إذا صام السيّد السيستاني .. صام العراق.
د . مظفر قاسم حسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . مظفر قاسم حسين

رجل جعل البيت الأبيض حجراً صغيراً مرميّاً في أحد أزقة النجف.
رسالة تنقل الصورة من على أرض الواقع وتثير تساؤلات من المنظور السياسي لا المنظور الفقهي ..
بقلم: الدكتور مظفر قاسم حسين ـ أستاذ العلوم السياسية
منذ أن ودّع العراق الإمام علي عليه السّلام في شهر رمضان سنة 40 هـ ، لم يحظى العراقيون منذ ذلك التاريخ برجل (غير معصوم) إستطاع أن يملك قلوبهم طواعيّة مثل السيّد علي الحسيني السيستاني .. رجل تميّز بكل شيء .. رجل يسير بخطى واثقة .. رجلٌ حيّر الغرب والعرب .. رجلٌ في بيت بسيط ومتواضع قراره أقوى قرار على وجه الأرض ..
إنَّ السيد محمد باقر الصدر هو فيلسوف قرنه ... والسيد علي الحسيني السيستاني هو رجل عصره ورجل القرن ... بفلسفته وحكمته وعلمه ودرايته وتقديره للأمور وطريقة التعامل مع ملفات سياسية مصيرية ومعقدة ...
كثر حديث الناس حين لم تثبت عنده الرؤية الشرعيّة لهلال شهر شوال فقرر أن يكون يوم الجمعة متمماً لشهر رمضان المبارك .. رغم أنه يعلم بوجود الهلال فلكياً لكنّ الوجود الفلكي ليس حجةً عليه وحجته حديث الرسول الأكرم " لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رواه البخاري (1906) ومسلم (1080) ..
لقد صام السّيد السيستاني .. وصام العراق معه رغم عشرات المراجع الدينية الشيعية التي ثبت عندها بأن يوم الجمعة عيد الفطر وقرارهم يجب أن يُحترم أيضاً.. ولكن رغم هذا .. لا تجد مظاهر حقيقية للعيد في أغلب المحافظات العراقية .. إن العراقيين بجميع أطيافهم يحترمون صيام هذا الرّجل .. حتى السُّنة في العراق يحترمون صيامه وتراهم يخجلون إظهار مظاهر العيد وإخوانهم الشيعة ممن يقلدون السيد السيستاني صائمون .. هذه هي الرّوح العراقية الأصيلة .. حتى هذا التناغم السُّني-الشّيعي الفريد من نوعه عند الشعب العراقي يُحيّر الغرب والعرب معاً .. ويخططون لكسر هذه الحلقة التي تخنقهم كي نكون ضعفاء .. ورغم محاولات وسائل إعلامية التركيز على مصطلح "مظاهر العيد" إلاّ أنَّ مظاهر العيد شبه معدومة على أرض الواقع .. جميع الطوائف العراقية إحترمت صيام هذا الرّجل وصيام مقلديه وهم الغالبية المطلقة من شيعة العراق....
أرادت بعض المنشورات التي إستهدفت من إتّبع السَّيد السيستاني في صيام يوم الجمعة إيصال إشارة بأن من إتبّعه متثاقل من صيام هذا اليوم .. ولكن في حقيقة الأمر .. لو وضعت أذنك على صدور من صام يوم الجمعة لسمعت هتافاً يصدح في تلك الصدور قائلين باللّهجة العراقية العاميّة:
[ سيد علي، سيد علي، مو يوم وثلث تيّام
من تصوم كلنا وياك صيّام ]
ما أريد إيصاله إلى الآخرين ، لا تظنوا بأن من يقلّد السَّيد السيستاني يشعر بثقل صيام هذا اليوم .. بل هم قومٌ مستعدون لأن يصوموا مادام مرجعهم صائماً ... هؤلاء قومٌ أحبّوا بصدق وطاعتهم له أحلى من الشَّهد.
لقد تم التركيز على هذه المسألة الفقهية من قبل كثيرين والتي يجب أن تُحترم عند جميع المراجع والمقلدين حيث لا يفرض شخص على آخر أي رأي .. لكل شخص مرجع يحترمه ويقلده ، وتقليده مبرئ للذّمة وينتهي الأمر عند هذا الحدّ.
إنشغل أغلب الناس بإختلاف رؤية هلال شوال ولم يتم التركيز على دور السيد السيستاني على الساحة العراقية والأقليمية والدولية ...
مازال المهتمون في شؤون العراق يحاولون فك لغز عندهم إسمه السيد علي الحسيني السيستاني .. كيف إستطاع هذا الرّجل الجالس في أزقة النجف القديمة أن يتربّع على عرش قلوب العراقيين ؟ لم يستخدم السّيف (السلاح) ، ولا الوعد ولا الوعيد ، ولم يعدهم بأموال .. إنها كلمة .. فقط كلمة .. حين يقولها هو تُصبح إلتزاماً يصل حدّ الموت ..
مازال الغرب والعرب يفكرون ويتساءلون .. كيف إستطاع هذا الرّجل توحيد أُمّةٍ آشورية ومسيحية وصابئية وأيزيدية وشيعية وسنية وعربية وكردية وتركمانية وطوائف أخرى .. ؟ مع أن شخصيات سياسية غربية عدّة سألتني عن هذا الرجل لتعرف أكثر وأكثر بعد أن علمت بأنني قابلته شخصيّاً ثلاث مرات في بيته المتواضع .. وياليت اللقاء يتكرر.
هذا الرّجل المُسدَّد .. يستحق أن يكتب عنه الفلاسفة والمفكرون والعلماء في العلن خير ٌ من أن يكتب عنه ضباط الإستخبارات الأميركية والعربية في السِّر .. لقد إطّلعت بنفسي على وثائق مصورة سريّة عن السياسة الخارجية الأميركية والشرق الأوسط وتضمنت تلك الوثائق نصيباً للسيد علي السيستاني ، عُرضت علينا عندما كنّت طالب ماجستير في العلوم السياسية بجامعة ويستمنيستر البريطانية قبل تخرّجي منها ، فضلاً عن زيارتي إلى البرلمان الأوروبي وما جرى خلالها من حديث حول المستقبل السياسي للعراق وحول وجود السَّيد السيستاني في العراق ، أما خلال زيارتي إلى نيتو NATO التي نظمتها جامعة ويستمنيستر لنا يتذكر ضباط النيتو هناك كيف سألوني عن السيد السيستاني ويتذكرون إجاباتي التي صعقتهم وكيف تحدثوا عنه في معرض حديثنا عن العراق واذكر هنا بالإسم " الليفتنانت الكولونيل ميروسلاف أوتشيرا " كي أوثّق هذا الأمر للتاريخ ... شكراً لجامعة ويستمنيستر البريطانية العريقة التي ساهمت بكشف الحقائق لي بأمانتها العلميّة وبحيادية تامة وتخرّجت منها حاملاً معرفةً سياسية غنيّة جداً ماسكاً بيدي مفاتيح عدة تفتح أغلب أقفال أسرار السياسة الخارجية الأميركية والعلاقات الدولية والأمن الدولي.
هذا الرّجل لا يحتاج إلى المديح .. ولكن تنقص كثيرين الشجاعة ليتحدثوا عنه في وقت قلّ فيه الشّجعان وشحّت فيه الأقلام الشجاعة لا أكثر ولا أقل.... وأعلم جيّداً بأنني سأدفع ثمن ما كتبت ، ورضيت بذلك ، سأدفعه بكل رحابة صدر ، فلا خير في إمرء ليس شجاعاً ولا يقول الحق ، هكذا تربّيت .. أن أقول الحق مهما كان الثمن .. وأعتذر من أطفالي إذا ما ضاق العيش ... أريدكم يا أطفالي أن تقتدوا بأبيكم وأن تتعلموا بأن للحق ثمناً فإدفعوه بسعادة ورباطة جأش مهما كان ومهما بلغ ...
أعدكم بإنني سأكشف عن بعض أسرار الإستخبارات الأميركية والعربية بخصوص السَّيد علي السيستاني .... أسرار إستخباراتية أميركية وعربية صادمة فعلاً وصلت حدّ الإغتيال ... نعم ... حدّ الإغتيال.
بإختصار شديد .. السيد علي الحسيني السيستاني جعل البيت الأبيض حجراً صغيراً مرميّاً في أحد أزقة النجف .. لا تستغربوا من هذا القول وإنتظروني حينما أكشف عن تلك الأسرار في وقتها ، لتصلوا إلى هذه النتيجة القطعيّة.
لندع الغرب والعرب يفكرون بلغزٍ عندهم إسمه السَّيد علي السيستاني .. .... ودعونا نحن نفخر بما لدينا ...
ولينتظر العراق رجلاً آخر مثل السَّيد علي الحسيني السيستاني .. ولكن بعد 1400 سنة أخرى.
إضافة إضطرارية بعد إستلام بعض التعليقات ...
يؤسفني جداً عدم وضوح الرؤية عند كثيرين لما كتبته في رسالتي ... إن رسالتي ليست بخصوص الهلال والإفطار ..أنا أتحدث عن الأبعاد السياسية للسيد السيستاني ... أتحدث عن أسرار سياسية غربية وعربية إطلعت عليها بنفسي ... أتحدث عن أسرار إستخباراتية أميركية وعربية وصلت حدّ الإغتيال ... نعم .. حدّ الإغتيال ... أتحدث عن زيارتي إلى البرلمان الأوروبي وماجرى فيها .. أتحدث عن زيارتي إلى النيتو وحوار مع ضباط النيتو وذكرت إسم ضابط في النيتو كي أوثّق رسالتي .. أتحدث عن الإستخبارات الأميركية والعربية حيث إطلعت على كتب سرية صدرت من هذه الدوائر تخص السيد السيستاني ... أتحدث عن رجل جعل البيت الأبيض حجراً صغيراً مرميّاً في أحد أزقة النجف .. أتحدث عن رجلٍ حقيقي بمعنى الكلمة .. رجل قراره أقوى قرار على الأرض .. ويستحق أن أكتب عن هذا الرجل الشجاع ... كل هذا لم يتم التركيز عليه من قبل القارئ الكريم ويتم التركيز على الهلال والإفطار ؟! .. لطفاً أدعو إلى التمعن في ما كتبته في رسالتي .. تحياتي واحترامي .. الدكتور مظفر قاسم حسين.
Facebook: Mudhaffar Qassim
drmudhaffar@yahoo.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat