كان يومآ من ايام نيسان قبل عقدين من الزمن عندما وقفنا ننتظر شخصآ في معسكر التدريب في خان بني سعد ..قالوا انه مبعوث رفيع المستوى لإختيار قسم من الجنود في آمريته ولكن الحقيقة هي اننا بقينا في معسكر التدريب لان كل من لديه واسطه تم سحبه إلى مكان يليق بالواسطة وبقينا نحن الشروكية جمعونا في سيارات كوستر والاجرة طبعآ على حسابنا الخاص في ظل تقشف حزب صدام وثورته ووقفنا في الطريق ليشتري بعضنا طعاما وسألنا من يرافقنا عن وجهتنا إلى اين فقال لنا وهو يلعب بشاربه..(قريبين يابه اهنايه )..!!
اتذكر انه يوم ثلاثاء ولم يكن لدى اغلبنا سوى اجرة النقل وادار سائق الكوستر مذياعه لتأتي اغنية تقول(إستعجل يا ميل الساعة مواعد حبيبي آنه )ضج الجنود بالتصفيق على الاغنية وصمت البعض منهم وكانت السيارة تسير مثل سيارة الجنازة صوب النجف حتى وصلنا إلى مدينة قيل لنا انها الصويرة واننا اليوم سنبيت في منطقة جبلة احدى مدن بابل وعند الصباح سنعود للصويرة ليتم توزيعنا على وحدات الحرس الجمهوري..!!
كان الظلام دامس حين وصلنا وكان اول واجب لنا ان نجمع الطابوق المتناثر امام غرفة الضابط وأكملنا بسرعة وذهبنا كي نغسل ايدينا وفوجئنا ان المغسلة مرفوعة للتو من مكانها..فارشدونا إلى مغسلة اخرى وجدنا عندها جندي يحاول فتحها واخذها إلى مكان آخر...
مدعيآ أن ضابط الخفر امره برفع المغسلة...!!
وماهي إلا لحظات حتى جاء ضابط آخر يطلب اربعة من الجنود كنت انا احدهم وصعدنا في سيارة بكيب وتوجهنا إلى قاعة كبيرة كانت فيها صورة كبيرة جدا لصدام حسين وطلب منا ان نرفع الصورة ونضعها في البيكب ونربطها جيدآ حفاظآ على الجام والإطار وكان قلبي يدق بسرعة ومعي الشروكية الثلاثة عن سر رفع الصورة في الليل ووضعها في البيكب وطلب مني الضابط ان ابحث عن حبل لربط الصورة فيما انشغل الجنود الثلاثة برفعها بعد قطع ركائزها والصراحة ذهبت ورجعت ولم اجد حبلا ووجدت الصورة قد رفعت بالبيكب وتم ربطها بواير كهرباء..وعندما رآني الضابط عائدآ خالي الوفاض وبخني...
تفاجأت كثيرا يارب ليس من المعقول أن يكون هذا هو الجيش الذي كان صدام يرعب به الخصوم لا رواتب ولاطعام ولا ملابس ولا منام ولا حتى سيارات جيدة او اسلحة...
عند الصباح اجتمعنا بضابط سرية المقر الذي اخذ المغسلة الثانية ليوصينا بتوصيات ضابط الخفر الذي اخذ المغسلة الاولى والذي شدد على حرص ضابط امن الوحدة الذي اخذ الصورة بالأمس..ويدعونا فرادى للتبرع والنزول لأهلنا مباشرة ولم يكن من يتبرع سوى اثنان منا نزلوا مباشرة وبعدهم بساعة انزلونا جميعا على ان نعود يوم السبت للدوام مستصحبين معنا بطانيات وفراش وجولة ونفط وفلوس تبرع لمن يرغب والغريب ونحن في الطريق سمعت احد الجنود يقول ان الضباط باعوا المغسلتين لانهم مفلسين وضابط الامن باع اطار صورة الرئيس والجامه وادعى للنجار انها نوعية لاتناسب مقام القائد وانهم اعدوا صورة غيرها وبتكاليف الاطار والجامه سيضعون صورة أخرى..!!
لازلت اتذكر بيع المغسلتين والصورة في ظاهرة غريبة واستغرب طيلة فترة حكم البعث من هذا التصرف حتى جاءت طغمة من الفاسدين لم يبقوا مغسلة إلا سرقوها ولا صورة إلا باعوها..
سرقوا النفط والارض والأحلام وجعلوا من العراق دولة تطفوا على بحر من الدم والديون يتحكم به جماعة والشعب يجوع ويموت في اليوم الف مرة..
سرقوا اصواتنا واصابعنا وسنوات الشباب وضحكات الصغار وخنقوا الفرحة بفم الشريفات..!!
افعال الاعم الاغلب منهم لم يفعلها حتى الضباط في فترة النظام البائد رغم انهم كانوا في قمة العوز والحاجة..
تسرقنا اليوم الطاولات المستديرة والمباحثات والمبادرات والصفقات من تحت الطاولة وصدقوني سيضيع علينا من يسرق الصورة ومن يسرق المغسلة وربما نجد انفسنا نحن المتهمون..!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat