صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

بيت الداء ...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ان الحديث عن الغفلة والفرار منها، حديث ذو اهمية كبيرة، واكثرنا واقع في الغفلة من حيث يشعر او لا يشعر، قال عزوجل في محكم كتابه العزيز: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون) كم هي عظيمة هذا الآية التي تطرق سمع الانسان وتحثه على العودة الى المسار الصحيح والاعراض عن الغفلة، فالغفلة هي صفة للقلب توجب ترك الحق وعدم ذكر الموت وما بعده, فالمغفول عنه هو الموت والاخرة وعواقب الامور التي لابد للغافل من التنبه اليها بشكل مستمر. والغفلة هي العلة التامة في الوقوع في مستنقع الذنوب والمعاصي.
كما إنّ معنى الغفلة واقعاً هو قلّة التبصّر وعدم تأثّر الإنسان بالآيات والعبر التي تجري حوله، وذلك لقسوة قلبه وركونه الى الدنيا فيعمى عن هذه الآيات رغم إحاطته بها.
لقد حذر القران الكريم من الغفلة، في العديد من الآيات، كما في قوله تعالى: (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). وقال: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). وقال: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ). وقال: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ).
كما حذرت السنة النبوية واحديث المعصومون سلام الله عليهم من الغفلة ومخاطرها. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الغفلة اضرُّ الأعداء. وعنه ايضاً: احذر منازل الغفلة والجفاء، وقلة الأعوان عن طاعة الله. وقال: ورام الغفلة يعمي البصيرة. وعن الامام الباقر عليه السلام: وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب.
وقد قال رسول الله (ص): الغفلة في ثلاثة: الغفلة عن ذكر الله، والغفلة ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس، والغفلة عن نفسه في دينه حتى يموت.
وقال ايضاً: لا يكفيكم من العِظة ذكر الموت، ويكفيكم من التفكر ذكر الاخرة، ويكفيكم من العبادة الورع، ويكفيكم من الاستغفار ترك الذنوب، ويكفيكم من الدعاء النصيحة فمن كان فيه من هذه الخصال واحدة دخل الجنة مع أول زمرة من الأنبياء.
فإن الغفلة داء عضال، ومرض خطیر، بل أخطر من الأمراض العضوية؛ حیث يضعف الدین ویدمر القلب، ویؤدي إلى الهلاك، وخسارة الدنیا والآخرة، وهذا المرض یصاب به كثیر من الناس وهم لا یشعرون، وتقع الكارثة حین یموتون، وهناك یتمنون الرجعة لكن بعد فوات الأوان، لماذا تمنوا الرجعة؟ لأنهم استیقظوا من الغفلة التي كانوا فیها. المصدر: الغفلة في ضوء القران، ص8.
وقيل ان أحد العوامل الذي يهيء الارضية لاقتراف الذنب هو الغفلة والذي يقابله ذكر الله سبحانه وتعالى، حيث ان الذكر عامل مهم في منع اقتراف الذنب.
وقال العلامة المجلسي: ان كثرة الغفلة عن ذكر الله وعن الموت وأمور الآخرة موجبة للأماني الباطلة والخيالات الفاسدة التي هي كأضغاث الأحلام ولا يلتفت إليها الكرام.
كما ان السبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة، أما ذكر الله والآخرة فدافع أصيل للإحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة، وعامل قدرة وقوة وعلم للإنسان.
أنَّنا لابدّ أن نسلّم بأنَّ جميع البشر نائمون بنحوٍ من أنحاء الغفلة؛ إذ لابدّ من‏ الغفلة عن بعض الأشياء، ولا يمكن للإنسان أن يكون ملتفتاً إلى كلّ الأشياء التي تدخل في مصالحه إلّا أن يكون معصوماً بالذات. المصدر: منة المنان.
كما وإن الفرد ما دام في الحياة الدنيا، فهو لا يخلو في مضاعفاتها ومصاعبها، من‏ الغفلة والنسيان والأطماع ونحوها، مما يسبب ابتعاد الفرد أحياناً عن هدفه الحقيقي. فإذا التفت إلى حالة رجع إلى هدفه‏ (تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ‏)، فيمكن أن يمثل أحد الشوطين شوط الهدف والآخر شوط الغفلة والنسيان، ثم العود إلى شوط الهدف‏ وهكذا، أو قل: إن العدد الفرد منها هو شوط الهدف والعدد الزوج منها شوط الغفلة. أو قل شوط الدنيا وشوط الآخرة. المصدر: فقه الأخلاق، ج‏2، ص141.
أما علامات الغافل فقد بينها لقمان الحكيم عليه السلام لابنه وهو يعظه: يا بني لكل شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها... وللغافل ثلاث علامات: السهو واللهو والنسيان.
ومن الأمور التي يراقبها الإنسان في نفسه حتى لا ينزلق إلى دائرة الغافلين وهو لا يشعر، ومنها: عدم الإستعداد: عن الإمام علي عليه السلام: ويلٌ لمن غلبت عليه الغفلة فنسى الرحلة ولم يستعدّ. ومنها الإغترار بالدنيا: عن الإمام علي عليه السلام: سكر الغفلة والغرور أبعد إفاقة من سكر الخمور. 
وختاماً الغفلة بيت الداء وأصل خسران الآخرة، فيستعاذ منه، وهذا البلاء الباطني مرفوعٌ عن المعصومين (عليهم السلام). قال أمير المؤمنين: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً. وقال: ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله وبعده‏. المصدر: منة المنان، ج‏1، ص120.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/11/11



كتابة تعليق لموضوع : بيت الداء ...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net