وقتما كانت النفس تصبو لعيش رغيد..تزفّنا أحلامنا الصبيانيّة..نحلّق معها فوق هامات المستحيل...وأقمار الليل تقبّل رؤوسنا،تُنير لنا عتمة الليل الطويل..وخيمة من سحر الوجود تُظلّنا.
حينها!! كان كل شيء يومئ بحياة جديدة..ويعِد بروعة الوجود..وكانت الأفراح تُطلّ علينا من خلف حدود الكون اللامحدود..وكنا نرمِقها بعين السرور من فوق نافذة الخيال واللاوجود.
وعبر مسيرة الأميال اللامعدوده..كانت الروح تعبر ممرات الحياة..تركض عبر جسور الأمس البعيد إلى بوابات الآتي الجديد..تنتظر الصبح الوليد....وتستمر في رحلتها ..تتمتم بآمال الآتي السعيد.
وكان الوقت يمضي..يحملنا معه إلى خط النهاية الأحمر، الأقرب إلى الفناء والمجهول..يقف على حدود الخلود...يحمل الروح معه..تتسرب جزيئاتها هاربة شاردة،لتلوذ أخيرا في كهوف الذاكرة التراثية...
فأفقنا من سكرة صبيانيتنا...فإذا بالقمر قد غَفا على بوابة الليل، وريح الخريف تُمسك بغصون العمر غصنا غصنا..تُجرّده من وريقاته..تبوح صُفرتها المنعكسة على تلاميح ذاك الوجه الذابل بسرّ العمر السائر نحو النهاية.وإذا بالروح تقرّ بحقيقة الزوال..وتُعدُّ معزوفتها الجديدة..لتُغنّي عليها تمتمات ما قبل الرحيل.
فمن يستطيع أن يُضيء القنديل المُنطفئ في الفجر الأرجوانيّ...؟!
من يستطيع أن يُنعش الشجر المتهالك تحت سياط الريح..؟!
من يستطيع أن يوقف تساقط الأوراق في الفصل الحزين..؟!
من يستطيع أن يُعيد إلى الروح زهور الصِبا المُدلل..؟!
من يستطيع أن يُضيء نجمة كانت هُنا على الشرفة تلعب...؟!
من يستطيع أن يفهم تمتمات الروح في الليل الأخير...؟!
من يستطيع أن يُنقذ الروح من إعيائها لحظة تشاغلها تمتمات ما قبل الرحيل...؟!
فمن يستطيع ذلك؟!!!
ومن يملك احتمالات فوق طاقات البشر؟..
أيها الإنسان السائر نحو النهاية!
هل ما زلت تشتهي طعم الخلود؟!
ألا تخشى أن تجادلك تمتمات ما قبل الرحيل لحظة تحدّثك قواميس الطبيعة بلغة واقعها...وتلقي على دنياك مفرداتها..تذكّرك بضعف ذاتك أمام قدرة خالقك العظيم وأمام تحدّيات القدر..وتثبت انهزامك أمام العمر السائر بك نحو المجهول والنهاية..
فهل ما زلت يا ابن التراب تراوغ وتتمنى وتشتهي الخلود وتكابر!!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat