صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

الوطن.. والمواطنة الصالحة!!...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الوطن: أيّة بقعة من الأرض يسكنها (يستوطنها) الإنسان فيتّخذها مقرّاً فهي وطنه، فالوطن هو مكان إقامة الإنسان ومقرّه وإليه إنتماؤه وُلِدَ به أم لم يولد.
الكتاب الكريم استخدم بدلاً من الوطن كلمة (الديار).. والدار هي التي يدور فيها الانسان، أي يتنقّل من سكن إلى سكن، وقد يبقى فيها لفترة طويلة إذا وجد فيها الأمن والسرور، لذلك كانت الدار الآخرة دار الخلود لأنّها دار السلام والنعيم.
قريبٌ منه لأنّ النصوص الدينية تتحدّث عن أنّ (حب الوطنِ من الإيمان)، وإنّ البلدات إنّما عمرت بحبّ الأوطان، وعُدَّ حنينُ الانسان إلى أوطانه من كرم أخلاقه. فالوطن ليس قطعة أرض ضاقت أو اتسعت..
الوطن.. عقلُ الانسان وقلبُه وحرّيته وكرامته وأمنه وسعادته ومرتع أحلامه وذكرياته، وسماءُ روحهِ ووجدانه.. هو ميدانُ الانسان للتعبير عن انسانيته.
فالوطن.. أرضُ حرّيتي وتفاعلي وعطائي، وسماءُ أفكاري واعتقادي وعوطفي.. هو هذا قبلَ مائه وهوائه وترابه وما أقلّت الغبراء وأظلّت الخضراء.
والمواطن.. أخي في الله الذي يتناغم معي وأتناغم معه في رحاب الوطن الذي يحتضننا جميعاً كأبّ أو كأمّ، وتضلّلنا فيه رحمةُ الله ولطفهُ.. فأبناءُ وطني: إمّا أخٌ لي في الدين فأفتديه، وإمّا أخٌ لي في الانسانية فأحتويه. وكلاهما: الدين والانسانية يطلعان من شجرةٍ واحدة، وهما القادران على أن يجمعا ما تفرقُهُ الدنيا ويعبثُ فيه الزمان.
وللكاتب السوري الراحل محمد الماغوط كتاب أدبي نقدي لاذع اسمهُ سأخونُ وطني! العنوان غريب.. أليسَ كذلك؟
الغرابةُ ترتفع إذا عرفنا أنّه ليس هناك انسان عاقل ووفي وكريم النفس يخونُ وطنه، أو يقرِّر خيانته إلّا في حالة واحدة، وهي التي يتحوّل فيها الوطنُ إلى مأوى للأشرار، ومجلبة للعار، وسوقاً للتجّار، ومبغى للفجّار.
هنا لا تكون الخيانةُ بيعَ الوطنِ للأجنبيّ فهذا ما لا يفعلهُ إلّا العاقّ وطنياً، إنّما هي خيانة من نوع آخر.. أن لا ينشدّ إليه، فلا يشعر برابطة الأمومة والوفاء والإخلاص معه، ولا يعمل ولا يضحّي من أجله، أللّهمّ إلّا إذا كانت التضحية وتعني تخليصَه وانقاذه من المستنقع الآسن الذي هو فيه، فهو الفداءُ الكبير. الأوطان التي لا تُخان أو لا يُزهدُ فيها هي التي يجدُ فيها الانسانُ إنّه انسان!
لنأخذ وجهة نظر الأديان في المبادئ الثلاثة حُبّ + تعاون + إصلاح = المواطنة الصالحة.
البوذية: البغضاء لا تتلاشى بالبغضاء أبداً، إنّما تتلاشى البغضاءُ بالحبّ.. هذا هو الدستورُ الخالد!
الهندوسية: الدين الحقيقي، كما يجب، الأشياء جميعاً، كبيرة أو صغيرة.
الشنتوية: على المرء أن لا يكون مبالياً بما يعانيه في حياته، وغير مبالٍ بعناء الآخرين.
التاوية: الجديرُ بالحكم مَن يحبّ الناس جميعاً كما يحبّ نفسه.
الموسوية: لا تعلموا بالآخرين ما هو مكروه لكم، هذا هو الناموسُ برمّته، وكلّ ما عداه شروح.
المسيحية: وصية جديدةً أنا أعطيكم: احبّوا بعضكم بعضاً.
الإسلام: لا يؤمن أحدُكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه.
وإذا أردنا أن نجمع بين هذه الأقوال كونها قريبة في الروح والمعنى، نخلص إلى: أفكار صالحة + أقوال صالحة + أفعال صالحة = مواطنة صالحة.
وترتيباً على ذلك، يمكن القول بشيء من الاطمئنان أنّ الشخصية الاسلامية تمثلُ النموذج الحيّ للمواطنة الصالحة.
الوطنيةُ، أن تأخذ بيد الوطن المريض إلى عيادة التآخي والوفاء والإخلاص لعلاجه من أمراض الفتنة والفرقة والجهل والتخلّف..
الوطنيةُ، نقدٌ بنّاءٌ لرفع الأنقاض والمخلّفات من الشوارع حتى تسهل عملية السير.. وأن تقول الحقَّ والصدق على وطنك حتى ولو لم يعجبهُ ذلك.
وعليه مَن أوّلاً: الوطن أم المواطن؟ مَن الذي يصنع الآخر: الوطن الصالح يصنع المواطن الصالح؟ أم المواطن الصالح يصنع الوطن الصالح؟
لو قلنا: الوطن فمن أين يكتسب صلاحَه.. أليسَ الوطنُ بمواطنيه؟ أليسَ الوطنُ الصالحُ هو هذا المجموعُ الكلّي لصلاح أفراده مجتمعين؟
ولو قلنا: الوطن.. فمن أين يأتيه الصلاح؟ أليس من وطنهِ: أمّاً، ومعلّماً، وإعلاماً، وحكومة، ومراكز توعية أخرى؟
فنحنُ نقول ﺑ تبادليّة الصلاح أو جدليّة الصلاح، فكُلٌّ يُكسبُ الآخر صلاحهُ، ويكسبُ منه صلاحهُ.
الأوطان.. شخصيات معنوية.. صحيح أنّ هناك حكومة وإدارة وقانون، لكنّ هذه الدوائر المسؤولة هي بالقائمين عليها ومديريها موظفيها ومواطينها، فبقدر ما تكون الأوطانُ حاملةً لقيم الصلاح، معتزّةً بها ومدافعةً عنها، إن في مناهجها أو في برامجها، فإنّ المواطن بالتالي هو ابنُها البارّ يتعلّم ويأخذ منها ذلك، وينمو ويترعرع عليه، وبقدر ما يكون أبناءُ الوطن صالحين، ونركِّز هنا على الصلاح الديني تحديداً لأنّه ــ في اعتقادنا ــ الأوفر حظاً في امكانية بناء المواطنة الصالحة.. كانت فرص تحوّل الوطن إلى وطن صالح، أو أكثر صلاحاً، أوسَعُ وأغنى.
فلماذا ترانا ـ نحن المسلمين ـ أتباع أعظم دين نفتقر إلى العديد من صفات وخصائص المواطنة الصالحة، وقد افترضنا أنّ الشخصية الاسلامية هي النموذج الحيّ للمواطنة الصالحة؟!
هذا راجع إلى أنّنا ــ في كثير من الأحيان ــ نتلقى الدين ونتعاطى معه على أنّه نظريات وشعارات ومواعظ مجردة، لم يتحوّل ــ إلّا ما ندر ــ إلى طاقات وفعاليات وممارسات وصيغ عمل متحركة، وحتى نحقق ذلك نحتاج إلى عاملين مساعدين:
1- أن نستنبط قيمة المواطنة الصالحة من مقومات الشخصية الاسلامية السوية: فكراً وعاطفةً وسلوكاً.
2- أن نحرِّر هذه القيمة من مكبّلاتها، ونتعاط معها كقيمة ومعيار. أمّا مَن يقوم بذلك، فالمسؤولية تضامنيّة، ومبدأ التعزيز أي التغذية المتواصلة، والطرق المستمرة، والمثابرة والتكريس، مبدأ صالح في التربية والإعلام والتغيير النفسيّ والاجتماعيّ.
أن نتفق على أهمّ معالمه العامّة، وهي:
1- حبّ الناس (المواطنين) واحترامهم، والإبتعاد عمّا يؤذيهم ويخدعهم ويغشّهم، ويقلق أمنهم وراحتهم، والعمل على ما يُسعدهم ويربيهم وينميهم.
2- احترام القوانين والأنظمة من قبل الجميع، لا أن تكون سيفاً مصلتاً على رؤوس البعض دون البعض الآخر.. القانون فوق الجميع، وليس لأحد أن يكون فوقه، بما في ذلك واضعوه.
3- العمل على غرس روح المبادرة والعمل الطوعيّ النابع من الذات.
4- مكافحة الأمراض الاجتماعية السارية، كالفساد والإفساد، بأساليب حضارية راقية، وبالحكمة والموعظة الحسنة.
5- أن تكون قدوة لغيرك في ذلك كلّه.
يقول أحدَ الكتاب المغاربة: قل لي ما عددُ المواطنين الصالحين في أيّة أمّة أخبرك ما هي هذه الأمّة، وما قيمتها في قيم الأمم الراقية، ودرجة حضارتها وازدهارها.. فالمواطنون الصالحون في كلّ أمّة هم أعمدتُها التي تبني عليهم صرحَ نهضتها، وهيكل مجدها وعظمتها، وبقدر ما يكثر عدد المواطنين الصالحين بقدر ما تكون الأمّة راقية ومتقدمة وحياتها في جميع الميادين أرجةٌ مزدهرة!.
ويقول المناضل الإيطالي ماتزيني: وطننا هو مصنعنا المشترك.. منهُ يصدرُ محصولُ عملنا لخير العالم كلّه، وفيه تجتمع أدوات العالم التي نجيد استعمالها.. إنّنا نعمل من أجل الانسانية حين نعمل لوطننا على المبدأ القويم، ولا يكون لنا وجود جماعي مُعتَرف به إلّا بواسطة وطننا.
لا تقول أنا ولكن قولوا نحنُ ليجتهد كلٌّ منكم أن يجسِّد وطنه في نفسه.. ليُعبر كلٌّ منكم ضمانة للوطن.. مسؤولاً عن إخوانه المواطنين، وليتعلّم كيف يحكم أعماله حتى تغدو بلاده محبوبةً ومحترمةً بواسطته.
وعليه فالأُم الصالحة والأب الصالح والأسرة الصالحة والمدرسة الصالحة والصحبة الصالحة والبيئة الصالحة.. حلقات للصلاح يأخذ بعضها برقاب بعض لتُنتجَ لنا المواطنة الصالحة.
حين ترتقي نظرتُك وشعورك بالانتماء إلى الوطن على أنّه «بيتُك الكبير» وإلى مجتمعك على أنّه أسرتُك الكبيرة.. أشياء كثيرة سوف تتغيّر.. الوطن سيكون غير قطعة الأرض.. والمجتمع سيكون أكثر من مجرد تجمّع بشريّ!
المواطنُ الصالحُ.. رسولُ بلاده وسفيرها ومحامي الدفاع عنها حتى ولو لم يحمل من وزارة الخارجية أوراق اعتماده، فهو مُعتَمدهُ في حمل همّه والتعريف به، وحمايته ونصرته ورفده والتواصل والتجاوب معه، حتى ليستشعر أنّ الجاذبية الأرضية هناك في الوطن وما عداها انعدامٌ للوزن والتوازن.
والمواطن الصالح.. مواطنٌ ناصح لا يغشّ.. لذلك كانت من بين أهم صفات المواطنة الصالحة: الصدق والأمانة والإخلاص والإحسان والخلق الحسن وحبّ الآخر واحترامه والسرور بخدمته.
فالأُمم الناهضة تربّي عقول أبنائها العلمية والإبداعية بما يلبّي حاجات المجتمع لمختلف الاختصاصات الإدارية والفنّية والعلمية معتمدة في ذلك على منهج تجريبي تنشط حركتهُ في داخل المختبرات والمعاهد والورشات ومراكز البحوث والدراسات. مُستل من كتاب المواطنة الصالحة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/29



كتابة تعليق لموضوع : الوطن.. والمواطنة الصالحة!!...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net