وقفة مع الكوارث الكونية التي حدثت عند مصرع الامام...
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

قال تعالى: (فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السمَاءُ وَالأَرْض وَمَا كانُوا مُنظرِينَ)، قيل في معناه ثلاثة اقوال:
احدها: فما بكى عليهم ــ حين اهلكهم الله ــ أهل السماء واهل الارض، لانهم مسخوط عليهم مغضوب عليهم بأنزال الخزي بهم.
الثاني: إن التقدير ان السماء والارض لو كانتا ممن يبكى على أحد إذا هلك لما بكتا على هؤلاء، لانهم ممن أهلكهم الله بالاستحقاق وانزل عليهم رجزا بما كانوا يكفرون.
الثالث: انهم لم يبك عليهم ما يبكى على المؤمن إذا مات، مصلاه ومصعد علمه ومعناه لم يكن لهم عمل صالح. المصدر: التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج9، ص227.
وقد قال العلامة الطباطبائي عن معنى هذه الآية: بكاء السماء والأرض على شيء فائت كناية تخيلية عن تأثرهما عن فوته وفقده فعدم بكائهما عليهم بعد إهلاكهم كناية عن هوان أمرهم على الله وعدم تأثير هلاكهم في شيء من أجزاء الكون.
وقد قيل إنّ عدم بكاء السماء والأرض ربّما كان كناية عن حقارتهم، وعدم وجود ولي ولا نصير لهم ليحزن عليهم ويبكيهم، ومن المتعارف بين العرب أنّهم إذا أرادوا تبيان أهمية مكانة الميت، يقولون: بكت عليه السماء والأرض، وأظلمت الشمس والقمر لفقده.
واحتمل أيضاً أنّ المراد بكاء أهل السماوات والأرض، لأنّهم يبكون المؤمنين المقربين عند الله، لا الجبابرة والطواغيت وأمثاله.
وقال البعض: إنّ بكاء السماء والأرض بكاء حقيقي، حيث تُظهر احمراراً خاصاً غير احمرار الغروب والطلوع، كما نقرأ في رواية: لما قتل الحسين بن علي(عليه السلام) بكت السماء عليه، وبكاؤها حمرة أطرافها.
اذ روي عن أبو عبد الله (عليه السلام) انه قال: يا زرارة، إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وان الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين، وما اختضبت منا امرأة ولا ادَّهنت ولا اكتحلت ولا رجَّلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد (لعنه الله)، وما زلنا في عبرة بعده، وكان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة.
وجاء في الخرائج والجرائح: أنه لما أراد الامام الحسين (عليه السلام ) العراق قالت له ام سلمة: لا تخرج إلى العراق فقد سمعت رسول الله(ص) يقول: يقتل ابني الحسين بأرض العراق، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة.
فقال: إني والله مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً وإن أحببت أن اريك مضجعي ومصرع أصحابي، ثم مسح بيده على وجهها ففسح الله عن بصرها حتى رأياً ذلك كله وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضاً في قارورة اخرى.
وقال عليه السلام: إذا فاضت دماً فاعلمي أني قتلت. فقالت ام سلمة: فلما كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دماً فصاحت، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلا وجد تحته دم عبيط.
وروى مسنداً عن هلال بن ذكوان قال: لمّا قتل الحسين (عليه السّلام) مكثنا شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخت الحيطان بالدّم، من صلاة الفجر إلى غروب الشمس، وخرجنا في سفر فمطرنا مطرا بقي أثره في ثيابنا مثل الدّم.
وقال ابن سعد: ما رفع حجر في الدّنيا إلاّ وتحته دم عبيط، ولقد مطرت السّماء دماً، بقي أثره في الثّياب مدّة حتّى تقطّعت.
قال السيوطي: ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله.
وقيل: إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلاّ وجد تحته دم عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران، وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلّم رجل في الحسين بكلمة، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره.
وأخرج الثعلبي: أنّ السماء بكت وبكاؤها حمرتها، وقال غيره: احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك، وأنّ ابن سيرين قال: أخبرنا أنّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين (عليه السلام)، قال: وذكر ابن سعد: أنّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله.
وعن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السمَاءُ وَالأَرْض وَمَا كانُوا مُنظرِينَ إذا قبض الله نبياً من الأنبياء بكت عليه السماء والأرض أربعين سنة إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوماً، وأما الحسين (عليه السلام) فتبكي عليه السماء والأرض طول الدهر وتصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دماً، وإن هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتل الحسين (عليه السلام) ولم تر قبله أبدا وإن يوم قتله (عليه السلام) لم يرفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم.
كما ذكر الطبرسي عن زرارة بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي أربعين صباحاً ولم تبك إلا عليهما قلت: فما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء.
وروى الطبراني وابن كثير في البداية والنهاية: أن الشمس كسفت يومئذٍ حتى بدت النجوم وقت الظهر، وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دماً، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، ولم يمس زعفران ولا ورس بما كان معه يومئذٍ إلا احترق من مسه، ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط، وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم.
وقال ابن سيرين: وجد حجر قبل مبعث النّبيّ(ص) بخمسمائة سنة عليه مكتوب بالسّريانية، فنقلوه إلى العربية، فإذا هو: أترجو امّة قتلت حسيناً ... شفاعة جدّه يوم الحساب
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat