وقفة مع سيكولوجية الذنب...
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

سيكولوجية الذنب، عنوان كتاب من تأليف الدكتور عباس طاهر، يتحدث فيه عن الذنب وأقسامه ونشأته ومن ثم يذكر التبريرات في ممارسة الذنب، ويختم كتابه بالتوبة والاستغفار لمعالجة الذنب… وستكون لنا وقفة سريعة مع هذا الكتاب القيم، على شكل نقاط:
أولاً: الذنب مفهوماً واصطلاحاً: بأنه الإثم والجرم والمعصية او هو ارتكاب فعل منهى عنه او ترك أخر مأمور به. وقد صنف القانون الوضعي الذنب الى ثلاثة أصناف هي الجناية والجنحة والمخالفة. إذن هو اي عمل يتعدى به الفرد على حدود الله.
ثانياً: أقسام الذنب: وهي على ثلاثة أنواع:
1- اللمم، وهي السيئات الصغيرة جداً والتي يتجاهل الانسان آثارها الجانبية لكونها إعمال غير محسوسة الأثر على الصعيد الشخصي.
2- الصغائر، وهي السيئات المحسوسة او المنظورة او المسموعة والتي يتجاهل الفاعل آثارها الجانبية فتكون مدخلاً الى كبائر الذنوب.
3- الكبائر، وهي السيئات الكبرى، كالزنا والخمر واكل الميتة، وأول هذه الكبائر الشرك بالله تعالى.
ثالثاً: كيف تتحول الصغائر الى كبائر؟. عندما يمارس الانسان الذنوب بصورة مستمرة فستكون هذه الممارسة الخاطئة حالة طبيعية لا يشعر بخطورتها، فتتحول عنده هذه الممارسات الى كبائر يكون تأثيرها خارجاً من حدود الإفراد الى المجتمع، وتكون الجريمة الاجتماعية احد مصاديقها، ومن هذه الكبائر، الإصرار على فعل الصغائر. تصغير الذنب وعدم الاعتناء بالمعصية، الأمان من مكر الله، التجاهر بالذنب وغيرها.
رابعاً: مفتاح الذنوب، كما ان الضعف والكبر في السن يؤدي الى الكسل وتعدد الإمراض، كذلك الخلل في البناء الأخلاقي للإنسان يكون مفتاحاً لأنواع الذنوب، ومن هذه المفاتيح، الحسد والحرص والبخل والكذب والغضب، واكل الحرام، غيرها من الإعمال القبيحة التي يؤدي الى الهلكات.
خامساً: نشأة الذنب، الانسان تتحكم فيه ثلاثة قوى هي قوة الشهوة، والغضب، والوهم والخيال، ولابد من سيطرة العقل على هذه القوى. فإذا غُلبَ العقل يعني يتحول الانسان الى حالة شرسة في قواه الشهوية، يؤدي الى تلوث المجتمع وفساده، لذا فان:
أول عوامل نشأة الذنب هو غلبة قوى الشهوة على عقل الانسان، ومن ثم الوسواس الذي يسيطر على العقل فيفقده مصداقيته الحقيقية. ولتطغى حالة التفكير بالمعاصي، وقد قيل من فكر بالمعاصي دعته اليها.
سادساً: منابع الذنوب، هناك العديد من المنابع المهمة التي تشكل الأرضية الخصبة لممارسة الذنب ومن أهم هذه المنابع هي:
ــ الجانب التربوي والثقافي، من أهم محاور هذا الجانب الجهل فهو معدن الشر واصل كل شر، لان فيه الشقاوة والتعدي. والجهل كالظلام الدامس بلا نور يسير الانسان فيه. كذلك الإعلام المُضلل، الإسلام دين الحرية والتسامح ويمنع استخدام القوة في الانتساب اليه، ولكن هذا لا يعني ان يستغل الانسان مفهوم الحرية ويماري إشاعة الفحشاء بالوسائل الإعلامية.
ــ الجانب الاقتصادي، الفقر والغنى مصدرين من مصادر الانحراف والذنوب لان الفقير سوف ينتقم لفقره ويمارس اللامشروع لسد العجز في فقره. والغني يمارس الحالة الطاغوتية والتكبر غروراً بماله وثروته وكلاهما قد وقعا في فخ الشيطان. فالفقر كما قيل هو الموت الأكبر والموت خير من الفقر، والفقر منقصه للدين، مدهشه للعقل وداعية للمقت. لأنه يشكل خطراً اجتماعياً كبيراً مثل يشكل الإسراف والترف الخطر الاجتماعي على الأمة.
ــ الجانب الاجتماعي، للمحيط الاجتماعي أثره الفعال في ترك بصماته الايجابية او السلبية بطريقة مباشرة او غير مباشرة على الأشخاص وعلى المجتمع ومصادر المحيط الاجتماعي هي الأسرة، المدرسة، الشارع، المجالس العامة، وسائل الاتصال، الإعلام. فتارة يعيش الانسان في محيط اجتماعي نقي وينتقل الى محيط اجتماعي ملوث لظروف معينة قاهرة فرصت عليه، فهنا يكون الفرد المبتلى باتجاهين لا ثالث لهما إما ان يتحصن وتقوى شخصيته وتبدأ عملية التآكل من الداخل في الأفكار والروحية وبعدها تبدأ عملية التساهل في قضية الذوبان في المجتمع الملوث وممارسة كل ما حرمة الله بإباحية وتحد لمشاعر ومتبنياته.
ــ الجانب النفسي، من العوامل المهمة التي تؤدي الى الانحراف وممارسة الذنوب، فعندما يفقد الانسان معرفة حقيقة نفسه وعظمتها فيسبر الى غير هدى ويفقد بذلك كرامته الذاتية التي أكرمه الله تعالى بها.
ــ الجانب السياسي، الطغيان السياسي حذر منه الإسلام بشده لأنه يؤدي الى الظلم الاجتماعي وهذا مرفوض جداً في الإسلام، ويوجب خراب المجتمع ويفقدها القيم الأصيلة.
ــ الجانب العائلي، للعائلة دور كبير في صياغة توجهات الطفل بالطريقة السليمة او بالطريقة المنحرفة، فحينما تكون الحالة التربوية قلقة يسودها الاعوجاج والانحراف الاجتماعي الا إذا أدركتها الرحمة الإلهية واهتدت. فالتربية الصالحة في الأسرة تكون كالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
سابعاً: التبرير في ممارسة الذنوب، إيجاد المبرر لممارسة الذنب يعتبر أشد من الذنب لان ذلك يدخل الإنسان في مداخلات يختلط فيها الحق والباطل، فباسم الحق يمارس الباطل وباسم الحلال يمارس الحرام تحت غطاء الحيلة الشرعية.
ان من يُبرر الخطأ والمعصية يحاول ان يضفي عليها أطاراً شرعياً، ويعتبر ممارسته للذنب حالة طبيعية في حياته يكون قد تعدى على حرمات نفسه ودينه ومجتمعه. وهذه الممارسات الخاطئة تعتبر أشد من ممارسة الذنب. ومن هذه التبريرات، التبرير في ممارسات الاعتقادية، التبرير السياسي، التبرير الاجتماعي، التبرير النفسي، التبرير الثقافي، التبرير الاقتصادي، التبرير العسكري.
ثامناً: كيف نلجم الذنوب؟، إن كل شيء في هذه الحياة شيء ينظمه ولا توجد حركة عشوائية في الكون والحياة خارجة عن إطار التنظيم. وعليه توجد مجموعة من الخطوط العامة لهذا التنظيم وهي:
1ــ الإيمان الصحيح بالله تعالى واستحضار رقابته في كل شيء من حياتنا.
2ــ معرفة الانسان لنفسه وكشف ضعفها وقوتها.
3ــ الإيمان بالحساب واليوم الأخر.
4ــ التفكر بالموت فانه لجام الشهوات.
5ــ استحضار حالة الخوف من الله تعالى والحياء منه.
6ــ مطابقة إعمالنا مع إعمال القدوة الصالحة.
7ــ ممارسة العبادة الصحيحة.
8ــ الابتعاد عن موارد الشبهات.
9ــ التفكير الدائم في كيفية تحقيق مرضاه الله تعالى.
10ــ الإكثار من إعمال الخير وتجب الأعمال القبيحة.
تاسعاً: الموقف الإسلامي من المذنبين، الإسلام يؤكد على ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعتبر واجب عيني على كل شخص ان يمارس إنكار المنكر بالقلب وباللسان وباليد، لمنع انتشار المنكر في المجتمع.
التعامل مع المذنبين يعتمد على نوع الذنب الممارس، وشخصية الممارس، وطبيعة الذنب الممارس، فالممارسة الإسلامية اتجاه المذنبين هو الإنكار لإعمالهم وهجرهم اذا لم يستجيبوا الى كلمة المعروف وهذا على الصعيد الشخصي، إما على الصعيد الاجتماعي فالدولة هي أولى بتطبيق الحدود على المذنبين اجتماعياً. وقد جعل الإسلام حدود المذنبين بين العفو والقصاص لكي يربي الأمة على الصعيد الفردي والاجتماعي.
عاشراً: آثار الذنوب، السلوك الإنساني ذو اتجاهين، سلبي وايجابي، السلوك السلبي هو الناتج عن غلبة الهوى وطغيان الذنوب على حياة الانسان، اما السلوك الايجابي هو الذي يُميز الانسان المؤمن عن غيره، فحينما يعيش المحنة والابتلاء يكون صبوراً ومحتسباً، فالمحنة للإنسان المؤمن تحمل بُعدين: للمكافئة، للابتلاء والتمحيص لغرض تصفيه الانسان من شوائبه للبلوغ به نحو التكامل الإنساني.
وحينما يمارس الانسان الذنوب فلا يجد إمامة الا العواقب التالية: الذنوب تسلب توفيق الدعاء من الانسان فتبقيه يعيش في حالة نفسيه صعبه، كذلك تنسي المرء ذكر الله، وتغير النعم وتبيد الأمم، وتنقص العمر وتعجل بالفناء، وتهتك العصم، وتقطع الرجاء.
احد عشر: التوبة، ان كل عمل يمارسه العبد هو طاعة لغير الله من شياطين الجن والإنس وهو النفس والجهل، ان هذا الشرك في الطاعة أمر عظيم قدمه القران على سائر الإحكام الخطيرة شأناً كعقوق الوالدين، ومنع الحقوق المالية، والتبذير، وقتل الأولاد، والزنا، والسرقة، وقتل النفس المحترمة، واكل مال اليتيم، ونقض العهد وغيرها، ولكن رغم كل هذه الممارسات لقد فتح الله تعالى باب الرحمة لعباده وسماها التوبة.
والتوبة توبتان، توبة من الله تعالى وهي الرجوع الى العبد بالرحمة، وتوبة من العبد وهي الرجوع الى الله بالاستغفار والانقلاع عن المعصية. وتوبة العبد محفوفة بتوبتين من الله تعالى فان العبد لا يستغني عن ربه في حال من الأحوال، فرجوعه عن المعصية اليه يحتاج الى توفيقه تعالى وإعانته ورحمته حتى يتحقق منه التوبة.
والتوبة لم تُشرع لإغراء العبد بالمعصية وتحريضه على ترك الطاعة كما يتوهم البعض، إنما التوبة شرعت لتفتح الطريق للإنسان المذنب ان يرجع عن عمله السابق نتيجته سيطرة الهوى والشهوة عليه. وهي عملية إزالة الصدأ من معدن النفس واذا تراكمت مادة الصدأ في النفس من دون توبة تكون ريناً، واذا تراكم الصدأ أكثر صار طبعاً، واذا صار طبعاً صعب زوله، فالتوبة والاستغفار هو لزوال السيئات ومنع تراكمها.
اثنا عشر: الخاتمة، ان مرض الذنوب وعوارضه يصيب الجميع ولكن بدرجات متفاوتة، وأثر العلاج لهذا المرض الخطير يعتمد على طبيعة المرض وزمانه وشدته وقدرة البدن على تحمله، وطريقة علاجه. فإذا أراد الانسان ان يسير في هذه الحياة فليجعل التوبة والاستغفار سبيلاً له لتحصين نفسه من السقوط في شباك الشيطان. عن رسول الله(ص): انه ليران على قلبي حتى استغفر باليوم والليلة سبعين مرة.
نسأله تعالى ان يجعلنا من التوابين ومن المستغفرين لأننا لا نعلم متى الأجل فيتخطفنا، وكأن الأجل صائر ألينا بعد لحظات، فان: من يموت بالذنوب أكثر من يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat