الشعوب التي تقرأ لا تموت...
عبدالاله الشبيبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبدالاله الشبيبي

اليوم وكما هو معلوم يوم الكتاب العالمي هو احتفال يقام كل عام في 23 نيسان، بعد أن قررت اليونسكو منذ عام 1995م الاحتفال بالكتاب، اذ قيل القراءة هي ارتقاء بالفكر وبالروح وغذاء العقل، كما ان الجسد يحتاج الى الطعام، كذلك العقل يحتاج الى التزود بالفكر… فالكتب تفتح نوافذ واسعة من المعرفة والعلم والثقافة وتمهد الطريق لمستقبل مزدهر من التميز والنجاح.
ولهذا يجب ان تحتل القراءة والمطلعة والجلوس مع الكتاب اهمية كبيرة في حياتنا اليومية، كي تكون سداً قوياً ضد الافكار والتيارات الجارفة، فالمتسلح والمتحصن ليس من السهل انجرافة.
اذ تُعتبر مطالعة الكتب من أهم الأنشطة التي يمارسها الإنسان، وخاصةً في العصر الحديث، فقد أثبتت الدراسات العلمية بأن القراءة تحمي الدماغ من خطر الزهايمر، وتخفض مستويات التوتر عند الفرد، وتحفز العقل الباطن على التفكير الإيجابي، وتعتبر السلاح الذي يقاوم به الخصوم، فالمطلع والقارئ للكتاب، كان قد اكتسب معرفة وثقافة وازداد من رصيد الفكري.
فعندما تتجول بين أروقة معارض الكتب التي تقام هنا وهناك، تجد نفسك بين الآلاف من العناوين المختلفة وفي مجالات شتى، وتطلع على شخصيات كبيرة قريبة وبعيدة، وتحور العقول وتأخذ منها الثقافة والمعرفة. إذ قيل القراءة عملية معرفية تقوم على تفكيك رموز تسمى حروفاً لتكوين معنى والوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك. وهي جزء من اللغة، واللغة هي وسيلة للتواصل أو الفهم. وتتكون اللغة من حروف وأرقام ورموز معروفة ومتداولة للتواصل بين الناس.
وقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: قيدوا العلم بالكتابة، واحتفظوا بكتبكم. وقال البرت مانويل: إما ما يكتب فيبقى وإما ما يقال فتذروه الرياح. وقال بيتشر الأديب: الكتب نوافذ تشرف منها النفس على عالم الخيال فبيت بلا كتب كمخدع لا نوافذ فيه. قيل لفولتير من يقود واقع البشر مستقبلاً فقال الذين يعرفون كيف يقرؤون.
واني اخبر عن حالي فاني لن امل من مطالعة الكتب واذا رأيت كتاباً لم أطالعه من قبل فأنني وقعت على كنز عظيم. كما ويقول توما الكمبيسي: بحثت عن السعادة في كل مكان ولم أجدها إلا في زاوية ومعي كتاب.
وقد قال احد الأصدقاء: الكتب عقول متنقلة ومصفوفة متكاملة من المعرفة، كلام لا يموت، أكسير معلوماتي متشبع بالخلود، الشعوب التي تقرأ لاتموت، كلما قرأنا أكثر ازددنا تعلقاً بالحب والتعايش، الكتاب دليل التائهين في صحاري الجهل وأنفاق الظلام، الأوطان تبنى بالحروف كما الأشكال الهندسية الجميلة لقطع المكعبات المغرية، إقرأ باسم الحياة الضاحكة المستبشرة لتكون أكثر إنصاتاً لموسيقى الكون الجميلة، مرحباً بضيوف القلم والورقة، مرحباً بمن قرأ فكتب فأنجبَ عقلاً خالداً ينتظرُ قارئاً مولعاً بالحرف والكلمة.
ما شاهدته في معرض بغداد الدولي للكتاب، وفي معرض كربلاء عبارة عن واحة ثقافية، بذرتها الكتاب، ومائها القراءة، وثمرتها المعرفة، فلا ينبت البذر الا بوجود الماء … كذلك الكتاب لا تصبح له قيمة مكانية ولا اهيمة علمية الا بالإنسان، وكلما قراء الانسان ازداد ثقافة ومعرفة وتواصل مع العقول وحاورها.
وقد قال احدهم: في معرض الكتاب لهذا العام كتب كثيرة تحدثت عن الحقيقة ودافعت عن افكارها في عالم الأفكار والجمال والفن والإبداع والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا.
صمويل بتلر كتب مرة أن الحقيقة مثل الدين: ليس لها من الأعداء إلا إثنان: الكثير والقليل جداً. وكتب فولتير في كتاب الحماقات: إن الشعب يتلقى الدين والقوانين مثل النقود: يتلقاها دون فحصها. فكن كالصيرفي الذي يميز النقود المزيفة من الحقيقة وكن من القليل جداً.
وفي دراسة ميدانية طريفة ومثيرة، أنجزتها جامعة روما الإيطالية ونشرتها مؤخراً جريدة البايّيس الاسبانية تطرح التساؤل التالي: هل الذين يقرأون هم أكثر غبطة وسعادة وانشراحاً من الذين لا يقرأون؟.
وهل هؤلاء الذين يقرأون هم أقلّ عنفاً وأكثر تفاؤلاً من أولئك الذين لا يقرأون؟.
تؤكّد الكاتبة الاسبانية إمّا رودريغيس، على أنه حسب تحليل معمّق أجرته مجموعة من الخبراء، بإيعاز من جامعة روما بواسطة إجراء استجوابات لألف ومئة شخص لقياس درجات السعادة ومعدّلات الانشراح في حياة هؤلاء الذين يتعاطون القراءة، وأولئك الذين لا يقرأون.
فقد توصّل هؤلاء الباحثون إلى نتائج مذهلة في هذا القبيل، إذ تؤكّد هذه النتائج بما لا يترك مجالاً للريبة والشكّ أن القراءة تجعل المقبلين عليها والشّغوفين بها بالفعل أكثرَ سعادة من غيرهم، كما أنّها تساعدهم على مواجهة وجودهم بطريقة أكثر فعالية وجرأة ونجاعة.
وقد كان وصف الجاحظ للكتاب بالقول التالي: الكتاب نِعْم الذخر والعدة، ونِعْم الجليس والقعدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير والنزيل، الكتاب وعاءٌ مُلئ علماً، وظرف حُشي ظرفاً، إن شئت كان أعيا من بأقل، وإن شئت كان أبلغ من سحبان وائل، وإن شئت ضحكت من نوادره، وإن شئت بكيت من مواعظه.
وأضاف الجاحظ: الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يَمَلَّك، والمستميح الذي لا يؤذيك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق.
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوَّد بيانك، وفخَّم ألفاظك، وعمَّر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك، يطيعك فـي الليل طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته فـي الحضر، وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يحقرك، وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتك، وإن هبَّت عليك ريحُ أعدائك لم ينقلب عليك، ومتى كنت متعلقاً به، ومتصلاً منه بأدنى حبل لم يضرك منه وحشة الوحدة إلى جليس السوء، وإن أمثل ما يقطع به الفراغ نهارهم وأصحاب الكفاية ساعة ليلهم نظرة فـي كتاب لا يزال لهم فيه ازدياد أبداً فـي تجربة وعقل ومروءة وصون عرض وإصلاح دين ومال ورب صنيعة وابتداء إنعام.
اذ تُشكِّل المطالعة شغفاً عند الكثير من العقول التي تهتمّ دائماً بالحصول على المزيد من العلم والثقافة، ومعرفة كلّ ما هو جديد في هذا العالم، فلا اعتبار للأبنية العالية ولا التطور التكنولوجي المدهش إن لم يكن الإنسان ذا عقلٍ فطِن ونيِّرٍ وناضجٍ وسليم، بعيدٍ عن كلِّ تداعيات الجهلِ الذي يعاني منها الكثير، وهذا ما لا يمكن أن يكون إلا نتيجة القراءة والمُطالعة لأنّها الطريقة الأنسب لبناء العقول وإنمائها.
من الجدير بالذّكر أنّه عند العُقلاء، تُعتبر المطالعة من أكثر الأهميّات والضّرورات سموّاً وأكبرَ قدراً، وأنّها تقتربُ أنْ توازي أهميّة الأكل والشُّرب عند الشغوفين المُحبّين لها ممّن عرفها حقّ معرفة وعرف منزلتها وشرفها. وهي في حياة عُلماء الدين والدُّنيا، كمنزلة الحياة بحدّ ذاتها، فإنّهم بها يحيون، كمثل الماء الذي يُشكّل حياة الأرض، ومثلُ المُطالعة عندهم كمثل الشّجرة الخضراء اليانعة التي تنوّعت أصنافها.
كما وان القراءة تساعد على اكتساب الخبرة اللازمة لمواجهة العقبات، والتحديات التي قد تعترض الإنسان أثناء محاولته تحقيق أهدافه، حيث وجدت العديد من الدراسات أنّ قراءة الأحداث التي تدور في الكتاب، والتعرف على شخصيات جديدة من خلال الكتب، ومشكلاتهم وتحليل مراحل الحلول الموجودة في الكتاب، كلما تمكن القارئ من تطبيق ذلك على نفسه، وعلى المشكلات التي قد تواجهه في الحياة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat