خطبة المسؤولية ... حوار مع مدير تحرير موقع كتابات في الميزان ( 2 )

بعد بيان المرجعية الدينية العليا في 17 شعبان بشأن انتخابات 2018 البرلمانية، انبرى موقع كتابات في الميزان الذي تأسس بداية شهر نيسان من عام 2010 بلقاء صحفي أجراه المحرر السياسي في الموقع مع مسؤول الموقع ومدير تحريره الأستاذ محمد البغدادي، يسلط فيه الضوء على قضية هامة تخص الشعب العراقي والتي أشبعها الأخوة كتاب الموقع بالكثير من التحليلات إضافة إلى تعليقات الإخوة زوار الموقع فكان لزاما على الموقع أن تكون له بصمة ورؤية في هذه المرحلة الحساسة من تأريخ العراق الحديث.

ونترككم مع الجزء الثاني من اللقاء وبامكانكم متابعة الجزء الاول بالضغط هنا 

المحرر: من خلال اطلاعنا على عدد من السياسين الذين يدعون لانفسهم النزاهة والاستقامة والكفائة ، أو يدعي القرب أو الانتساب الى عناوين محببة لدى الناس كي يجذب اكبر عدد من الاصوات، فما هي الآلية التي يمكن اتباعها لتمييز من يكون صادقا في ذلك أو غير صادق، وخاصة أن الكثير منهم يصعب على المواطنين التعرف عليه إلا من خلال وسائل الاعلام والكثير من تلك الوسائل هي تخضع اصلا لادارة تلك الكيانات السياسية أو تعمل لحسابها بشكل مباشر أو غير مباشر؟

الأستاذ محمد البغدادي: ما تفضلتم به صحيح، فمن الملفت للنظر أننا نجد على مر السنين وتعدد الدورات الانتخابية أن عدد ليس بالقليل من السياسين أو الجهات التي تقف خلف أولئك السياسين وتتدعمهم بارعون جدا في ركوب الموجة التي تكون سائدة في المجتمع، وأنهم يستغلون وسائل الاعلام بشكل يعزز مكانتهم ويغطي على مواقفهم السلبية والخطيرة، من أجل كسب تلك المصالح الضيقة والبائسة.

ومن ذلك ما نراه ونتابعه بشكل فج أنهم بعد كل موقف أو بيان يصدر من المرجعية يبادرون الى توظيف ذلك الموقف أو البيان ويصرحوا أو يلمحوا أن كل ما جاء من مدح وثناء فهو ينطبق عليهم وأن كل ما جاء من ذم وانتقاد فهو ينطبق على غيرهم، ويتم تصيد عبارات في تلك النصوص ويأولونها كما يحبون.

ولكن في المقابل يجب أن نلتفت الى قضية أخرى وهي أن من المعتاد أن يرشح السياسي أو شبه السياسي نفسه في المناطق التي ينتسب لها، وغالبا ما يكون اولئك المرشحون معروفون في ذلك المجتمع او تلك المدينة او الناحية او القرية.

فهو إما ينسب الى عشيرة وسيرته معلومة معروفة لدى تلك العشيرة تلك المنطقة التي يسكن فيها أو ينتمي لها، وإما أن تكون لديه وظيفة معروفة وهو بتماس مع كثير من الكوادر التي تشترك معه في تلك الوظيفة او الشرائح الاجتماعية التي تكون أيضا بتماس معه في عمله، او يكون وجيها في تلك المدينة معروفا فيها أو ينتسب الى عائلة معروفة بمواقفها الايجابية او السلبية داخل ذلك المجتمع، أو يكون استاذا او مربيا أو غير ذلك.

وبخلاف ذلك إذا كان مغمورا وغير معروف ولا يمكن التعرف عليه من خلال السؤال من الاشخاص العارفين به فهذا المرشح لا يحتمل في حقه أن يفوز لأن من شرائط الفوز في الانتخابات هو الحصول على العدد الكافي من الاصوات، وبالتالي لا داعي لان يشغل الانسان نفسه بالبحث عنه والتعرف عليه.

هذا كله بالنسبة الى من رشح نفسه لاول مرة، أما من كان سابقا من أعضاء البرلمان أو مجلس المحافظة أو تسنم مناصب وزارية أو ماشابهها فهذا يعرف من سيرته السابقة ومواقفه السياسية والخدمية والاجتماعية، ومن تواصله مع الناس وتفاعله مع مشاكلهم واحتياجاتهم، أو مدى النجاح الذي احرزه في مجال عمله ونشاطه، او مواقفه من القضايا الرئيسية التي مر بها البلد، وتفاعله مع الاحداث التي مرت في مقاتلة العصابة الاجرامية داعش وفي ما خلف هذا القتال من شهداء وجرحى وامثال ذلك.

ومع هذا وذاك طبعا من الطبيعي ان يلاحظ على من كان سابقا في البرلمان او المناصب الوزارية وامثالها ما طرأ عليه وعلى المتعلقين به من تغير في الاحوال المالية والمعاشية والذي يمكن وصفه بالثراء الفاحش المفاجئ وتكوين الشركات وشراء الشقق والعمارات في بلدان العالم المختلفة.

كما أن من الضروري ملاحظة تصرفات المنسوبين الى هذا المسؤول من ابناء واصهار وحراس وسواق والمحيطين به من استغلال ذلك المنصب بشكل غير شرعي ولا قانوني لتحصيل الاموال والمقاولات والمنح والامتيازات بسبب ما لهم من علاقة من ذلك المسؤول، وتعيين الفاسدين والفاشلين في مقابل اخذ الرشاوي والاتاوات، أو للمحسوبيات والولاءات أو القرابة وما شابه ذلك.

ومن الواضح ان الناس قد اطلعت خلال السنوات الماضية على الكثير من هذه الوقائع والقصص، واشتهرت الكثير من ملفات الفساد واخبار سرقة المال العام او هدره، او ما ميز به المسؤولون انفسهم من رواتب ومنح واراضي وغير ذلك.
وايضا يمكننا ان نقول ان هذا كله يرجع الى الذين تسنموا مناصب هي دون المناصب الرئاسية الرئيسية المتنفذة، أما بخصوص المناصب الرئاسية فان الامر فيها اوضح من كل ما تقدم، فيكفي للحكم عليها بالصلاح او الفساد ملاحظة حال البلد خلال مرحلة حكمهم وسلطتهم وهذا لا يحتاج الى مزيد من الشرح او البيان.

المحرر: بعض القوائم تضم مرشحين مستقلين لكنها قوائم غير جيدة ومن المحتمل أن أصواتنا ستذهب إلى غيرهم فما هو الحل برأيكم؟

الأستاذ محمد البغدادي : من المنطقي أن المواطن اذا كان يشعر بأهمية صوته وقلنا أن هذه القضية يجب أن يسلط عليها ما يناسبها من ضوء وإثارة إعلامية لان اكثر الناس يستخف بهذه القيمة ولا يعرف قدرها، أقول أن استشعاره لقيمة هذا الصوت يجعله يفكر كثيرا قبل أن يمنحه إلى احد، وبالتالي فان من الضروري حفظ هذا الصوت.

وقد اشارت المرجعية في بياناتها المختلفة الى عدة شروط يجب توافرها في من يستحق أن يمنحه المواطن صوته، واذا كانت النزاهة والكفاءة شرطان اساسيان فمن الضروري من جهة أخرى أن يكون المرشح محتملا للفوز ولو بحسب الظاهر والمعطيات المتوفرة، فان التصويت لمن نتيقن انه لن ينال الفوز يؤدي الى هدر الاصوات وتضييعها.

بل قد تذهب تلك الاصوات ووفق دهاليز قانون الانتخابات إلى من لا يرغب به صاحب الصوت ولا يريد أن يصوت له .

والذي يمكن اضافته من شرط هذه المرة مع رسوخ الصورة السلبية عن اصحاب القوائم عند الناس ومع عدم وجود قوائم بديلة حاليا هو ان يتوخى المواطن ترشيح من له شخصية يمكن ان توصف بانها قوية الى الحد الذي يجعل المرشح اذا فاز قادرا على اتخاذ مواقف مستقلة عن رئيس القائمة او تلك الجهة الحزبية، وله ان تكون له وجهة نظر مستقلة او لا تخضع بشكل تام ومطلق الى تللك الجهة.

فلا ينبغي التصويت لمن كان ذو شخصية مبتذلة أو ضعيفة في مقابل رئيس الكيان او القائمة، وهذا يعرف من خلال مكانته الاجتماعية بين الناس، فإن الشخصيات الضعيفة لن تمثل الا زيادة في مقاعد تلك الجهات السياسية وسيكتفي بنيل بعض المصالح الشخصية الخاصة به وبعائلته ولن يكون له ادنى اهتمام فيما يجري في البلد او ادنى همة في متابعة الملفات الخطيرة والمهمة والعمل من اجل الصالح العام.

ومن ذلك تلك الشخصيات التي ليس همها الا البحث عن الوجاهة التي يجلبها له المنصب وكثرة السياحة والسفر بحجة انجاز اعمال ومهام خارجية.

المحرر: إذا كانت المرجعية الدينية قد حققت الشيء الكثير في ردع داعش في فتواها الشهيرة، فهل تعتقدون أستاذنا أن تحقق المرجعية تغييرا شاملا لنظام الانتخابات مستقبلا كما قالت في بيانها بالضغط عن طريق القاعدة الشعبية التي تمتلكها.

الأستاذ محمد البغدادي: أن المتابعة الدقيقة للأحداث التي جرت وتجري في البلد يمكنه أن يجد فرقا واضحا بين الملفين ملف داعش وملف الانتخابات، ففيما يخص داعش فان الأمور واضحة جدا وعليها اجتمعت كلمة اغلب العراقيين أن لم يكن كلهم على التصدي وعلى طرد هذه الزمرة الإجرامية، ثم ان التصدي لهذه الزمرة له آلية واضحة أيضا وطريق محدد وهو حمل السلاح ومحاربتها في كل بقعة من العراق وطردها عن جميع الأراضي العراقية.

أما ملف الانتخابات أو الشأن السياسي عموما فهو بطبيعته شائك ومعقد ليس في العراق فقط بل في كل مكان، لأنه شأن داخلي ووجهات النظر قد لا تتوافق فيه بشكل كاف، ويحمل حساسية وخطورة يحتاج أن يكون التعامل معه بتأني وحكمة ودراسة كافية لكل الظروف والتداعيات التي قد تحصل في كل خطوة يمكن أن تتم في هذا المجال.

ولا شك أن أي تصرف خاطئ وغير محسوب في المواقف السياسية قد يجعل البلد يتخبط في فوضى عارمة وتداعيات خطيرة ومن أول نتائجها أنها ستجعل الفرصة سانحة تماما لهجوم كاسح شامل من زمر داعش التي تشرذمت هنا وهناك، ولمثل هذه العصابات القدرة الفائقة على إعادة التشكل بسرعة وشن هجمات واسعة تعيد فيها سيطرتها خلال يوما أو بعض يوم.

وبهذا يتفهم المراقب المنصف أن عدم تعامل المرجعية ـ الى حد الان ـ مع الملفين بشكل متشابه والحذر الواضح في التعامل مع الملف السياسي يكشف عن وعورة هذه القضية وما تحمله من معطيات متباينة لابد من حصول التوازن فيها.

ولكن ايضا يبقى الاحتمال قائما بأن يصدر من المرجعية الدينية في الوقت المناسب ما قد يتجاوز توقعات المراقبين وحساباتهم، ما دمنا نثق انها تتخذ تلك المواقف الكبيرة بعد حصول ما يستدعي ذلك وبعد دراسة المعطيات الخاصة بكل ظرف وحال.


ولكن نفهم اجمالا ان التبيان الحاصل حاليا بين الموقفين حول محاربة داعش والقضية السياسية انما هو ناشئ من اختلاف هذين الملفين وقد بينا كمراقبين طرفا من هذا الاختلاف وهنالك جوانب اخرى قد لا يسعنا الحديث عنها الان.

المحرر: خلال 15 عاما المرجعية كانت تضع الحلول عندما ترى أو تشعر أن هناك تهديدا على المجتمع من خلال استقراءكم للأحداث هل ستقوم المرجعية بالضغط على البرلمان القادم لتغيير قانون الانتخابات الذي انتقدته بداية بيانها في خطبة الجمعة الماضية.

الأستاذ محمد البغدادي: لا يسع أحد أن يجيب على هذا السؤال إلا المرجعية أو من يمثلها بشكل رسمي، ولكني اعتقد أن الجواب على هذا السؤال سابق على أوانه، وان من يتخذ القرار في أي مجال كان لابد أن يلاحظ فيه الظروف الموضوعية لتلك القضية، وقبل أن تنتهي الانتخابات وتظهر الكتل الفائزة وحجم تمثيلها وتوجهاتها وملامح البرلمان لا يمكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة، وسيبقى أولا وأخيرا النظر إلى المصلحة العامة واتباع الأساليب القانونية المثمرة واختيار التوقيت المناسب لطرح آرائها هو ما عهدناه عن المرجعية الدينية.

المحرر: هل بإمكانكم بعد تفحصكم الدقيق لما ينشر على شبكات الأنترنيت أن تعطوننا نظرتكم لما يجري في الموقع بخصوص الخطبة وتجيير البعض لها وتأويلها بما يناسب مصالحهم وتوجهاتهم الخاصة، وهل يمكن أن نقول أن هنالك تأثيرات خارجية على مثل هذه التوجهات؟

الأستاذ محمد البغدادي : من الملاحظ  من خلال ما وصل إلى موقعنا من مقالات وما قرأناه في عموم المواقع أن هنالك وعيا لا بأس به بالمطالب التي تضمنها بيان المرجعية وهذا أمر يبشر بخير ، ولكن في المقابل أيضا يلاحظ المراقب بعض المواقف البائسة والردود الهزيلة التي تداعى لها أصحابها بسبب إما بعض التوجهات السياسية أو التجنيد الإعلامي المبرمج ومدفوع الثمن لبعض الكيانات والشخصيات السياسية أو ما بسبب ما يعانيه أصحاب تلك المواقف من ضيق الأفق وقصر النظر وعدم الوعي التام لمجريات الأحداث وإنما التركيز على مرحلة ضيقة جدا من الأحداث.

وأخيرا فان الفئات التي لم يأتي البيان في صالحها أو أضر بمصالحها وخططها لا شك أنها ستبادر بشكل صريح أو من خلال التلميح وبشكل مباشر أو من خلال أدواتها الإعلامية إلى خلق حالة من الجدل تجاه ما جاء في البيان للتشويش عليه وأضعاف تأثيره.

أما تأثير القوى الخارجية فهذا شيء طبيعي ويحصل في كل زمان ومكان ما دامت الدولة لا تتمتع بالسيادة التي تليق بها والاستقلالية التي تستحقها ويجب العمل عليها، فان القوى المتنفذة أيا كان توجهها وطبيعتها في العالم لا تدع أي فرصة سانحة لبسط نفوذها على كل ما تناله يدها، وتجند من يعمل لصالحها داخل البلد، فهذا شيء معلوم للجميع وواضح ولا يمثل سرا مكتوما نعلن عنه.

وبالتالي فمن الطبيعي أيضا أن يكون هنالك تأثيرات خارجية على الأحداث التي تجري داخل البلد، وفي الشؤون المختلفة منها الاقتصادي والاعلامي وعلى رأسها الشأن السياسي.

ولكن متى ما نمى الوعي الوطني والحرص على المصالح الخاصة بهذا البلد عند افراد الشعب العراقي جميعا مع حسن التعامل مع الاخرين وعدم معادتهم ماداموا يحفظون لهذا البلد مكانته وقيمته واستقلاليته ولا يتدخلون في شؤونه الخاصة فإن تلك التأثيرات سوف تقل بشكل كبير ويكون لأهل هذا البلد وحدهم حق تقرير مصيرهم وساسيتهم والعمل على حفظ مصالحهم العامة والخاصة، ولكن نمو هذه الثقافة يحتاج الى جهود مضنية وتجارب نيرة ووعي يتناسب معها.

المحرر: نجد ان هنالك ليس فقطا عزوفا من بعض الناس عن المشاركة في الانتخابات، بل عزوفا من قبل النزيهين عن ترشيح انفسهم الى البرلمان لأسباب عديدة، منها أنه قد يضطر الى ترشيخ نفسه في نفس قوائم تلك الكيانات والكتل المعروفة، فكيف برأيكم يمكن معالجة ذلك الأمر، وما هي الطرق التي تشجع النزيهين على ترشيخ انفسهم في الدورات القادمة؟

الأستاذ محمد البغدادي : لا احد يدعي أن عملية التغيير وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح سهلة ويمكن القيام بها بيسر، فإن توقعات جملة من المراقبين الناظرين إلى المصالح العامة للبلد أن هذا التغيير وإيصال عدد لا باس به ممن يتحلى بالنزاهة والكفاءة إلى مجلس البرلمان ليقوم بعمله الصحيح والمتقن لحفظ مصالح الشعب العراقي هذا كله يحتاج إلى تظافر الجهود الكثيرة والمخلصة والعمل الدؤوب والمثمر، ومع ضخامة هذه المهمة وصعوبتها إلا أنها ليست بالمستحيلة أو المستعصية.

وهي تبدأ فعلا عندما يقرر الشعب العراقي بشكل عام رغبته في اصلاح الاوضاع والتخلص من اعتبارات الولاءات الحزبية والعشائرية والمناطقية الضيقة، كما أن من المهم جدا بقاء جذوة البحث عن التغيير وصلاح الامور داخل نفوس الناس والاصرار على إحداث التغيير الإيجابي والنجاح في هذه المهمة، وهذا يحتاج إلى بقاء الأمل والتفاؤل الذي يدفع الأنسان إلى تكرار المحاولة وعدم اليأس وترك الأمور إلى الانحدار والى هاوية عودة الأنظمة الاستبدادية والمظلمة.

وهذا ما لمسناه من اشارة المرجعية الدينية في خطابها الى بقاء الامل قائما في تصحيح الامور وعلاجها بالشكل المناسب.
وأما من الجهة العملية فإن الحل يكمن في أن يكون هنالك عدد مناسب من أهل النزاهة والكفاءة يقدمون على ترشيح انفسهم لفسح المجال لعامة الناس الى ايجاد من يختارونه وينتخبونه.

ومن الواضح ان هذا لا يمكن القيام به الان بعد ان الشروع في التصويت الفعلي لهذه الدورة الانتخابية، ولا يمكننا ان نقول انه ممكن الحصول في الدورة الانتخابية القادمة لان لكل حادث حديث، ولكن ما يمكن ويتاح الان هو تخلي الناس عن الفاسدين وعدم منحهم الأصوات التي تجعلهم يعودون مرة أخرى إلى ممارسة فسادهم وتكرار فشلهم.

فان إضعاف الفاسدين يضعف من سطوتهم وبالتالي يتيح للنزيهين في الدورة القادمة ان يتشجعوا ويقدموا على ترشيخ انفسهم، والعكس بالعكس فان بقاء الفاسدين والفاشلين وتمكينهم من السلطة سيقف حاجزا وعائقا امام النزيهين من الاقدام على ترشيح انفسهم في الدورات القادمة.

المحرر: برأيكم أستاذنا الفاضل كيف يمكن للمواطن العراقي أن يستجيب لدعوة الإصلاح وهو ويغط بمحيط سلبي سالب للإرادة يتوزع بين الإعلام المُضاد وغسيل الدماغ وصعوبة الحياة اليومية والحالة النفسية التي تتجه نحو اللامبالاة؟

هنالك دائما طريقان للوصول إلى حالة الاستقرار السياسي في البلدان المختلفة، الأول قائم على حصول حالة من الوعي بما تتطلبه المرحلة التي تمر بها المجتمعات وكيفية الوصول إلى حالة الاستقرار والرخاء، ومن خلال هذا الوعي يكون هنالك سعي من عامة المجتمع إلى هذا الهدف وبالتالي فان من المؤكد أن هذا الجهد الدؤوب سيثمر تلك الثمار الطيبة.

ولكن عادة لا يمتاز جميع أبناء المجتمع بالوعي المطلوب لأسباب كثيرة ذكرت أنت بعضها في سؤالك، وهنا لابد من تصدي الطبقة الواعية من المجتمع لهذه المهمة وحمل هذه المسؤولية على عاتقها باتجاهين، الأول هو العمل على تحقيق تلك المطالب وفق آلياتها المتاحة والمثمرة، والثاني العمل على توعية المجتمع بكل الوسائل الممكنة ليتيقظ إلى مصالحة وما يحيط به من مخاطر.

هذا هو الطريق الأول وهو الأسرع والأقرب إنجازا ونجاحا.

وأما الطريق الثاني فهو أن يمر المجتمع بطريق وعر مليء بالتجارب الفاشلة والمعاناة الطويلة التي تجعله يتعلم من تلك التجارب والمعاناة المريرة، وان يتجنب الأخطاء التي وقع فيها والمسائل التي سببت له الأذى والشقاء.

ولكن المشكلة هنا أن ذلك يتوقف على أن تختزن الأجيال المتعاقبة تلك التجارب وتلك المعاناة حتى يستثمرها أحد الأجيال القادمة للخلاص من تلك الأوضاع المزرية التي عاشها أسلافه، ونجد للأسف أن هذا لا يحصل بسهولة وقد تضيع هذه التجارب عبر الأجيال المتعاقبة بسبب أو آخر.

والا لو كان المجتمع العراقي قد اختزن كل ما مر به من ظروف قاهرة وأحداث مؤلمة لما صار يثق الآن بالكثير ممن سببوا له تلك المعاناة وأحدثوا له تلك المأساة، وهذا ينبهنا إلى ضرورة أن نعمل جميعا على حفظ تاريخنا ولا اقل المعاصر منه واطلاع أبنائنا على ما مر علينا وعلى إبائنا وأجدادنا من حوادث ومواقف حتى ننقل لهم تلك التجارب ونحذرهم من الوقوع فيما وقعنا نحن فيه ومن سبقنا من أسلافنا.

ويبقى خيار الوعي والمبادرة إلى إيجاد الحلول هو الأسهل وهو الأقرب إلى تحقيق ما يضمن لنا حياة كريمة وطيبة.

المحرر: المرجعية ذكرت مخصصات ورواتب الرئاسات الثلاث ولَم نرى كتلة أو قائمة ذكرتها، هل هذا دليل على أن الجميع فاسد باعتبارهم يدعون انهم يلتزمون باتباع المرجعية ولا يتبعونها إلا بانتقائية؟

الأستاذ البغدادي: يبدو أن من يفكر بمثل هذه الأمور إنما يريد أن يطبق كلام المرجعية وما يقتضيه العقل أيضا من عدم انتخاب الفاسدين والفاشلين، فقد يسعى بعض المواطنين إلى استذكار ما صدر من بعض السياسيين من أفعال وأقوال تشهد بفسادهم وفشلهم كي يسقطه من اعتباراته في اختيار المرشح المطلوب.

وهذه الآلية في تمحيص المرشحين والحكم عليهم بالفساد والفشل قد تكون ناجعة وناجحة ولكن لا يجد المنصف مشقة في معرفة الفاسدين وكشف الفاشلين ، فان الأحداث كثيرة والوقائع اكثر، وهنالك العشرات بل المئات من الشواهد على تحقق فساد من فسد وفشل من فشل، واذا كان الفساد الباطن يستدعي معرفة خاصة ومعلومات قد لا تتاح لكل احد فان الفساد العام وسرقة المال العام من خلال المشاريع الوهمية أو التي يخصص لها اكثر بكثير مما تطلبه من مبالغ ليتم الاستيلاء على الزائد منها ، أو ما يحيط به المسؤول نفسه من حياة رغيدة مرفهة مبالغ فيها ، أو تخصيص قطع الأراضي الثمينة جدا لنفسه وأفراد أسرته ومن يدين له بالولاء والطاعة وكذلك المخصصات العالية والرواتب الكبيرة وغير ذلك مما يتداوله الناس يوميا في احاديثهم وحواراتهم  تكشف عن أن هذه الأمور معروفة ومعلومة لدى ابسط الناس وعامتهم .

هذا من جهة الفساد وأما من جهة الفشل فان الأمر أوضح وأكثر ظهورا، فان اغلب المجتمع العراقي يشكو من سنوات طويلة من سوء الخدمات وضياع المصالح وهدر المال العام والبطيء في الاستجابة لمطالب الناس وما حدث من خروقات امنيه كبيرة ذهبت بنفوس الألاف من أبنائهم وتسلط الفاسدين من أقرباء الطبقة الحاكمة على مقدرات البلد والمشاريع الكبيرة والصغيرة فيه وغير ذلك الكثير الكثير.

فبعد ذلك لا نحتاج إلى الاقتصار على موضوع رواتب الرئاسات الثلاث أو ما شابه ذلك في الحكم على من سبق، فقد يكون هذا الموضوع هو أهون ما وقع فيه بعض المسؤولين من فساد وفشل، فأننا نسمع عن سرقة مليارات الدولارات ومن خلال الحيل الكثيرة والطرق العديدة لسرقة مثل تلك الأموال الضخمة التي أثرت على حياة المواطن ومعاشه وسلامته وامنه.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/11



كتابة تعليق لموضوع : خطبة المسؤولية ... حوار مع مدير تحرير موقع كتابات في الميزان ( 2 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net