صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٧)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
   ما أَن يطرحَ أَحدُنا سؤالاً في جلسةِ دردشةٍ عبثيَّةٍ مثلاً أَو سهرةٍ ليليَّةِ حتّى يُمطرهُ الحضور بالأَجوبةِ مهما كانَ نوعُ السُّؤال وكأَنَّهم خُبراء في كلِّ شَيْءٍ!.
   فإِذا اشتكى أَحدٌمن صداعٍ في الرَّأس شنَّ الحضُورُ حملةَ أَجوُبةٍ وكأَنَّهم أَطبّاء مُتخصِّصونَ!.
   وإِذا سأَل آخر عن طبقةِ الأُوزون تسابقَ الجمعُ على الإِجابةِ وكأَنَّهم علماءَ في الفَضاءِ!.
   أَمّا إِذا سأَل ثالثٌ عن طُرقِ علاجِ حالات التمرُّد عندَ الأَطفالِ فلم يوفِّر الحضُور جهداً للإِجابةِ على السُّؤال وكأَنَّهم عُلماء في التَّربية والتَّعليم!.
   ويتورَّط على عُمرهِ إِذا سأَل أَحدٌ مسالةً شرعيَّةً، لتنزلَ عَلَيْهِ الأَجوبةِ مِثْلَ زخَّاتِ المَطر، فكلُّ الحاضريِنَ عُلماء وفُقهاء ومراجع وهم لم يُحسِنُوا أَن يسبِغُوا وضوءَهُم! وصدقَ الله تعالى في وصفهِم بقولهِ {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}.
   هَذِهِ واحدةٌ من أَخطر حالاتِنا الإِجتماعيَّة السيِّئة، نجيبُ على كلِّ سُؤالٍ ونحشُر أَنفسنا في كلِّ حِوارٍ، ولذلك لم نتعلَّم لأَنَّ مَن يظنُّ أَنَّهُ يعرفُ كلَّ شَيْءٍ ويفهمُ بكلِّ الأُمور لا يسعى للتعلُّم ولماذا يتعلَّم إِذا كانَ يعرفُ كلَّ شَيْءٍ؟!.
   يوصي أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ولدهُ الحسن السِّبط المُجتبى (ع) {وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ} فليسَ المُهمُّ أَن تقولَ أَو لا تقُول، أَو أَن تُجيب أَو لا تُجيب وإِنَّما المُهمُّ هو أَن تقُولَ الشَّيء الصَّحيح وأَن تُدلي بالجوابِ الصَّحيح! كما يَصِفُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) أَخٌ لَهُ {وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ}.
   إِنَّ مشكلةَ أَغلبِنا هي أَنَّنا نتصوَّر بأَنَّنا عباقرةٌ في كلِّ شَيْءٍ نفهمُ في الأُمُورِ صغيرها وكبيرها ولا تنقُصنا المعرفةُ في شَيْءٍ وتلك هِيَ الآفةُ، آفةُ العلمِ والمعرفةِ والتقدُّم العلمي، والتي أَشار إِليها أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) في وصيَّتهِ إِلى ولدهِ الحسن السِّبط المُجتبى (ع) {وَاعْلَمْ؛ أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ}.
   لو أَنَّنا نتَّخذ من القواعد التَّالية شعاراً لقلَّ كلامنا وهدَّأنا من تَسرُّعِنا في الإِجابةِ، وبالتَّالي سعَينا للعلمِ والمعرفةِ أَكثر من سعيِنا وتسرُّعنا في الكلامِ والجوابِ؛
   أ/ قولهُ تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فلا نتصوَّر أَنَّنا إِذا قرأنا كِتاباً أَو كتابَين تعلَّمنا كلَّ شَيْءٍ فلا داعي لمزيدٍ من المعرفةِ وطلبِ العلمِ، أَبداً، ولذلكَ وردَ في الحديثِ {أُطلبُوا العِلْمَ مِنَ المَهْدِ إِلى اللَّحْدِ}.
   ب/ قولهُ تعالى {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ} فلا تورِّط نفسكَ بجوابٍ على أَيِّ سؤالٍ إِذا لم تكُن متأَكِّداً مِنْهُ أَو لستَ على يقينٍ من صحَّةِ الجَوابِ! كما يوصي أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {وَدَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَالْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ}.
   ج/ قولُ الامام أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ} فاذا شعرتَ أَنَّكَ تحشرُ نفسكَ في كلِّ قضيَّةٍ وتتسرَّع لإِبداءِ رأيكَ في كلِّ موضوعٍ وتحوم لتُجيبَ على كلِّ سؤَال فاعلم انَّكَ ناقصُ العقلِ فَلَو كان عقلكَ كبيراً لما ورَّطتَ نفسكَ بمثلِ هذه المُنزلقاتِ، وهي من مداخلِ التُّهم كما يصفها أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ} وقولهُ(ع) {وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ}.
   فالعبرةُ ليسَ في كثَرةِ الكلامِ أَو الأَجوبةِ وإِنَّما في الفَحوى والمُحتوى والمنفعةِ.
   يَقُولُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ}.
   ويصفُ (ع) كثرةَ الكلامِ بأَروعِ الأَوصافِ بقولهِ {وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ}.
   قد يفوتكَ شيءٌ إِذا تريَّثتَ في الكلامِ والإِجابةِ ولَم تتسرَّع ولكن ما تتوَّرط بهِ في التسرُّع أَكثر بكثيرٍ! ففي الفوتِ متَّسعٌ للعَودةِ أَمّا التورُّط بسببِ الإِستعجالِ فلا تجدَ فيه مُتَّسعاً أَو مجالاً للتَّراجُعِ.
   يصفُ ذلك أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) في وصيَّتهِ آنِفة الذِّكر {وَتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ}.
   ٢٢ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/23



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٧)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net