أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢٢)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}.
كلُّ المُفسِّرين والمُؤَرِّخين والمُحدِّثين والرُّواة يقولُونَ بأَنَّ المقصود بهذهِ الآية المُباركة هو الإِمامُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) وشيعتهِ!.
فالطَّبري، مثلاً، يَقُولُ في تفسيرهِ عن هذه الآية؛ [حدَّثنا إِبن حميد، قَالَ؛ ثنَّا عيسى بن فرقد، عن أَبي الجارود، عن محمَّد بن عليّ (أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فقالَ النَّبي (ص) {أنْتَ يا عَليُّ وَشِيعَتُكَ}].
والآيةُ تحدِّد صِفتَين أَساسيَّتَين لمن كان يرجو أَن تشملهُ الآية؛
*الإِيمان
** العملُ الصَّالح
لا أُريدُ أَن أَتحدَّث هُنا عن إِيمانِ أَمير المُؤمنين (ع) وأَعمالهِ الصَّالحة الذي يكفيهِ فخراً وعظمةً واحداً منها أَلا وهوَ ضربتهُ في يَوْمِ الخندق والتي وصفَها رَسُولُ الله (ص) بقولهِ {ضَربةُ عليٍّ يومَ الخَندقِ أَفضلُ من عِبادةِ الثَّقلينِ}.
إِنَّما أُريدُ أَن أَتلمَّس طريقاً لشيعتهِ.
فهُنا تُسكب العَبَرات، فلقد قَالَ رَسُولُ الله (ص) {قَصَمت ظهري آيةٌ في سورةِ هود} وعندما سُئِل عنها قَالَ (ص)؛ هي قولهُ تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
إِنَّ المُؤَكَّد المُتيقَّن بأَنَّ الآية لا تطلب من رَسُولِ الله (ص) الإِستقامة وعدم الطُّغيان وهو الذي قَالَ عَنْهُ ربُّ العزَّة {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} وهو ما لم يصفُ بهِ أَيَّ نبيٍّ مُرسلٍ آخر! إِنَّما المقصودُ بها {وَمَن تَابَ مَعَكَ} وهذا الجُزءُ هو الذي قصدهُ رسول الله (ص) بقولهِ عندما اشتكى من الآيةِ، إِن صحَّ التَّعبير، فالمشكلةُ فيهم، وكذا في شيعةِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) فكيف يمكنُ أَن يكونُوا في سيرتهِم وسلوكهِم لتشملهُم الآية المُباركة فيكونُوا {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} كما أَخبر النبيُّ (ص)؟!.
لقد تحدَّث أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عن الصِّفاتِ المطلوبةِ في عدَّة خُطبٍ وكُتُبٍ ووصايا وأَقوال، سأَستشهِدُ بإِثنَين منهُما فقط لضيقِ المقام؛
الأَوَّل؛ هو وصفهُ (ع) لأَخٍ لَهُ فيقول؛
كَانَ لِي فيَِما مَضَى أَخٌ فِي اللهِ، وَكَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلاَ يَشْتَهِي مَا لاَ يَجِدُ وَلاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ، وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً! فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَاب وَصِلُّ وَادٍ لاَ يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً، وَكَانَ لاَ يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ، وَكَانَ لاَ يَشْكُو وَجَعاً إِلاَّ عِنْدَ بُرْئِهِ، وَكَانَ يقُولُ مَا يَفْعَلُ وَلاَ يَقُولُ مَا لاَ يَفْعَلُ، وَكَانَ إذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلاَمِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ، وَكَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَكَان إذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ نَظَرَ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فَخَالَفَهُ.
ثمَّ يُضيفُ (ع)؛
فَعَلَيْكُمْ بِهذِهِ الْخَلاَئِقِ فَالْزَمُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ.
أَمَّا الثَّاني؛ فمِن وصيَّتهِ لإِبنهِ الإِمام الحَسن المُجتبى السِّبط (ع) والتي يَقُولُ فيها؛
يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
وَاعْلَمْ، أَنَّ الاِْعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَةُ الاَْلْبَابِ، فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ.
تعالُوا -يا شيعةَ عليٍّ- المقصودُون بالآيةِ الكريمةِ استناداً إِلى قولِ رَسُولِ الله (ص) نوظِّف الشَّهر الفضيل وليالي إِستشهاد أَمير المُؤمنين (ع) في ليالي القدْر العظيمة لنُعيدَ حساباتِنا ومقاساتِنا قَبْلَ فواتِ الأَوان، لنكونَ كما أَراد إِمامُنا جعفر بن مُحمَّد الصَّادق (ع) بقولهِ {كُونُوا لنا زَيناً ولا تكونُوا شَيناً} كيف؟! بحُسن التَّربية والسُّلوك.
ويُضيفُ ع {معاشرَ الشِّيعة؛ كونُوا لنا زَيناً ولا تكونُوا علينا شَيناً ، قولُوا للنَّاسِ حُسناً، واحفظُوا أَلسنتكُم وكُفُّوها عَنِ الفُضُولِ}.
ولقد قسَّم (ع) الشِّيعة إِلى ثلاثةِ أَقسامٍ بقولهِ {الشِّيعةُ ثلاث؛ مُحِبٌّ وادٌّ فهو منَّا، ومُتزيِّنٌ بنا ونحنُ زَينٌ لِمَن تزيَّنَ بِنا، ومُستأكِلٌ بِنا النَّاس ومَن استأكلَ بِنا افتَقرَ}.
فهل أَصبحنا الْيَوْم في زمنِ [المُستأكِلُون]؟!.
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat