صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

الصوم ... وقلة النوم...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

النوم بحد ذاته آية عظيمة تتجلى فيها القدرة والإبداع والحكمة، واللطيف والرحمة الإلهية التي وسعت كل شي، إن نوم الانسان هو انسجام تام مع ذات الانسان ومحيطه وهو محطة استراحة وتعبئة وبناء لذات الانسان في كل جوانبه، وهو للعاقل الحكيم اكبر موعظة(1). 
كما وان النوم ظاهرة مهمة من ظواهر الخلق ومثل بارز من نظام الحكيم الخالق، فأن جميع الموجودات الحية، تحتاج إلى الراحة والدعة، وذلك لتجديد قوتها وتهيئة الاستعداد اللازم لإدامة العمل والفعالية، الراحة التي لابدّ منها حتى لأولئك الأفراد الحريصين والجاديّن(2). 
وهو الأَساس لتجديد القوى المنهكة ورمزٌ للنشاط والحيوية، وهو يستهلك نحو ثلث عمر الإنسان، وقد ثبت أن قلّة النوم والأَرَق يؤديان إِلى سلب النشاط والحيوية، فضلاً عن تلف الأَعصاب وإِنهاك القوى وضعف جهاز التفكّر، كما أنّ إِدامة الأرق يؤدي إِلى الموت المحقق، حتّى أنّه قيل: إِنّه من الممكن بقاء الإنسان حيّاً بدون غذاء إِلى ستّة أسابيع، ولكنه سيموت إِذا لم ينم عشرة أَيام بلياليها، بناءً على ما تقدّم فإنّ تدبير النوم لحياة الإنسان واحدة من الدلالات التي تشير إِلى معرفة الخالق(3). 
وقد قال صاحب الميزان: وفي خلق الإنسان ذا قوى فعالة تبعثه إلى طلب الرزق ورفع حوائج الحياة للبقاء بالحركة والسعي ثم هدايته إلى الاستراحة والسكون لرفع متاعب السعي وتجديد تجهيز القوى وتخصيص الليل والنهار المتعاقبين للسعي والسكون والتسبيب إلى وجود الليل والنهار بأوضاع سماوية قائمة بالأرض والشمس لآيات نافعة لمن له سمع واع يعقل ما يسمع فإذا وجده حقا اتبعه(4). 
وعليه فمن المشاكل التي يعاني منها الفرد الصائم خلال شهر رمضان المبارك هي قلة النوم، إذ إن الغالب من الناس لا تنام ليلاً خلال شهر رمضان، معللاً ذلك الى التطور والانشغال بالتكنولوجية وبوسائل التواصل الاجتماعي التي سلبت النوم من الناس وأبتعادهم كثيراً عن الاهتمام بالأمور العبادية حتى قيل عن هذا الزمن انه زمن الماديات يخلوا من الروحانيات.
 فان هذا الوسائل وما تفرضه على الانسان جعلت النوم يغادر من أعين ابن ادم، ففي السابق كان أهلنا وأجدادنا ينامون مبكراً ويستيقظون مبكراً وتجدهم في نشاط وحيوية، إما اليوم تجد الناس في كسل وخمول بسبب قلة النوم ليلاً، وان كان الناس تنام نهاراً خلال الصيام، فان نوم النهار لا يعوض نوم الليل مما يشعر الانسان انه بحاجة ماسة الى النوم، وهذه هي المشكلة التي يعاني منها الكثير من الناس، كما وتجدهم يعانون من الم وحرقة في المعدة.
فقد أوضح مجموعة من الباحثين في هذا الشأن: إن عدم النوم ليلاً يؤدي الى عدم تكون كميات كافية من المواد اللازمة لإصلاح الإضرار في أنسجة المعدة مما يقود في نهاية المطاف الى الإصابة بقرحة المعدة، إذ قاموا بقياس مستويات البروتين المسئول عن إصلاح الإضرار التي تصاب بها أنسجة القناة الهضمية، واعتمدوا في بحثهم على قياس مستويات هذا البروتين طوال اليوم لأثنى عشر شخصاً سليماً، بهدف تحديد تأثير أساليب النوم المختلفة على إنتاج هذا البروتين من قبل الجسم، ووجدوا ان مستويات البروتين على مدار اليوم تبلغ ذروتها ليلاً وتبلغ أدنى مستوياتها في فترة ما بعد الظهر الى العصر، وقد تتضاعف ليلاً لتبلغ 340 ضعفاً إثناء النوم(5). 
ويقول العلماء إن منطقة أسفل الدماغ تقوم بمهام كثيرة ومن جملتها عملية تنظيم النوم عند الانسان، وتعتبر عملية التنظيم هذه مهمة في حياة الانسان من الناحيتين المادية والمعنوية، لذا عمل له في جسم الانسان ميزان يعدل بحسبه نوم الانسان. 
وقد قال الدكتور خالص جلبي في كتابه الطب محراب الإيمان: وكما ان قانون الاتزان يسري على كل أعضاء وأخلاط البدن كذلك فانه يسري في النوم، ولذا فان الزيادة فيه تؤدي إلى المزيد من النعاس والنقص فيه يؤدي إلى الضجر وعدم الراحة.
لقد وجد أن المعدل الطبيعي الجيد لراحة البدن وسطياً ما بين 6 ـ 8 ساعات وهذه النسبة تزداد عندما يكون الولد صغيراً، ويعتبر الجنين في نوم مستمر وهو في رحم أمه، وأما الرضيع فهو أيضاً ينام كل الوقت إلا إذا شعر بالجوع أو الألم، ثم تنقص النسبة حتى تصل إلى اقل من 6 ساعات عندما يكون الإنسان في مرحلة الشيخوخة. 
ويضيف: ان من جملة الإسرار لقد وجد ان الانسان في نوم عميق في الساعة الأولى ثم يخف هذا الأمر وخاصة بعد الساعة الثالثة من النوم. وصدق القرآن الكريم حيث يكون سكون الليل الذي يعين على فهم القول أكثر ويشتد وقع الكلام على النفس أكثر، والمهم هو أننا نقف أمام ظاهرة في منتهى الخطورة من جهة وفي منتهى الأهمية من جهة ثانية وهي تنظيم الحياة والنوم، فالإسلام حض على أشياء معينة لها دور مهم وعظيم في دفع النشاط والحيوية في قلب الانسان وجعل الجملة العصبية المركزية في اتزان وصحة جيدة، ان هذا يجعلنا نسرع إلى التطبيق أولاً، وقبله نشعر بالعظمة الهائلة التي تظلل هذه النصوص وهي تتحدث عن أمور جاء الطب الحالي ليوضح بعض جوانبها، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَياَت لِّقَوْم يَسْمَعُونَ﴾(6). 
فان حاجة جسم الإنسان وروحه إلى النوم كثيرة إلى درجة لا يستطيع الفرد أن يتحمل السهر المتواصل أكثر من يومين أو ثلاثة. ولذلك فإنّ المنع من النوم يعتبر من أشد أنواع التعذيب الذي يمارسه الطغاة والجبابرة مع سجنائهم. وكذلك يُعدُّ النوم واحداً من الطرق العلاجية لكثير من الأمراض، حيث يوصي الأطباء المريض بأن يغطّ في نوم عميق فتزداد بذلك قوّة المريض ومناعته.
وعلى كل حال فإن نعمة النوم والهدوء والاطمئنان الناشئ منه، وما يحصل عليه الإنسان من قوة ونشاط بعد النوم، هي من النعم التي لا يمكن وصفها بأي بيان!(7). 
إنَّ النومَ المعتدل والاستقرار سرُّ السلامةِ وطولِ العمر وحيوية الشباب. واللطيفُ اَنَّ الآيةَ:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَياَت لِّقَوْم يَسْمَعُونَ﴾ وضعت النوم، وابْتِغاء فَضْلِ اللهِ في مقابل بعضهما، وحسب قول بعض المفسرين انَّ الأولَ هو علامة الموت والثاني علامة القيامة. انَّ تعبير ﴿اِبْتغاءَ فَضْلِ اللهِ﴾ اشارةٌ الى مسألة لطيفة، تهتُم بسعي وجدِّ الإنسان في حياته، وبفضل الله أيضاً، أي انَّ مزجهما مع بعضهما يُفيدُ الانسان من هبات العالم(8). 
فسبحان الله ما أعظم هذا التناسق والهدفية بين تكوين الانسان ومحيطة وتأمل كيف جعل الله عزوجل الليل خاصاً للنوم وكيف جعل بناء وترميم الجسم في الليل أيضاً وتأمل في تهيئة الليل للنوم والاستقرار، وعليه فلابد من الحرص على النوم ليلاً، لتجنب الوقوع في المشاكل التي تعاني منها خلال نهار الصوم، ومنها النعاس وألم المعدة والكسل واضطرابات معوية وغيرها. 

المصادر:
1ــ تأمل في نوم الانسان، ص9.  
2ــ تفسير الأمثل، ج12، ص501.
3ــ موسوعة العقائد الإسلامية، ج3، ص157.
4ــ تفسير الميزان، ج16، ص87.
5ــ تأمل في نوم الانسان، ص13.  
6ــ الطب محراب للإيمان، ج1، ص159.
7ــ تفسير الأمثل، ج12، ص506.
8ــ نفحات القران، ج2، ص144.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/23



كتابة تعليق لموضوع : الصوم ... وقلة النوم...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net