي متشعبة تستتر خلف شعارات التحديث النخبوي والتطوير الفكري من دون حساب لقدرة المجتمعات على احتمالها.
اليوم سواء في العراق او في العالم الاسلامي المقاوم نواجه تحديات جسام وكبيرة من قبل الاعداء الذين يحاولون بشتى الطرق والاساليب ان تعيد توجيه العقل والفكر المقاوم الى الطريق او المسار الذي يخدم هدفهم الشيطاني اي احداث عملية تغيير فكرية شاملة وفق استرتيجياتهم الخبيثة لذلك فان عملية التسميم السياسي هي واحدة من اهم هذه الاستراتيجيات والتي تسمى { استراتيجيات تغيير صورة العدو Strategies of change the image of the enemy} والتي يمكن ان تتم من خلال واحدة او اكثر من هذه الاستراتيجيات وهي :-
تراكم الاستثناءات Exceptions Accumulation
الفيض المضاد Counter Overflow
التصالح التدريجي Gradual Reconciliation
اتخاذ إجراءات لا يمكن التراجع عنها Take Action that Cannot be Undone
التسميم السياسي political intoxication
المفاهيم ألاساسية ألاربعة للتسميم السياسي:The Four Basic Concepts of Political Intoxication
إمكانية خلق التحلل في نظام القيم الجماعية بطريق غير مباشر.
تطويع الإرادة القومية من الداخل من خلال التعامل النفسي المباشر.
التدرج في عملية التوجه السياسي من مستوى زرع القيم إلى مستوى تضخيم القيم المزروعة.
جعل مفهوم تفتيت الوحدة الوطنية أساساً مطلقاً بوصفة مقدمة لتخطي الصراع العضوي في مواجهة الاستعمار التقليدي.
وهنالك تعاريف كثيره لهذا المصطلح لكنها تعطي في الاطار العام نفس المعنى منها :-
وهو ان التسميم السياسيPolitical Intoxication هي عملية ممتدة تهدف إلى تغيير عقلية النخب عبر إعلاء قيمة معينة على حساب قيم أخرى، بما يرتب تغييرا في البنى المؤسسية، بحيث يكون الهدف الجديد للنخب، وما يرتبط بها من مؤسسات...
او هي محاولة زرع أفكار معينة أو قيم دخيلة من خلال الكذب والخديعة ثم العمل على تضخيم هذه القيم تدريجيا لتصبح قيم عليا في المجتمع المستهدف، وهي تستهدف تبديل القيم أو التحلل من قيم معينة بشكل تدريجي وغير مباشر. والأخطر من كل هذا أن التسميم لا يمارسه العدو مباشرة وإنما على مرحلتين متتاليتين ومتناغمتين وهما :- المرحلة الاولى :- يتم استعمال النخب الفكرية والثقافية وفئات مختارة لتُنقل لها الأفكار الدخيلة، في مرحلة ثانية :- ثم يتم ُترك هذه النخب والفئات لتنقل تلك الأفكارإلى الجماهير من خلال أدوات الدعاية والإعلام المختلفة.
وتبدأ استراتيجية اوعملية التسميم السياسي بالتعامل مع صورة العدو نفسها كجزء من مكونات الهوية ذاتها ومن ثم يكون التلاعب بهذه الصورة عبر تغيير الهوية نفسها (وهذه الاستراتيجية هي بخلاف الاستراتيجيات الاربعة السابقة التي تركز على تغيير صورة العدو كهدف أساسي،( وتتم استراتيجية التسميم من خلال مرحلتين اوعمليتين متوازيتين و هما : :-
اولا - المرحلة الاولى :-
زرع قيم جديدة لدى طبقات في المجتمع المحكوم: الطبقة المثقفة والنخبة السياسية هذه القيم الجديدة في حد ذاتها ليست شيئًا سيئًا، بل تُعَدُّ أمرًا مرغوبًا فيه، وتمثل في فترة معينة تطلعات المجتمع والإنسان المعاصر،
ولكن المشكلة تكمن في مرحلة التالية (( بعد ان تم نقل وزرع القيم الجديدة وتضخيمها )) الا وهي مرحلة التصعيد (Escalation stage) وعندئذ تحدث عملية إحلال شعورية ولا شعورية، فإذا بهذه القيم الجديدة تَحُلُّ محل القيم والثوابت القديمة ،، كأن يتم التأكيد على تغييب قيم معينة على سبيل المثال لا الحصر :-
المقاومة لمصلحة السلام.
او تغييب قيم حوار الاديان على حساب اولوية الحقوق بين الاديان .
او اعلاء قيمة النمو على حساب عدالة توزيع.
اوتغليب تعبير الانتحاري على الاستشهادي.
او الارهاب على المقاومة .
او قضية الشرق الاوسط بدلا من القضية الفلسطينية .. ......الخ.
وما يجب ملاحظته للمتخصيين بدقه هنا هو ان مرحلة الخطورة تكمن هنا تحديدا حيث ان هذه العملية حتما وبصورة مؤكدة سوف تقود إلى التصادم والصراع بين النوعين من القيم (القيم الاصيلة والدخيلة او القيم الفايروسية ، المُخٌطِط يجب ان تكون لديه المعلومات الكاملة والعلمية عن الهدف )، سواءً تم ذلك على المستوى الفردي أوعلى المستوى الجماعي، فلنتصور ((وما اكثرهذه النماذج اليوم في العراق )) مفكرًا أو موظفًا تصاعدت لديه قيم الشهرة والاستهلاك، والكسب السريع دون مجهود حقيقي على حساب قيم الأمانة، والعدل، والحق والشرف، …. إلخ، فما الذي يحدث؟، سيكون على استعداد بل سيستميت ويقاتل لأن يفعل أي شيء لتحقيق قيمه الجديدة : يسرق، ويرتشي، ويتنازل عن كرامته أو هويته…إلخ.
ثانيا - المرحلة الثانية:
عبر منطق الدعاية والتوجيه السياسي حيث يتم تسريب أفكار وقيم معينة بحيث تؤدي إلى تصور معين للمواقف يختلف عن حقيقته الفعلية،
مما يترتب عليه عند اكتشاف هذه الحقيقة نوع من الصدمة تؤدي إلى شلل نفسي، وبالتالي عدم القدرة على المواجهة لما توجده من تمزيق في الشخصية.
اي يمكن القول ان التسميم السياسي تتم عبر آليتين أو أداتين متكاملتين ( التضليل والترويض):
أ- أداة التضليل Misinformation الذي يقوم على التوظيف المخالف للواقع، والسيئ للقيم السياسية والدينية وغيرها.
ب- أداة الترويض Dressage والتي تجعل تلك "القيم" والمواقف "الجديدة" ليست مستغربة ولايتم رفضها بنفس الوقت، وإنما هي مطلوبة ومتسقة مع الإطار أو النظم القائمة بصرف النظر عن طبيعتها الواقعية. البحث والاكاديمي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat