المتابع لحركة البشر التاريخية على الأرض يرى أن كل ما وضعه الإنسان من افكار خارج سياق الدين كان إلى زوال وحتى ثوراته التي قام بها من اجل التصحيح والتغيير زالت بزوال جيلها الأول واصبحت ذكرا منسيّا في بطون كتب التاريخ ، إلا الافكار والتغييرات والثوراة التي قامت بإسم الدين فإنها باقية ، وكل من اصطدم بالدين رجع خائبا وباء بالخسران.
في العصر الحديث فإن اكبر الثورات كانت مثلا الثورة البلشفية عام 1917 التي قام بها مجموعة من اليهود فاسسوا دولة الاتحاد السوفيتي التي قامت على اساس القضاء على الدين وقمعه بشتى الوسائل حتى من حيث تسمية الأفراد فإن الاسماء الاسلامية تم اضافة حروف روسية لتشويهها مثل اسم علي اطلقوا عليه عليوف ، وقادر اصبحت قادروف وهكذا تحولت المساجد والكنائس إلى متاحف وحورب الزي الإسلامي، ولكن هذه الثورة لم تصمد سوى سبعين عاما ثم انهارت والسبب اصدامها بالدين وأدى انهيارها إلى انبثاق سبع جمهوريات اسلامية.
وفي هذا القرن الذي لازلنا شهودا عليه انبثقت ثورات الربيع العربي في كثير من البلدان الاسلامية ولكنها كانت ثورات مسخ لا تُعرف الاصابع التي تقف خلفها فكانت مثلا تونس وليبيا واليمن ومصر احسن حالا فيما لو كانت على عهدها القديم فهي الان في احط مراحلها وضياعها هذه الثورات اصطدمت بالدين منذ اول يوم فنرى مثلا تونس يصدر برلمانها قرارا يمنع فيه (التلوث الضجيجي) اي منع الاصوات العالية ، وبالرجوع إلى هذه المفردة تبين انها لا تمنع اصوات ابواق السيارات وغيرها بل انها تقصد منع الاذان من فوق المنائر لأن صوت المكبرات العالي يُسبب التلوث الضجيجي. وها هي الثورة التونسية تسعى بأرجلها إلى الفشل والسبب هو اصطدامها بالدين.
وهكذا أزال الحسين امبراطورية كانت قائمة منذ اكثر من ثلاث آلاف عام في إيران فتهاوت تحت ضربات مرجع ديني رفع (كربلاء) شعارا لثورة، ثم قال بعد الانتصار : لقد تجمعت دموع الباكين على الحسين فاحدثت طوفانا ازاح امبراطورية عمرها ثلاث آلاف عام فكل ما عندنا من كربلاء.
فكل الثورات تغيرت وانحرفت عن مسارها لأنها ضد الدين إلا ثورة الامام الحسين عليه السلام باقية لأنها انبثقت من الدين وامن اجل الدين لأنه رأى أن الدين اصبح العوبة بيد بني امية (1) وكل من اصطدم بهذه الثورة زال والثورة باقية على طول تاريخها فقد حاول الأمويون قتل الدين فأحياه الحسين بثورته ، وحاول العباسيون خنق الثورة وهدم قبر الحسين ومسح آثاره ولكن الدولة العباسية زالت والحسين باق وهكذا الدولة الأيوبية التي فرضت الاحتفال بأعياد رأس السنة الهجرية فجعلته في أول المحرم بينما الهجرة في ربيع الأول ، فانتهت الدولة الأيوبية وبقى محرم والحسين وتستمر إلى زمن الدولة العثمانية التي زالت وبقيت كربلاء والحسين وإلى زمن صدام حسين الذين تفرعن وهدم كربلاء ولكن صدام زال واندثر ولا يُعرف له قبر وكربلاء والحسين باق.
ما اريد ان اقوله هو على هؤلاء الذين يتناولون قضية الامام الحسين عليه السلام ان يحذروا من أن يزولوا ويبقى الحسين عليه السلام ، فليس زوالهم بالامر الهيّن لأنه سوف يعقبهم خزيا ابديا الحسين محور قضية دارت حولها الكثير من القضايا ولعل اهمها هي الثورة المهدوية الكبرى التي سوف تؤسس للاصلاح وقيام حكومة العدل الإلهي التي ارسى قواعدها الامام الحسين في ثورته.
(كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) .
المصادر:
1- وهو قول ابو سفيان في محفل عثمان ابن عفان بعد ان اجتمع الامويون في بيته فقام ابو سفيان خطيبا فقال : (تلاقفوها يا بني امية تلاقف الكرة فوالذي يحلف به ابو سفيان ما من جنة او نار إنما هو الملك). وكذلك عندما مرّ ابو سفيان بقبر حمزة بن عبد المطلب ركله برجله ثم قال : (ايه ابا عمارة أن الدين الذي قاتلتمونا عليه اصبح لعبة بيد صبياننا). فكان على الحسين ان يتحرك ليقوم بعملية التصحيح وقد فعل فخلده الله بخلود الدين وبخلود القرآن وذكر جده محمد من فوق المنابر والمنائر.
انظر الطبري - تاريخ الطبري - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : 185 و مسند الإمام أحمد ج1 ص463، وتفسير القمي ج1 ص117، ومجمع الزوائد ج6 ص110 عن أحمد، والبداية والنهاية ج4 ص41، والبحار ج20 ص55 عن القمي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat