صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٦)  
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
   إِنَّ أَروع ما يلزم أَن يتَّصفَ بهِ المُجتمع هو أَن يُشجِّع على الإِعترافِ بالخطأ، مِن دونِ تشهيرٍ! لأَنَّ التستُّر على الخطأ يولِّد النِّفاق وقد يتحوَّل إِلى جريمةٍ إِذا تضخَّم كثيراً!.
   وهذهِ النَّظريَّة يلزم أَن تشيعَ كثقافةٍ في كلِّ حلقاتِ ومفاصلِ المُجتمع.
   ففي الأُسرة يلزم أَن يشجِّع الأَبوان أَولادهُم على الإِعترافِ فوراً إِذا ارتكبُوا خطأ ما مهما كانَ تافِهاً أَو حقيراً، فالطِّفلُ على وجهِ التَّحديد لا يُمكنهُ تقدير حجم الخطأ ولذلكَ يلزم تعليمهُ وتشجيعهُ على الإِعترافِ بهِ بسرعةٍ! فذلكَ أَوَّلاً يعلِّم الصِّغار كيفَ يميِّزونَ بينَ العملِ الصَّحيح والآخر الخطأ من دونِ إِكراهٍ أَو عُنفٍ.
   كما أَنَّ ذَلِكَ يسهِّل على الأَبوَين مهمَّة تصحيح الخطأ لأَنَّ الخطأ وهو صغيرٌ لم يمرَّ عليهِ زمنٌ طويلٌ من السَّهلِ معالجتهُ وتصحيحهُ، أَمَّا إِذا مرَّ عليهِ وقتٌ فسيكبر بالتَّأكيد وبالتَّالي يصعب تصحيحهُ، فالخطأُ ككُرةِ الثَّلج كلَّما تدحرجَ مدَّةً أَطول كلَّما تضخَّمَ وتوسَّعَ وتعقَّدَ!.
   فضلاً عن ذَلِكَ فإِنَّ تشجيع الأَبناء على الإِعترافِ بالخطأ يعلِّمهم كيفَ يواجهونَ الحقيقة؟ وكيفَ يتحمَّلون المسؤُوليَّة؟ وكذلكَ يربِّيهم على الشَّجاعة والمُبادرة، وهذهِ كلَّها صفاتٌ تبني منهُم شخصيَّةً ثابتةً وموزونةً لا تخاف المُواجهة ولا تتردَّد في التَّعاملِ مع الخطأ!.
   كذلك الحال فيما يخصُّ التِّلميذ في المدرسةِ والعامل في محلِّ العمل وهكذا.
   إِذا تربَّى المُجتمع على ذَلِكَ فعندها سنحصد سياسيِّين يتسنَّمونَ مواقع المسؤُوليَّة في الدَّولة يعترفُون بالخطأ والفشل إِذا أَخطأوا أَو فشلُوا فلا تأخُذهُم العزَّة بالإِثمِ ولا يبرِّرونَ لأَنفسهِم مهما كان الخطأُ صغيراً أَو كبيراً.
   يَقُولُ تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وكيفَ لا يصرُّ المرء على ما أَخطأَ إِذا لم يتربَّ على الإِعتراف بالخطأ منذُ نعُومة أَظفارهِ؟! وكيف يفعلُ ذَلِكَ إِذا كان يعيش أَجواء الرُّعب والخَوف والإِرهاب في الأُسرة بمجرَّد أَنَّهُ يرتكب خطأ ما فلم يجرُؤ على البَوحِ والإِعتراف بهِ؟!.
   يوصي أَميرُ المُؤمنينَ (ع) مالكاً الأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر بقولهِ {ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُْمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع}.
   ويُضيفُ محرِّضاً على كشفِ الحقائق والإِعتراف بالخطأ علناً جَهاراً بقولهِ {وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً، فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ فِيه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ}.
   إِنَّها أَفضلُ رياضةٍ للنَّفس وللآخرين لتوطينهِم على المُبادرةِ للإِعترافِ بالخطأ وعدم الإِصرار عليهِ.
   أَما القرآن الكريم فيحرِّض على ذَلِكَ بقولهِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقوله {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
   حتَّى في ساحةِ الحرب فإِنَّ المُشرِّع يحثُّ على مُساعدة العدو للإِعترافِ بذنبهِ وإِفساح المجال لَهُ للتَّراجع في اللَّحظة التي يشعرُ بها أَنَّهُ كانَ على خطأ، يَقُولُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.           
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/21



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٦)  
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net