صفحة الكاتب : رضوان ناصر العسكري

الجيوش الإليكترونية سلاح الحداثة
رضوان ناصر العسكري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مع تصاعد الخط البياني لاستخدام شبكة الانترنت العنكبوتية، والتطور الحاصل في التقنيات البرمجية، التي ساهمت في زيادة سرعتها وتحسن أدائها، ودخولها المباشر، في التعاملات التجارية والصناعية والزراعية وحتى الاعلام، وغيرها من الامور الملامسة لحجات البشر.

التوالد المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي وتنوعها، جعلها من اهم وسائل الاعلام، ذات التأثير المباشر في المجتمع، فسهولة استخدامها, وانخفاض اسعارها, وسرعة أدائها، والتجدد المستمر للتقنيات البرمجية وتطورها، جعلها تدخل في جميع مفاصل الحياة اليومية وارتباطاتها، ليصبح الانترنت وسيلة وضرورة يصعب الاستغناء عنها.

يمكن لأي من الدول صغيرة كانت او كبيرة, والمنظمات بمختلف انواعها, والاحزاب بتعدد أيدولوجياتها، بدعم مالي, وجيوش إليكترونية, مسلحة بالحواسيب والاجهزة اللوحية, المعززة بالبرامج والتقنيات الحديثة, تحقيق أي مشروع داخلي كان او خارجي، سلبي او ايجابي، لهدم او بناء دول بأكملها، والاطاحة بحكوماتها، ولدينا أمثلة كثيرة حول ذلك كالعراق مثلاً: فالبداية كانت احتلال وإسقاط لنظام تعسفي، واستبدال مكون حاكم بمكون آخر، الا ان الامر تطور ليجعل من العراق ساحة للصراع, وحقل تجارب لمخابرات الدول المتصارعة فيما بينها, ولعبة بيد الاحزاب الفاسدة.

أخذ الاعلام الالكتروني دوراً بارزاً ، بتزييف وتدليس الحقائق، ونجح في تضليل وتجهيل الرأي العام، وتوجيه جزء كبير من الشارع العراقي، لمعادات القوى السياسية الجديدة الحاكمة، من خلال اتهامها بالظلم والتهميش للآخر، ودفعهم لمقاطعة العملية السياسية، باستخدام أدوات مختلفة ومتعددة، كالطائفية والمظلومية والولاء الخارجية، مما جعل نفوس الآخرين متهيئة ومستعدة لاستقبال اَي دعاية يمكنها تحقيق الغرض، ولَم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل تطور ليجعل غالبية الشعب رافض لكل فرد ساهم في العملية السياسية، من خلال تجهيل عقول الغالبية العظمى منه، وصناعة رأي عام رافض لكل سياسات الدولة، ورفضها بمنتهى البساطة, بعيداً عن النقاش في صحت الامر من عدمه.

صور للناس ان جميع الاحزاب الاسلامية الحاكمة، هي احزاب فاسدة وفاشلة، وان الشيعة بالذات هم أناس يجهلون الحكم والسياسة, وغير قادرين على ادارة البلاد، حتى أصبحت تلك الشعارات شبه واقعية في ذهن المتلقي، بعيداً عن فهم الأسباب الداخلية والخارجية، التي أدت الى ضياع وتدهور البلد.

عندما تسأل اَي شيعي عن الدول العربية، سيجيبك بالمباشر وبدون تردّد، انهم السبب الأساسي في ما نحن عليه اليوم، بمحاربتنا سياسياً واقتصادياً, ودعمهم للإرهاب وتمويله ضدنا، بالمقابل سيجيبك السني عن ايران، بنفس إجابة نظيره، وكذلك الكردي ستجد اجاباته بحسب ميوله للطرفين، وعندما تسألهم عن الاحتلال سيعطونك إجابات متقاربة، كتمويل الإرهاب سراً, ودعمهم لطرف على حساب الطرف الآخر, وغض البصر عن الفاسدين والسراق والارهابيين, والسماح لهم بالسفر أينما شاءوا، والشواهد كثيرة على ذلك، لا يسع المجال لذكرها، لكن المواطن لا يعتبر تلك الامور مِنْ أسباب فشل الحكومات المتعاقبة ما بعد ٢٠٠٣.

حاول الاعلام الإليكتروني، ابعاد الشارع العراقي عن الاحزاب الإسلامية، ودفعهم باتجاه الاحزاب العلمانية واللادينية، وتصويرهم للأخير بأنهم الأفضل والأنزه والأكفأ، ونجح في ذلك كثيراً، من خلال نتائج الانتخابات الاخيرة، لكن الحقيقة ليست بهذه الصورة، فجميع الاحزاب اللا إسلامية شاركت بالعملية السياسية برمتها، ورغم قلة عددهم الا ان نصيبهم من الفساد كغيرهم من الاحزاب الاخرى، ولا يختلفون عنهم كثيراً، مع العلم ان اكثر التنفيذيين هم من العلمانيين والمدنيين والشيوعيين.
اصبح استغلال الجيوش الإليكترونية منهج لبعض الاحزاب السياسية، فمن يمتلك المال السياسي, والنفوذ الداخلي, والدعم الخارجي، بإمكانه ان يغير المعادلة بأكملها، بالاتجاه الذي يرغب فيه، ووزير الشباب والرياضة كان مثالاً آخر، على نجاح تلك الجيوش، حيث كان يشهد بنجاحه القاصي والداني, العدو والصديق، حتى الاعلام العربي شهد له، لكن النتيجة اختلفت كثيراً، فمن كان يُمَجد بنجاحه الداخل والخارج، لم يكن في المراتب الاولى من بين الفائزين في الانتخابات البرلمانية، وتصدر المشهد من كان متهماً بالفساد والفشل وضياع البلد.

من هذا يمكن القول: ان الذي يمتلك اكثر عدد من الجيوش الإليكترونية، المدعومة مالياً ودولياً، يمكنه ان يحقق مبتغاه ويغير المعادلة, ليتصدر المشهد السياسي, ليس في العراق فقط، وإنما في جميع البلدان، التي يمكن السيطرة على عقول شعوبها، من خلال الاعلام الممول والمنظم، الذي ينجح في قلب الحقائق وتزيفها.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رضوان ناصر العسكري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/11



كتابة تعليق لموضوع : الجيوش الإليكترونية سلاح الحداثة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net