البارزاني يخرج من صمته
محمد رضا عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد رضا عباس

نتائج الانتخابات الأخيرة ارجعت رئيس إقليم كردستان المستقيل مسعود بارزاني الى عافيته , بعد ان اختفى من على شاشة الاحداث وتسليمه قيادة الإقليم الى ابن أخيه , رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني . الانتخابات الجديدة أعطت بارزاني 25 مقعدا , وهو عدد لم يكن متوقع ودارت حوله الشبهات , حيث اتهم بالتلاعب بنتائج الانتخابات ستة أحزاب كردية . ومع هذا , فان استيلائه على 25 مقعدا يعد نصرا كبير له و لأنصاره , وعادت الثقة بقيادته و طموحاته , حيث خرج بعد صمت طويل يؤكد نهجه الانفصالي ثانية ويبرره . حيث جاء في رسالة الى الراي العام الكردي والوطني له بعد اعلان فوزه بالانتخابات الأخيرة وحصاده على اعلى عدد من المقاعد في منطقة الإقليم ونينوى يتهم بها بغداد بعدم التزامها بديباجة الدستور والتي تنص على " ان وحدة العراق اختيارية" , وطالما وان وحدة العراق هي " اختيارية" , فمن حق الإقليم ممارسة حقه في تقرير المصير , وهي نفس الدعوة التي استعملها قبل اجراء استفتاء الانفصال في أيلول 25.
حديث بارزاني تضمن أيضا عن ألاسباب التي دعته الى اعلان اجراء الاستفتاء , معتبرا ان تجربة الإقليم مع حكومات بغداد في المئة عام الماضية كانت فاشلة و " مليئة بالكوارث" , مطالبا بغداد " بالكف عن معاداة حقوق شعب كردستان" , تعويض أبناء الإقليم عن الخسائر المادية والمعنوية التي تحملوها من جراء تعامل الحكومات المتعاقبة على العراق معهم , و " انهاء الواقع المفروض بقوة السلاح على كركوك والمناطق الكردستانية". بكلام اخر, ما زال بارزاني يعتقد ان إقليم كردستان كان دولة واستحوذ عليه العراق , وليس جزء من ارض العراق تاريخيا , ومازال يفكر ان الحكومات المتعاقبة على العراق ما قبل التغيير وبعده استهدفت الكرد وحدهم , دون المكونات العراقية الأخرى وبذلك يطالب الحكومة الحالية بتعويض خسائر الشعب الكردي من جرائم لم تطل عليهم فقط وانما شملت جميع مكونات الشعب العراقي. وأخيرا, يطالب بانسحاب القوات الاتحادية من محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها والتي استحلها بارزاني غدرا بعد ان كانت القوات المسلحة الاتحادية مشغولة بتحرير المدن من داعش , وبدون احترام لدستور او لشعور أبناء المناطق المتنازع عليها وهم من مختلف المكونات.
هذه الرسالة وان كانت للاستهلاك المحلي , من اجل إقناع المواطن الكردي ان توجهاته نحو الانفصال كانت صحيحة بسبب تعامل بغداد السيء , الا ان هذه الرسالة ستكون خطرة خاصة بعد ان استحوذ مسعود بارزاني على أكثرية المقاعد البرلمانية لحصة الاكراد في الانتخابات الأخيرة . ان اكتساح حزب مسعود بارزاني للأصوات الكردية ستشكل مشكلة كبيرة لبغداد , و للأسباب التالية :
أولا: ان فوز حزب بارزاني بأغلب أصوات المكون الكردي سوف تمكم بارزاني فن فرض اراداته على حكومة الإقليم وخلق مشاكل جديدة مع بغداد.
ثانيا: سوف يعقد حلول المشاكل التي مازالت عالقة بين بغداد واربيل ولاسيما في ملف النفط , المناطق المتنازع عليها , والموازنة.
ثالثا: سينصب بارزاني نفسه كممثل للشعب الكردي وسوف يكون من الصعب على حكومة بغداد الغاء نتائج الاستفتاء والتي مازال بارزاني متمسك بها وبغداد ترفضها.
رابعا: سيشجع على زيادة التشنجات بين المكونات العراقية في كركوك و بقية المناطق المتنازع عليها .
خامسا: تمكن الحزبين الكبيرين , الديمقراطي و الاتحاد الوطني , من فرض هيمنتهما على الشارع الكردي سوف يبقى هدف الانفصال وسيشكل خطرا على الوحدة الوطنية.
بالمختصر المفيد , ان نتائج الانتخابات اعادت الثقة الى نفس رئيس الحزب الديمقراطي , و سوف يستمر نحو حملته بتهديد بغداد بالانفصال او المطالبة بحقوق اكثر مما ينص عليها الدستور , وهذا ما اعلن عنه في رسالته الأخيرة وتحركات حزبه لأحياء التحالف الكردستاني وتوحيد مواقف الأحزاب الكردية لفرض شروطها على الحكومة الجديدة قبل الدخول بمفاوضات لتشكيلها. فقد جاء في تصريح لقيادي في الحزب الديمقراطي عن عدم وجود " فيتو " امام أي شخصية سترشح لرئاسة الحكومة المقبلة في بغداد , شريطة ان يحقق مصالح الكرد وحقوقهم , مشيرا الى ان حزبه لديه اهداف و شروط يجب ان تحققها الجهة التي ستكلف بتشكيل الحكومة كي يعلن مساندته لها.
ساسة الكرد يفهمون جيدا , ان الانتخابات الأخيرة لم ينتج عنها منتصر كبير , وانما توزعت المقاعد النيابية بين ثلاث ائتلافات بأعداد متقاربة وسوف يكون من الصعب جدا من تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي , مما يفسح المجال للأحزاب الكردية بالانضمام الى الفريق الذي يمنحهم اكثر المكتسبات , ربما اكثر من المسموح بها دستوريا , وهذا ما يعرض العملية السياسية والوحدة الوطنية الى الخطر .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat