الشَّيخ محمَّد ابن الشَّيخ جعفر بن نظر علي الحلِّيّ,الملقَّب بــ(المحدِّث).
قال الشَّيخ اليعقوبيّ : (يلقِّبونه بالمُحدِّث، لطول باعهِ وسعة اطلاعه في علم الحديث، فقد كان ذا إحاطة واسعة بأَحاديث النَّبيِّ وأَهل بيته الأَطهار(عليهم السلام). اشتهر أَمره بالصَّلاح والورع، وحسن الأَساليب في مواعظه وخطاباته المنبريَّة).
نشأَ وتأدَّب في مدينة الحلَّة، واستفاد من هجرته إلى النَّجف الأشرف من منبر العلَّامة المتأَلِّه الشَّيخ جعفر الشوشتري.
ودرس عليه جماعة منهم الشَّيخ محمَّد حسين بن حمد الحلِّيّ، كما ترك جملة من الآثار والمجاميع المخطوطة منها كتابٌ مخطوطٌ أَسماه (منزلة أَمير المؤمنين (عليه السلام)).
وهو قليل النظم بالرغم من موهبته الشعريَّة، إلَّا ما تقتضيه المناسبات المنبريَّة. و شعره لم يجمع.
كان يحب العزلة منقطعاً إلى التهجّد والأذكار في مسجد ( أَبو حُوَاض) في الحلَّة ، وكان يقضي شهري صفر ومحرم الحرام في البصرة للخطابة المنبريَّة والوعظ والإرشاد في المحافل الحسينيَّة.
ولد في مدينة الحلَّة سنة 1259هـ/1843م. وتوفي فيها سنة 1317ه-1899م بمرض الملاريا، وقيل قبلها بسنة. ورثاه جماعة من شعراء الحلَّة, منهم الحاج حسن القيّم الحلِّي والحاج عبد المجيد العطار الحلِّي.
ومن شعره في رثاء أَهل البيت (ع) قوله:
لهفي لزينب بعد الصونِ حاسرة
بين اللئام ومنها الخدر مبتذلُ
تقول: وا ضيعتا بعد الحسين أخي
من لي وقد خاب منِّي الظنُّ والأملُ
وأخرجوا السَّيِّد السَّجاد بينهُمُ
يساقُ قَسراً وبالأغلال يعتقلُ
إذا ونى قنَّعوهُ بالسِّياط وإنْ
مشى أَضرَّ به من قيدهِ ثقلُ
وقد سروا ببناتِ المصطفى ذللاً
تسري بها في الفيافي الأَنيقُ البُزلُ
ما بين باكيةٍ للخدِّ لاطمةً
وبين ثاكلةٍ أودى بها الثكلُ
وبين حاسرةٍ بالرّدنِ ساترة
بوجهها وعليها مطرفٌ سملُ
وبين قائلةٍ: يا جدَّنا فعلوا
بنا علوجُ بني مروانَ ما فعلوا
وقوله معارضاً قصيدة أبي الحسن الحصريّ القيروانيّ المعروفة بــ(ليل الصبّ):
صبٌّ قد ذاب تجلُّدُهُ
ما شأنُ الليل وما غدُهُ
الصبحُ لديه كليلتِهِ
مذ ساوى الأبيضَ أسوَدُه
الحزن الدائم مطعمُهُ
والدمعُ الساكبُ مورده
الشوق يهيجُ فيُنعشُهُ
والوهمُ يكاد يبدِّدُه
أضناه السّقم وأرَّقَه
همٌّ بالليل يسهِّده
كثُرَ اللُّوّام بساحته
وتبسّم حقدًا حُسَّدُه
ملت شكواه أحبتُه
وجفاه الأهل وعُوَّدُ
وطبيبٌ كان يمرِّضُه
قد جُنَّ ومات مضمِّده
يُشقيه البعدُ ويؤلمه
ورجاء لَقائك يُسعده
ما انفكَّ وذكرك في فمه
بلسان الصدق يُرَدِّدُ
محرابُ جمالكَ قبلتُه
ومحلُّ لقائك معبَده
فالشّوق إليك مؤذِّنه
وأداء الحمد تَشَهُّدُه
لم يَبق سواك له أملٌ
فمتى ترعاه وتُنجده
أنت المقصود وغيرك لا
يهواه ولا يستعبده
فوجود الكون بِدقَّته
قد دلَّ بأنك موجده
لا ينكَرُ ضوءُ الشمس إذا
ما أنكر ذلك أرمده
أجميلُ الصّنعِ نشاهدُه
ووجودُ الصّانع نجحده
رحماك فها أنا ذا بشرٌ
محدود الفكر مشرَّدُه
أحلام اليقظة تُرهبُه
والعقل الباطن يُجهده
والحكمة عنه إن خفيَتْ
موج الأوهام يهدّده
نَوِّرْ بالعلم بصيرتَه
وبلطف منك تُسدِّدُه
العمرُ تصرَّم أكثرُه
والموتُ قريبٌ موعده
فاجعل غفرانَك غايتَه
قد ضاق بما كسبت يدُه
من مصادر دراسته:
البابليات 3/41، أَدب الطَّف 8/143، تاريخ الحلَّة 2/149، موسوعة أَعلام الحلَّة 1/224، الحسين في الشعر الحلِّي 1/245 , معجم خطباء الحلَّة الفيحاء للكاتب (خ).
د. سعد الحداد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat