صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

أْكُلَ لَحْمَ أَلاخِ...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
هذه الآية شُبِّهت الغيبة، التي هي من الذنوب الكبيرة والخطرة وبلاءً عاماً، بأكل لحم الأخ الميت، وتريد القول من خلال ذلك: كما أنَّه لا أحد يأكل لحم أخيه كذلك الحال المفروض في الغيبة، فلا ينبغي أن ترتكب أبداً.
اذ قالوا ان اول الذنوب التي ثبت انها من الكبائر بدليل الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد والروايات الكثيرة هو الغيبة، كما يقول تعالى: ﴿إنَّ الَذينَ يُحِبُونَ أن تَشيعَ الفاحِشَةُ في الذينَ آمَنوا لَهُم عَذابٌ أليم﴾، وفي رواية ابن ابي عمير عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: من قال في مؤمن مارأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزوجل: ﴿إن الذينَ يُحِبُونَ أن تَشيعَ الفاحِشَةُ﴾، وبمقتضى هذه الرواية الصحيحة تكون الغيبة داخلة في هذه الآية الشريفة التي أوعدت بالعذاب. المصدر: الذنوب الكبيرة، ج2، ص275.
وعرفوا الغيبة هي: ذكر المؤمن المعين بما يكره، سواءً أكان ذلك في خَلقِه، أو خُلُقه، أو مختصاته. وليست الغيبة محصورة باللسان، بل تشمل كل ما يشعر باستنقاص الغير، قولاً أو عملاً، كناية أو تصريحاً. المصدر: اخلاق اهل البيت، ص222.
فالإستهزاء وسوء الظنّ والغيبة والتجسّس والألقاب السيئة حرام! حيث أنّ القرآن المجيد اهتمّ ببناء المجتمع الإسلامي على أساس المعايير لأخلاقية فإنّه بعد البحث عن وظائف المسلمين في مورد النزاع والمخاصمة بين طوائف المسلمين المختلفة بيَّن في الآية محل البحث قسماً من جذور هذه الإختلافات ليزول الإختلاف بقطعها ويُحسم النزاع!
والخطاب موجّه هنا إلى المؤمنين كافة فهو يَعمُّ الرجال والنساء وينذر الجميع أن يجتنبوا هذا الأمر القبيح، لأنّ أساس السخرية والإستهزاء هو الإحساس بالإستعلاء والغرور والكبر وأمثال ذلك إذ كانت تبعث على كثير من الحروب الدامية على امتداد التاريخ!. 
وقد قال الشيخ الطوسي عن قوله تعالى: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾، معناه ان من دعي إلى اكل لحم أخيه فعافته نفسه، فكرهته من جهة طبعه، فانه ينبغي إذا دعي إلى عيب أخيه فعافته نفسه من جهة عقله، فينبغي أن يكرهه، لان داعي العقل أحق بأن يتبع من داعي الطبع لان داعي الطبع أعمى وداعي العقل بصير، وكلاهما في صفة الناصح، وهذا من أحسن ما يدل على ما ينبغي ان يجتنب من الكلام. وفي الكلام حذف، وتقديره ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ فيقولون: لا، بل عافته نفوسنا، فقيل لكم فكرهتموه، فحذف لدلالة الكلام عليه. المصدر: تفسير التبيان، ج9، ص339.
والغيبة على ما في مجمع البيان ذكر العيب بظهر الغيب على وجه يمنع الحكمة منه، وقد فسرت بتفاسير مختلفة حسب الاختلاف في مصاديقها سعة وضيقا في الفقه، ويؤول إلى أن يذكر من الإنسان في ظهر الغيب ما يسوءه لو ذكر به ولذا لم يعدوا من الغيبة ذكر المتجاهر بالفسق بما تجاهر به.
والغيبة تفسد أجزاء المجتمع واحداً بعد واحد فتسقطها عن صلاحية التأثير الصالح المرجو من الاجتماع وهو أن يخالط كل صاحبه ويمازجه في أمن وسلامة بأن يعرفه إنساناً عدلاً سوياً يأنس به ولا يكرهه ولا يستقذره، وأما إذا عرفه بما يكرهه ويعيبه به انقطع عنه بمقدار ذلك وضعفت رابطة الاجتماع فهي كالأكلة التي تأكل جثمان من ابتلي بها عضوا بعد عضو حتى تنتهي إلى بطلان الحياة.
والإنسان إنما يعقد المجتمع ليعيش فيه بهوية اجتماعية أعني بمنزلة اجتماعية صالحة لأن يخالطه ويمازج فيفيد ويستفاد منه، وغيبته بذكر عيبه لغيره تسقطه عن هذه المنزلة وتبطل منه هذه الهوية، وفيه تنقيص واحد من عدد المجتمع الصالح ولا يزال ينتقص بشيوع الغيبة حتى يأتي على آخره فيتبدل الصلاح فساداً ويذهب الأنس والأمن والاعتماد وينقلب الدواء داء.
فهي في الحقيقة إبطال هوية اجتماعية على حين غفلة من صاحبها ومن حيث لا يشعر به، ولو علم بذلك على ما فيه من المخاطرة لتحرز منه وتوقى انهتاك ستره وهو الستر ألقاه الله سبحانه على عيوب الإنسان ونواقصه ليتم به ما أراده من طريق الفطرة من تألف أفراد الإنسان وتجمعهم وتعاونهم وتعاضدهم، وأين الإنسان والنزاهة من كل عيب. المصدر: تفسير الميزان. 
وإلى هذه الحقيقة أشار تعالى فيما ذكره من التمثيل بقوله: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ وقد أتي بالاستفهام الإنكاري ونسب الحب المنفي إلى أحدهم ولم يقل: بعضكم ونحو ذلك ليكون النفي أوضح استيعابا وشمولاً ولذا أكده بقوله بعد: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ فنسب الكراهة إلى الجميع ولم يقل: فكرهه.
وبالجملة محصله كما يقول العلامة الطباطبائي أن اغتياب المؤمن بمنزلة أن يأكل الإنسان لحم أخيه حال كونه ميتاً، وإنما كان لحم أخيه لأنه من أفراد المجتمع الإسلامي المؤلف من المؤمنين وإنما المؤمنون إخوة، وإنما كان ميتا لأنه لغيبته غافل لا يشعر بما يقال فيه.
وفي قوله: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ ولم يقل: فتكرهونه إشعار بأن الكراهة أمر ثابت محقق منكم في أن تأكلوا إنسانا هو أخوكم وهو ميت فكما أن هذا مكروه لكم فليكن مكروها لكم اغتياب أخيكم المؤمن بظهر الغيب فإنه في معنى أكل أحدكم أخاه ميتا.
واعلم أن ما في قوله: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ﴾، من التعليل جار في التجسس أيضاً كالغيبة، وإنما الفرق أن الغيبة هو إظهار عيب الغير للغير أو التوصل إلى الظهور عليه من طريق نقل الغير، والتجسس هو التوصل إلى العلم بعيب الغير من طريق تتبع آثاره ولذلك لم يبعد أن يكون الجملة أعني قوله: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ تعليلاً لكل من الجملتين أعني ﴿وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾.
واعلم أن في الكلام إشعاراً أو دلالة على اقتصار الحرمة في غيبة المسلمين، ومن القرينة عليه قوله في التعليل: ﴿لَحْمَ أَخِيهِ﴾ فالأخوة إنما هي بين المؤمنين. المصدر: تفسير الميزان، ج17، ص171.
يذكر ان الشيخ الانصاري "رحمه الله" بعد ان نقل كلمات اهل اللغة والروايات في معنى الغيبة، والتحقيق في اطراف ذلك ذكر كلاماً خلاصته ان مصاديق الغيبة ثلاثة:
الاول: ما كان غيبة قطعاً وبنحو متفق عليه.
الثاني: ما كان الظاهر انه غيبة.
الثالث: ما كان الظاهر انه ليس من الغيبة.
القسم الاول: فهو اظهار العيب الشرعي او العرفي المستور عن السامع والذي لا يرضى صاحبه بكشفه، وكان قصد المغتاب الانتقاص من صاحب العيب.
وخلاصة القول ان انتقاص المؤمن بكشف عيب خفي فيه غيبة قطعاً ومن الذنوب الكبيرة.
اما القسم الثاني: فهو نقل العيب الخفي عند شخص لا بقصد الذم والانتقاص بل لغرض آخر كالتفكه او الإستشهاد به او من باب الشفقة على صاحبه. ولا شك في ان ذلك حرام، والذي يظهر من الروايات انه من موارد الغيبة ومصاديقها.
واما القسم الثالث: فهو نقل عيب شخص لآخر يعلم بوجود ذلك العيب، وظاهر بعض الروايات ان ذلك خارج من عنوان الغيبة وان كان يستفاد من روايات اخرى ان ذلك غيبة ايضاً.
وهنا اذا كان المغتاب يقصد الإنتقاص والمذمة فلاشك في حرمة ذلك وان كان اعتباره غيبة محل شك، وذلك لان نفس هذا النقل يوجب الإيذاء والتوهين للمؤمن ولاشك في حرمته وان لم يكن قصد المغتاب الانتقاص والمذمة لكن يتحقق ذلك قهرا كأن يصفه بألقاب وأوصاف ذميمة كما لو قال انه ابن يهودي، أو أمه فاحشة، فذلك حرام ايضاً. المصدر: الذنوب الكبيرة، ج2، ص275.
فإنّ الأوامر أو التعليمات الستة الواردة في الآية الأنفة الذكر "النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس والإغتياب" إذا نُفّذت في المجتمع فإنّ سمعة وكرامة الأفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات، فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين ـ على أنّه أفضل ـ ولا يمدّ لسانه باللمز، ولا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة ولا يحقّ له حتى أن يسيء الظن بهم، ولا يتجسس عن حياة الأفراد الخاصة ولا يكشف عيوبهم الخفية باغتيابهم. المصدر: تفسير الأمثل ج16، ص552.
وقد سئل السيد محمد الصدر عن تشبيه المستغيب بأكل لحم اخيه الميت، بالسؤال التالي: هل هناك سبب علمي او منطقي معلوم في تشبيه القرآن الكريم المستغيب بأكل لحم اخيه ميتا؟
اجاب السبب اخلاقي اولاً، وادبي ثانياً. لأن ذلك المذكور غائب فهو كالميت لا يعلم بحال من يتكلم عنه. المصدر: مسائل وردود 4، م149.
وقد قال المفسرون ان سبب هذا التشبيه هو أنَّ الغيبة تذهب بماء وجه المغتاب، وإذهاب ماء الوجه بمثابة قطع قطعة من بدنه، بل قد يكون أصعب من ذلك. وبما أن المسلمين إخوة فاغتياب أحدهم الآخر بمثابة أكل لحم الأخ. وتشبيه الأخ المغتاب بالميّت باعتبار وجه الشبه بين الغائب عن المجلس والميت، فان كلاهما عاجزان عن الدفاع عن انفسهما.
التمثيل عجيب جداً، وهل يمكن تصوّر ما هو أسوء من أكل لحم الأخ الميّت؟ وهل يستعد أحدنا عمل ذلك ولو كان مجنوناً؟
نعم، كلٌّ منا يكره عمل ذلك ويستاء منه. وعلى هذا، ينبغي بالانسان أن يتقي الله ويتجنَّب الغيبة، بل لا يفكّر بها، فالتفكير بها تفكير بأَكل لحم الميت. المصدر: امثال القران، ص446.
وهكذا فإنّ سوء الظن هو أساس التجسس، والتجسس يستوجب إفشاء العيوب والأسرار، والإطلاع عليها يستوجب الغيبة، والإسلام ينهى عن جميعها علةً ومعلولاً!
ولتقبيح هذا العمل يتناول القرآن مثلاً بليغاً يجسّد هذا الأمر فيقول: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾!. أجل، إنّ كرامة الأخ المسلم وسمعته كلحم جسده، وابتذال ماء وجهه بسبب اغتيابه وإفشاء أسراره الخفية كمثل أكل لحمه. المصدر: تفسير الامثل، ج16، ص544.
كما وان الإسلام أولى أهميةً بالغةً من أجل الوحدة والإنسجام والتضامن بين أفراد المجتمع، فكلّ أمر يقوي هذه الوحدة فهو محل قبول الإسلام وتقديره، وما يؤدّي إلى الإخلال بالأواصر الاجتماعية فهو مرفوض، والاغتياب هو أحد عوامل الوهن والتضعيف.
وقد ذكرت الروايات الغيبة والمستغاب ونعتتهم بأشد الاوصاف والنعوت ومنها وقال رسول الله (ص): إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا فإن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): الغيبة حرام على كل مسلم، وإنها لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. 
وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): من اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يُعِنهُ ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه إلا حقره الله في الدنيا والآخرة.
ثمّ بعد هذا كلّه فإنّ الإغتياب ينثر في القلوب بذور الحقد والعداوة وربّما أدّى أحياناً إلى الاقتتال وسفك الدماء في بعض الأحيان.
فكلمة ميتاً للتعبير عن أنّ الإغتياب إنّما يقع في غياب الأفراد، فمثلهم كمثل الموتى الذين لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم، وهذا الفعل أقبح ظلم يصدر عن الإنسان في حقِّ أخيه!. أجل، إنّ هذا التشبيه يبيّن قبح الإغتياب وإثمه العظيم.
وقال صاحب النكت والعيون عن معنى قوله تعالى: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أي كما يحرم أكل لحمه ميتاً يحرم غيبته حياً.
الثاني: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته حياً. واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية قال الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: فكرهتم أكل الميتة ، كذلك فاكرهوا الغيبة.
الثاني: فكرهتم أن يعلم بكم الناس فاكرهوا غيبة الناس. المصدر: النكت والعيون،ج4، ص154.
وتولي الروايات الإسلامية أهمية قصوى لمسألة الإغتياب، ونادراً ما نجد من الذنوب ما فيه من الإثم إلى هذه الدرجة. وحيث أنّه من الممكن أن يكون بعض الأفراد ملوّثين بهذه الذنوب الثلاثة ويدفعهم وجدانهم إلى التيقّظ والتنبّه فيلتفتون إلى خطئهم، فإنّ السبيل تفتحه الآية لهم إذ تُختتم بقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
اهداف واسباب الغيبة كثيرة نذكر أهمها وبشكل مختصر:
أولاً: الجهل والغفلة عن تحريمها ولو وضعاً لعدم معرفة الغيبة عن غيرها.
ثانياً: عدم المبالاة بأحكام الله تعالى.
ثالثاً: شفاء الغيظ من المغتاب بإبداء عيوب الشخص الذي بيني وبينه شحناء وعداوة ويستتبع ذلك الحسد والحقد وما شاكلهما.
رابعاً: موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام فإنهم إذا كانوا يتفكهون بذكر الأعراض فيرى أنه لو أنكر أو قطع المجلس عليهم استثقلوه ونفروا عنه فيساعدهم على معصيتهم. 
خامساً: يريد المغتاب أن يتبرأ من شيء فينسبه إلى الآخر.
سادساً: يريد المغتاب أن يرفع نفسه بالتنقيص من قدر الآخرين والوقيعة فيهم. 
سابعاً: اللعب والهزل وتضييع الوقت.
والحكمة في هذا التشبيه كما يقول الفخر الرّازي: أنّ عرض الانسان كدمه ولحمه وهذا من باب القياس الظّاهر، وذلك لأنّ عرض المرء أشرف من لحمه، فاذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم النّاس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك ألم. وقوله: ﴿لَحْمَ أَخِيهِ﴾ آكدا في المنع لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ فقال تعالى أصدق الأصدقاء من ولدته امّك فأكل لحمه أقبح ما يكون.
ولا شك أيضاً أن تناول الميتة لا يتسبب في سلامة البدن والروح، بل يفضي إلى الابتلاء بأنواع الأمراض، وعليه فإنّ المستغيب إذا ما استطاع اطفاء نار حسده وحقده بواسطة الغيبة وبصورة مؤقتة، فسوف لا يمضي وقت طويل حتى تورق بذور المفاسد الأخلاقية التي زرعها في قلبه وتعمل على زيادة قلقه وتوتره النفسي.
وكما أنّ الحيوان أو الإنسان الآكل للميتة يتسبب في انتشار الأمراض والميكروبات في الوسط الذي يعيش فيه، فكذلك الشخص المستغيب يعمل على إشاعة الفحشاء والمنكر بين المسلمين بذكره عيوب وذنوب الآخرين المستورة. المصدر: الأخلاق في القرآن، ص75.
وقال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الجملة: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ﴾ تمثيل وتصوير لما يناله المتغاب من عرض غيره على أفظع وجه وأفحشه.
وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذى معناه التقرير، ومنها: جعل ما هو الغاية فى الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها: إسناد الفعل إلى أحدكم، والإِشعار بأن أحدا من الأحديث لا يحب ذلك، ومنها: أنه سبحانه لم يقتصر على تمثل الاغتياب بأكل لحم الإِنسان، وإنما جعله أخا، ومنها: أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ وإنما جعله ميتاً.
وقوله تعالى: ﴿مَيْتًا﴾ إشارة إلى دفع وهم وهو أن يقال: القول في الوجه يولم فيحرم وأما الاغتياب فلا اطلاع عليه للمغتاب فلا يؤلم، فقال: أكل لحم الأخ وهو ميّت أيضا لا يؤلم، ومع هذا هو في غاية القبح لما أنّه لو اطلع عليه لتألّم كما أنّ الميّت لو أحسّ بأكل لحمه لآلمه ذلك هذا.
كما وإنّ الغيبة كسائر الصفات الذميمة تتحوّل تدريجاً إلى صورة مرض نفسي بحيث يلتذ المغتاب من فعله ويحس بالإغتباط والرضا عندما يريق ماء وجه فلان، وهذه مرتبة من مراتب المرض القلبي الخطير جداً.
ومن هنا فينبغي على المغتاب أن يسعى إلى علاج البواعث الداخلية للإغتياب التي تكمن في أعماق روحه وتحضّه على هذا الذنب، من قبيل البخل والحسد والحقد والعداوة والإستعلاء والأنانية!
هذا الإنسان هو الذي يخرب بيته بيده فيتسافل بعد أن خلقه اللَّه سبحانه وتعالى عظيم الشأن والمنزلة إلى مرتبة أدنى من مرتبة ومقام الحيوانات، لأن الحيوانات قد تأكل بعضها بعضاً بحثاً عن رزقها وطعامها الضروري والحياتي، إلا أنها لا تنهش كياناتها وتجمعاتها، غير أن هذا الإنسان يتسافل في حيوانيته لينهش لحم أخيه ويدمر وجوده وحضارته.
أمَّا مصيرُ المغتاب، فيكفيك للموعظة والاعتبار ما رُوي عن النبي(ص): يؤتى بأحدٍ يومَ القيامةِ، يوقفُ بين يدي الربِّ عزَّوجلّ، ويُدْفعُ إليه كتابُهُ، فلا يرى حسناتِهِ فيه، فيقولُ إلهي ليس هذا كتابي فإنِّي لا أرى فيه حسناتي، فيُقالُ له إنَّ ربَّكَ لا يضلُّ ولا ينسى، ذهب عملُك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخرَ ويُدفعُ إليه كتابُهُ فيرى فيه طاعاتٍ كثيرةً، فيقولُ إلهي ما هذا كتابي، فإنِّي ما عملتُ هذه الطاعات، فيُقالُ له: إنَّ فُلاناً اغتابَك، فدُفِعَتْ حسناتُهُ إليك.
وإن من أسخف أنواع الحرام الغيبة، عادة أن المحرمات فيها لذائذ، ولكن الغيبة ما اللذة فيها؟!.. لا لذة محسوسة، ولا مطعومة، ولا مشمومة.. ولهذا التشديد عليه شديد، وفي مضمون بعض الراويات أن الغيبة أشد من الزنا، ولكن مع الأسف أن بعض الناس يذهب إلى حتفه برجله، ويحضر المجالس الغافلة، التي ليس فقط لا فائدة يرجى منها، وأنها فضول كلام وفضول نظر، وإنما يرجع بتبعات الآخرين!.
فعليه أن يطهّر نفسه عن طريق بناء الشخصية والتفكير في العواقب السيئة لهذه الصفات الذميمة وما ينتج عنها من نتائج مشؤومة، ويغسل قلبه عن طريق الرياضة النفسية ليستطيع أن يحفظ لسانه من التلوّث بالغيبة.
فلابدّ أن تحيا روح التقوى والخوف من الله أوّلاً: وعلى أثر ذلك تكون التوبة والإنابة لتشملهم رحمة الله ولطفه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/23



كتابة تعليق لموضوع : أْكُلَ لَحْمَ أَلاخِ...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net