أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٦)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.
ولا أُبالغُ إِذا قلتُ أَنَّ جُلَّ منشورات وسائل التَّواصل الإِجتماعي هي من أَعظم مصاديق هذه الآيةِ المباركةِ في الوقتِ الحاضر!.
إِنَّها لغوٌ ما بعدهُ لغوٌ يلزم أَن نتعاملَ معهُ بمنطوقِ الآيةِ المُباركةِ {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.
وإِنَّ مَن يتناقلها ويجادلُ فيها {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} هوَ مِن أَعظم مصاديق قولِ الله تعالى {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}.
لماذا أَمرنا الله تعالى بأَن لا نُصغِ فضلاً عن الخوضِ في آياتهِ بقولهِ {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}؟!.
لأَنَّ الخَوضَ فيها؛
١/ مضيعةٌ للوقتِ فالعاقلُ هو الذي يوظِّف الوقت في اكتسابِ العلُوم النَّافعة والمعارِف المُفيدة والمعلومات الحقيقيَّة التي تُساهم في تحسين الوعي والأَداء ولا يضيِّع السَّاعات والأَيَّام وهو يعبث بوسائلِ التَّواصل الإِجتماعي التي لا تزيدهُ إِلّا ضياعاً وحيرةً وسطحِيَّةً!.
٢/ لِما تُسبِّب من تشويشٍ في الذِّهن وإِثارات للشُّكُوك خاصَّةً بالنِّسبةِ للذين لم يُسعفهم الوقت لكسبِ العلمِ والمعرفةِ التي تؤَهِّلهم للنِّقاش والردِّ والحِوار بما يحميهِم من الضَّياع الفكري والعَقدي!.
للأَسف الشَّديد فإِنَّ موضةَ العصرِ التي انتشرت في كلِّ مكانٍ هي التَّشكيك في كلِّ شَيْءٍ وبشَكلٍ واسعٍ وبُطرقٍ عامَّةٍ كوسائلِ التَّواصل الإِجتماعي والقنواتِ الفضائيَّة!.
ويكونُ الأَمرُ سيِّئاً بكثيرٍ ويزدادُ سوءاً عندما يتصدَّى لهذا المنهجِ البائسِ [مُعمَّم] إِمّا للتَّشهير أَو لطلبِ الشُّهرة!.
إِنَّ كلَّ الإِختصاصات العلميَّة والإِنسانيَّة الأَكاديميَّة لا يُناقشُها أَحدٌ إِلّا في قنواتِها العمليَّة المُتخصِّصة وساحاتِها الطبيعيَّة، فلماذا يتمُّ مُناقشة الدِّين والعقائِد والإِيمان وما يعتبرهُ المُؤمنُون من الثَّوابت في كلِّ مكانٍ ومِن قِبَلِ كلِّ مَن هبَّ ودبَّ؟! وبأَساليبِ التَّهريجِ والاستهزاءِ والطَّعنِ والتَّشكيكِ والإِثاراتِ المقصودةِ؟! أَلا يعني ذَلِكَ أَنَّ الغرضَ ليسَ علميّاً وهو ليسَ من أَجلِ الجدالِ والحوارِ للوصُولِ إِلى الحقائقِ وإِنَّما من أَجلِ التَّشهيرِ والشُّهرة! وإِلّا لتمَّ مُناقشتها كما تُناقش بقيَّة العلُوم في ساحاتِها العلميَّة المُتخصِّصة ومعَ المُتخصِّصين والكفوئِين القادرين على الإِضافة العلميَّة المُعتبرة لأَيِّ موضوعٍ من هَذِهِ المواضيع.
إِنَّ ما يُؤسف لَهُ حقاً هو أَنَّ النشء الجديد باتَ ضحيَّة الفِتن الفكريَّة والثقافيَّة والعقديَّة والتاريخيَّة التي تنتشر في وسائلِ التَّواصل الإِجتماعي ومِن على شاشات القنوات الفضائيَّة!.
إِنَّهُ لم يستفد شيئاً من كلِّ هذا الصِّراع [الفِتنة] لأَنَّهُ لم يقف على أَرضيَّةٍ ثقافيَّةٍ يُعتَدُّ بها، كما لو أَنَّ تلميذاً في الصفِّ الأَوَّل الإِبتدائي يُثيرُ عِنْدَهُ المُعلِّم شُكوكاً علميَّةً يدرسها طُلَّاب الجامعات أَو الدِّراسات العُليا!.
يلزمنا أَن نساعد النشء الجديد ونحميهِ من هَذِهِ الفِتن بحثِّهِ على الإِنشغال بطلبِ العلمِ والمعرفةِ بشَكلٍ تدريجيٍّ ليستوعِبَ لينموَ فكريّاً نمُوّاً طبيعيّاً وعدم الإِنشغال بإِبتلاعِ لُقَمٍ علميَّةٍ كبيرةٍ فوق طاقتهِ العقليَّة والمعرفيَّة!.
يلزم أَن نحرِّض النشء الجديد على الإِعراضِ عن اللَّغوِ والإِبتعادِ عن المجالس و [القُروبات] التي تخوضُ بآياتِ الله تعالى سِلباً أَو إيجاباً لازالت فَوْقَ طاقتهِ العقليَّة وقدراتهِ الإِستيعابيَّة!.
إِنَّ عمليَّة تقنين إِستخدام وسائل التَّواصل الإِجتماعي مِن قِبل النشء الجديد تقع على عاتقِ الآباء والمُعلِّمين والمُدرِّسين والأَساتذة والمُربِّين والتربويِّين.
عليهِم أَن يتحمَّلُوا مسؤُوليَّة تعليمهِ طُرق القِراءةِ وماذا يقرأ؟! ومتى يقرأ؟! وكيفَ يقرأ؟!فالفَوضى في ذَلِكَ كالفَوضى في الطَّعامِ! تدمِّرُ النَّشء الجديد ومستقبلهِ ومستقبلِ البلاد، لأَنَّها تُنتجُ جيلاً ضائِعاً سطحيّاً مُتذبذباً مُعاقاً بكلِّ معنى الكلِمة!.
إِحذرُوا الإِنشغالَ والتَّغافلَ عَنْهُ!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat