هل رأيت أنساناً تقدم إليه ماء ثم يشرب، ولا يقول لك شيئاً، كيف تمتعض؟ انه ليس بإنسان كامل، وإلا لشكرك وأقلاّ، باللفظ فقط؟. ثم ائت الى الازيد فالازيد، حتى تصل الى من انعم عليك بكل شيء وكل شيء، الا يحق إن تشكره ليل نهار، وسراً وجهاراً وان لم تشكر، فأنت جاحد، لهذه النعمة ولهذا المنعم.
فمن هنا دعت الشريعة السمحاء الى التخلق بالشكر والتحلي به، قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، وقال: ﴿وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾، وقال عزوجل: ﴿كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ...﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
الشكر هو عرفان النعمة من المنعم، وحمده عليها، واستعمالها في مرضاته. وهو من خلال الكمال، وسمات الطِّيبَة والنبل، وموجبات ازدياد النِّعم واستدامتها.
والشكر واجب مقدس للمنعم المخلوق، فكيف بالمنعم الخالق، الذي لا تحصى نَعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه.
والشكر لا يجدي المولى عزوجل، لاستغنائه المطلق عن الخلق، وإنما يعود عليهم بالنفع، لأعرابه عن تقديرهم للنعم الإلهية، واستعمالها في طاعته ورضاه، وفي ذلك سعادتهم وازدهار حياتهم.
اما الشكر المطلق هو أن يكون الإنسان على ذكر دائم لله بلا أدنى نسيان، سائراً في طريقه تعالى بدون أيّة معصية، طائعاً لأوامره بلا أدنى لفّ أو دوران، ومسلّم بأنّ هذه الأوصاف لا تجتمع إلاّ في القلّة النادرة، ولا يصغى إلى قول من يقول: إنّه أمر بما لا يطاق، فإنّه ناشئ من قلّة التدبّر في هذه الحقائق والبعد من ساحة العبودية. المصدر تفسير الأمثل.
ينقسم الشكر الى ثلاثة أقسام: شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح. ذلك أنه متى امتلأت نفس الإنسان وعياً وإدراكاً بعِظَمِ نِعم اللّه تعالى، وجزيل آلائه عليه، فاضت على اللسان بالحمد والشكر للمنعم الوهاب.
ومتى تجاوبت النفس واللسان في مشاعر الغبطة والشكر، سرى إيحاؤها الى الجوارح، فغدت تُعرب عن شكرها للمولى عز وجل بانقيادها واستجابتها لطاعته. من أجل ذلك اختلفت صور الشكر، وتنوعت أساليبه:
أ- فشكر القلب: تصورّ النعمة، وأنها من اللّه تعالى.
ب- وشكر اللسان: حمد المنعم والثناء عليه.
ج- وشكر الجوارح: إعمالها في طاعة اللّه، والتحرج بها عن معاصيه: كاستعمال العين في مجالات التبصر والاعتبار، وغضّها عن المحارم، واستعمال اللسان في حسن المقال، وتعففه عن الفحش، والبذاء، واستعمال اليد في المآرب المباحة، وكفّها عن الأذى والشرور. المصدر: أخلاق أهل البيت، ص162.
كما حثت الروايات على الشكر بصورة مكثفة فعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (عليه السلام): هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكراً؟ قال: نعم، قلت: ما هو؟ قال: يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه.
وعن أبو عبدالله الصادق (عليه السلام) أيضاً قال: فيما أوحى الله عزّوجلّ إلى موسى (عليه السلام): ياموسى أشكرني حقّ شكري، فقال: ياربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ؟ قال: ياموسى الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي.
اذ ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: الشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلوى. كما ورد عنه(عليه السلام) قوله: الشكر أعظم قدراً من المعروف، لأن الشكر يبقى والمعروف يفنى.
إليك بعض النصائح لاكتساب فضيلة الشكر والتحلي به ومنها:
أولاً: التفكر فيما أغدقه اللّه على عباده من صنوف النعم، وألوان الرعاية واللطف.
ثانياً: ترك التطلع الى المترفين والمُنعّمين في وسائل العيش، وزخارف الحياة، والنظر الى البؤساء والمعوزين، ومن هو دون الناظر في مستوى الحياة والمعاش، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: وأكثر أن تنظر الى من فُضّلت عليه في الرزق، فإنّ ذلك من أبواب الشكر.
ثالثاً: تذكر الإنسان الأمراض، والشدائد التي أنجاه اللّه منها بلطفه، فأبدله بالسقم صحة، وبالشدة رخاءاً وأمناً.
رابعاً: التأمل في محاسن الشكر، وجميل آثاره في استجلاب ودّ المنعم، وازدياد نعمه، وآلائه، وفي مساوئ كفران النعم واقتضائه مقت المنعِم وزوال نعمه. نفس المصدر السابق، ص166.
والشكر فضيلة جميلة، يوجب كمال الإنسانية الإنسان، وإلا فالخالي عن الفضيلة، ليس بإنسان إطلاقاً، وان كان ماشياً على رجلين.
وقد ورد عن رسول الله(ص) قوله: ان للنعم أوابد كأوابد الوحش، فقيدوها بالشكر. وقال (ص): ينادي مناد يوم القيامة: ليقوم الحمادون! فيقوم زمرة. فينصب لهم لواء فيدخلون الجنة. فقيل: من الحمادون؟ فقال: الذين يشكرون الله على كل حال.
وهل من الصحيح أن نشكره على بلائه والبؤس كما نشكره على فضلة؟ نعم، فان الله تعالى لا يفعل بعبده إلا خيراً سواء كان نعمة أو نقمة، قل كل من عند الله، والنقمة في المؤمن أما تأديب أو تخفيف ذنب أو رفع درجة؟ وأي الثلاثة لا يستحق شكراً؟.
شكراً، وأنى لي بلوغ ما وجب .. من شكره والشكر للشكر سبب
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat