صفحة الكاتب : حوراء عطا الله

من يذكر حقوق الشهيد؟
حوراء عطا الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  في مدننا العراقية، هناك خلف الكواليس وعلى ضوء الشموع الحزين، أمهات كثيرات ثكلن بأولادهن، نتيجة حادث انفجار او اغتيال، او بمعركة من المعارك الكثيرة، الكبيرة منها والصغيرة، والأخيرة هذه كان يسميها “عمو صدام” الـ “كونه” ولالوم ولا عتاب ولاجناح عليه، فالرجل كان دمويا وفاشيا ودكتاتوريا وقمعيا… وما الى ذلك من مواصفات أهلته لأن يُدخل العراق في متاهات الحروب بأشكالها، فحرب الرزق وحرب الصحة وحرب الكهرباء… فضلا عن حروب النار والبارود، كانت جميعها قائمة على قدم وساق، وكان العراقيون في وضع (إنذار ج) 24 ساعة في اليوم وعلى مدار السنة.

  وإن لم تكن الأمهات قد ثُكلن بهذي الحرب او بتلك، فيكفي أبناءهن الضيم الذي كتب على العراقيين بعد زوال مقبورهم كما كتب على الذين من قبلهم، أن يكون سببا لضياعهم وتشتتهم في بقاع الأرض وفي غياهب الغربة والوحدة، وفي الأحوال كلها ألم الأمهات واحد على بنيهن وإن تفاوت وقعه على قلوبهن. إلا أن الوقع الأثقل وطأة عليهن بعد وقوع المقدر والمحتوم لأولادهن، هو ردود أفعال أولي أمر البلد الحاليين تجاه مصابهن، إذ لم يطيّب خواطرهن موقف من الحكومات، مع أن الأخيرات هي السبب فيما حدث لفلذات أكبادهن، بسوء إدارتها وتخبط قراراتها، فضلا عن ثغرات عديدة تفشت في مفاصلها، بين تهاون وتراخٍ وتواطؤ وفساد، وصراع على تقسيم المكاسب، واختلاف على توزيع المناصب، وتبعا لهذا أضحت البلاد عرضة لمن هب ودب، من قطاع الطرق ومتحيني الفرص، والسارق والسائل وابن السبيل وابن الحرام.

 وبين اليأس المطبق على حاضرنا المتردي وسط إهمال الحكومات، وانقطاع الأمل بمستقبل تأتي فيه إحداها بجديد، يضيع دم الشهيد بعد انقضاء الثالث والسابع والأربعين و (دورة السنة) وتُميع حقوقه ومستحقات عائلته في طيات إضبارة معاملة الشهيد، بين مؤسسات الدولة ووحدته القتالية ودوائر أخرى عديدة، فينحسر مصير أمهات الشهداء بين شظف العيش وبؤس الحال، وبين انعدام المعيل وحاجة العيال.

 وأكبر الطامات -وهي كثيرة في عراقنا الجديد- أن ضياع الحقوق هذا يحدث وسط مجتمع يعج بالمنابر ومتحدثيها، وبالجوامع وشيوخها، والحسينيات وساداتها، وبرجال دين لهم حضور في كل نادٍ، وصدى عالٍ في كل وادٍ، يتلون ماتيسر لهم من السور والآيات والأحاديث والعظات، منادين بالتكافل الاجتماعي ونصرة الفقير والرفق بالقوارير.

 ولو عدنا بذاكرتنا الى سني الثمانينيات، سني الحرب العراقية الإيرانية، فإننا ملزمون بقول حقيقة لامناص لنا من الإقرار بها، فرغم طيش صدام وعنجيهة نظامه ودمويته، فإنه عرف كيف يغطي بعض مساوئه ببضعة إجراءات وسياقات، كانت -بصرف النظر عن قصده منها- منصفة أمام الرأي العام وعادلة بعين فئات مجتمعية عديدة. فقد كانت للشهيد في تلك الحرب حقوق وامتيازات يتمتع بها ذووه وورثته، وكانوا ملزمين باستلامها.

  فصدام إذن، بقراراته المرحلية تلك، كان قد ذر الرماد في العيون، رغم أن نيته سيئة، ومأربه فيها لم يكن أكثر من كسب سمعة، تسبغ عليه مجدا مزيفا ووطنية مموهة، في حين هو بعيد عنهما بعد الثرى عن الثريا.

  ولو طوينا صفحة المقبور -او كما يحلو لبعضهم نعته بمفردات الشهيد او المرحوم- نجد في عراقنا الديمقراطي التعددي الفيدرالي آلاف الحقوق المضيعة، والاستحقاقات المؤجلة الى أجل غير مسمى، فعلاوة على حقوق ملايين الأحياء، هناك حقوق من قدموا أعلى مراتب التضحية، وأغلى مايملكون في دنياهم، مخلفين وراءهم أفواها فاغرة، وعوائل تعيش ظروفا تضاعف معاناة الفقدان وتفاقم وطأته، حيث معاناة العوز والفاقة والحاجة، وماتفرزه من مرض وجهل وضياع، وقطعا هذا أمر يدركه ساسة البلد المحصنون، والذين في خضرائهم يعمهون. فهل يصح وصف هذا الحال بمثلنا الدارج؛ (يجد ابو كلاش وياكل ابو جزمه)؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حوراء عطا الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/04


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : من يذكر حقوق الشهيد؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net