صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

فكانت وردةً كالدهان...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾.
عندما تقرأ سورة الرحمن ذات المعاني الراقية والبليغة المتمثلة بجميع صور اللطف والحرمة وعجائب الخلق والإبداع، وأنت تكرر إحدى آياتها أكثر من ثلاثين مره بعد كل آية من آياتها تستوقفك بعضاً من مفرداتها ومنها قوله تعالى: ﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾، من هي التي كانت؟ وما المقصود بالدهان؟. وعليه سنذكر لكم بعضاً مما ذكر أهل الاختصاص وأصحاب اللغة والمفسرين وما دونه في مؤلفاتهم حول ذلك.
فضيلة تلاوة سورة الرحمن: إنّ اتّصاف هذه السورة بما يثير الإحساس بالشكر على أفضل صورة، وكذلك توضيح وبيان النعم الإلهية "المادية والمعنوية" فيها والتي تزيد من شوق الطاعة والعبادة في قلوب المؤمنين كلّ ذلك أدّى إلى ورود روايات كثيرة في فضل تلاوة هذه السورة تلك التلاوة التي ينبغي أن تنفذ إلى أعماق النفس الإنسانية وتحركها باتّجاه الطاعات وبعيداً عن لقلقة اللسان. المصدر: تفسير الأمثل، ج17، ص361.
ومن جملة ما نقرأ حديث الرّسول(ص) حيث يقول: من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه، وأدّى شكره، وأنعم الله عليه.
وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: لا تَدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها، فإنّها لا تقرّ في قلوب المنافقين، ويأتي بها ربّها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة، وأطيب ريح حتّى يقف من الله موقفاً لا يكون أحد أقرب إلى الله منها فيقول لها: من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك؟ فيقول: ياربّ فلان وفلان، فتبيض وجوههم. فيقول لهم: اشفعوا فيمن أحببتم فيشفعون حتّى لا يبقى لهم غاية ولا أحد يشفعون له، فيقول لهم: ادخلوا الجنّة واسكنوا فيها حيث شئتم.
وفي حديث آخر عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: من قرأ سورة الرحمن فقال عند كلّ: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾: لا شيء من آلائك ربّي اُكذّب، فإن قرأها ليلا ثمّ مات مات شهيداً، وإن قرأها نهاراً فمات مات شهيداً.
إذ قالوا الوَرْدَة: واحدة الورد، وهو زهر أحمر من شجرة دقيقة ذات أغصان شائكة تظهر في فصل الربيع وهو مشهور. ووجه الشبه قيل هو شدة الحمرة، أي يتغير لون السماء المعروف أنه أزرق إلى البياض، فيصير لونها أحمر قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ أن يكون وجه الشبه كثرة الشقوق كأوراق الوردة.
ويأتي هذا المصطلح أيضاً بمعنى الخيل الحمر، وبما أنّ لونها يتغيّر في فصول السنة حين يكون في الربيع مائلا إلى الصفرة، وفي الشتاء يحمرّ، ويقتم لونها في البرد الشديد، فتشبيه السماء يوم القيامة بها هو بلحاظ التغيّرات التي تحصل في ألوانها فتارةً يكون لونها كالشعلة الوهاجة أحمر حارقاً، وأحياناً أصفر، وأُخرى أسود قاتم ومعتم.
والدهان، بكسر الدال: دردي الزيت. وهذا تشبيه ثان للسماء في التموج والاضطراب. المصدر: التحرير والتنوير. وتطلق أحياناً على الرسوبات المتخلّفة للمادّة الدهنية، وغالباً ما تكون لها ألوان متعدّدة، ومن هنا ورد هذا التشبيه حيث يصبح لون السماء كالدهن المذاب بلون الورد الأحمر، أو إشارة إلى ذوبان الكرات السماوية أو اختلاف لونها.
وفسّر البعض الدهان بمعنى الجلد أو اللون الأحمر، وعلى كلّ حال فإنّ هذه التشبيهات تجسّد لنا صورة من مشهد ذلك اليوم العظيم. حيث أنّ حقيقة الحوادث في ذلك اليوم ليس لها شبيه مع أيّة حوادث أُخرى من حوادث عالمنا هذا. فهذه المشاهد لا نستطيع إدراكها إلاّ إذا رأيناها. المصدر: تفسير الأمثل.
وقد ذكر العلامة السيد عبدالحسين دستغيب في كتابه جنة الخلد لكلمة وردة معنيان نذكرهما:
أولاً: زهرة شجرة الورد المعروفة، وغالباً ما تطلق هذه التسمية على نوع خاص من الأوراد هو الورد الأحمر، حتى ان اللون الوردي يقال للأشياء ذات اللون الأحمر القاني؛ ومعنى نص الآية هذه هو ان هيئة السماء تستحيل إلى ما يشبه الوردة الحمراء بفعل الحرارة الشديدة الناشئة عن لهيب نار جهنم، وهذا يؤدي إلى ذوبان الأجرام المساوية وقتما يرفع عن فوهة جهنم غطاؤها.
ثانياً: اسم لنوع من الخيول العربية التي تشتهر بها مدينة وردة، ومن خصائص هذا النوع من الخيول انه يتلّون بألوان متعددة تبعاً لفصول السنة، ففي فصل يكون لونه أحمراً، وفي فصل آخر يصير لونه أصفراً، وفي فصل ثالث يكون لونه أزرقاً، وهكذا، وعليه تمت الاستفادة من هذا التلون لدى هذا النوع من الخيول وسمي الحصان بالوردة بالاستعارة اللفظية.
وهكذا الحال بالنسبة للون السماء، ففي القيامة يتغير لونها من اللون الأزرق إلى الأحمر، وعليه جاءت كلمة وردة كاستعارة لفظية تبعاً لاستعمالات اللغة العربية.
كالدهان، الدهان مشتق من الدهن وهو السمن، ووجه تشبيه السماء في هذه الآية هو من حيث التشابه في الذوبان والانصهار، فالسماء تنصهر حتى تصبح سائلة كالماء، كما هو الحال بالجبال الرواسي التي تستحيل صلابتها القاسية إلى ذرات غبار وهباء منثور. إذاً السماء تنصهر كما ينصهر الدهن. وهناك وجه آخر للتلوّن أو تعدد الألوان والصبغات، فكما أن الزيت الذي يهرق على سطح الماء يعطي ألواناً متعددة، فمظهر السماء عند القيامة يأخذ هذا النحو فهي تبدي حينئذ ألواناً متعددة. المصدر: جنة الخلد، ص293.
وهذه الألوان الزاهية تمثل انفجار نجم يقول العلماء هذه الانفجارات سوف تزداد في نهاية الكون إثناء الانشقاق الكبير عندما ينهار الكون على نفسه وسوف تصبح هذه السماء ملونه بألوان زاهية وهذه الظاهرة وصفها القران بكل دقة في قوله تعالى: المصدر: إسرار الإعجاز العلمي في القران والسنة عبدالدائم الكحيل.
وذكر صاحب كتاب النكت والعيون عن معنى قوله ﴿كَالدِّهَانِ﴾ خمسة أوجه: أحدها: يعني خالصة. الثاني: صافية. الثالث: ذات ألوان. الرابع : صفراء كلون الدهن. الخامس: الدهان أديم الأرض الأحمر.
وزعم المتقدمون أن أصل لون السماء الحمرة، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق، وشبهوا ذلك بعروق البدن هي حمراء كحمرة الدم وترى بالحائل زرقاء، فإن كان هذا صحيحاً فإن السماء لقربها من النواظر يوم القيامة وارتفاع الحواجز ترى حمراء لأنه أصل لونها. المصدر: النكت والعيون.
وقد اكتشف علماء الفلك حديثاً شيء في السماء عبارة عن سحابة ضخمة جداً من السحاب وصفوها بـ "Rosette Nebula" وتعنى السحابة الوردية أو الغمامة الوردية واكتشفوا إن هذه الغمامة الوردية تكون في الأصل نجم كبير قام هذا النجم بسبب الضغط العالي والحرارة المرتفعة على سطحه بإطلاق كمية كبيرة من الغازات وبسرعة كبيرة جداً ثم تندمج هذه الغازات مع بعضها البعض لتكون سحابة وردية ويختلف ألوانها ولكن غالبا ما تكون حمراء اللون وتشبه في شكلها الوردة المرسومة بالضبط كما وصفها القران الكريم.
يقول الدكتور زغلول النجار: هذا موقف من مواقف الآخرة وهول من أهوالها تنشق فيه السماء وتتصدع فتتحول إلى ما يشبه الورد الأحمر او الأديم الأحمر من شدة الحرارة، او تنصهر كالدردى اي ما يركد في أسفل كل مائع كالشراب والأدهان فتكون كالمهل او كالدهان الذائب الأحمر اللون في صفاء الدهن.
ولكن كيف يتم ذلك هو في علم الله سبحانه وتعالى لان الآخرة لها من القوانين والسنن ما يغاير قوانين وسنن الدنيا ولكن من رحمة الله تعالى بنا انه ابقي لنا من الشواهد الحسية والظواهر المرئية في صفحة الكون ما يؤكد على إمكانية حدوث كال ما اخبر عنه في كتابة الخاتم عن مظاهر الآخرة ومنها تصدع السماء وانشقاقها حتى تصير وردة كالدهان، ومن أمثلة ذلك ما أرسله إلينا تليسكوب هابل الفضائي من صور لعدد من النجوم عند انفجارها ففي 31 أكتوبر سنة 1999 قامت مؤسسة الفضاء الأمريكية ناسا بنشر عدد من الصور الذي بثها هذا التليسكوب الفضائي لنجوم في مرحلة الانفجار في سديم يعرف بإسم سديم (عين القط) وهذه النجوم على مسافة منا تقدر بحوالي ثلاثة آلاف من السنين الضوئية وكل نجم من تلك النجوم المنفجرة يبدو في الصورة على هيئة وردة حمراء عملاقة لها من صفاء اللون ما جعل العلماء يصفونها بالتعبير الذي ترجمته وردة حمراء مدهنة وكأنة التعبير القرآني بدقته اللفظية والدلالية.
كما قال العلامة الطباطبائي في معنى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ أي كانت حمراء كالدهان وهو الأديم الأحمر. تفسير الميزان.
ومن إحدى إشارات القشيري يقول في ذلك: يُخاطب معشر جن النفس بإرسال لهب البُعد والقطيعة عليهم، بواسطة انغماسهم وانهماكهم في استيفاء اللذات الجسمانية، والشهوات الحيوانية، على الدوام والاستمرار، ويُخاطب معشر إنس الروح بصب الصُفر المذاب على رؤوسهم، بسبب انحطاطهم من المقام الروحي العلوي، إلى المقام النفس السفلي بالتراجع، ولا يقدر أحدهما على نصرة الآخر. ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ فإنَّ تعذيب مستحق العذاب، وتنعيم متسحق النعيم، والتمييز بين جن النفس العاصي، وبين إنس الروح، من الآلاء العظيمة. فإذا انشقت السماء الحسية، أي: ذابت وتلاشت بذكر اسم الله عليها من العارف، فكانت وردةً يهب بنسيم المعاني من أكنافها، كالدهان: كالزيت المُذاب، حين تذوب بالفكرة الصافية، والحاصل: أنَّ سائر الكائنات، تذوب وتتلطّف حين تستولي عليها المعاني القائمة بها، ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مع ظهور هذه النعمة العظيمة، التي خَفِيَتْ عن جُلّ الناس، ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ ممن بلغ منهم إلى هذه المرتبة العظيمة، فأهل العيان لم يبقَ في حقهم طاعة ولا عصيان، فلا يتوجه إليهم سؤال ولا عتاب، وفي مناجاة الحق لسيدنا موسى عليه السلام: لا يا موسى إنما يُطيعني ويعصيني أهل الحجاب، وأما مَن لا حجاب بيني وبينه فلا طاعة في حقه ولا معصية. المصدر: البحر المديد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/19



كتابة تعليق لموضوع : فكانت وردةً كالدهان...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net