مسيرة الأرواح في عالم البرزخ ( الحلقة الأولى )
أصغر بهمني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أصغر بهمني

{ الاحتضار }
منذ أيام عمّ الألم جسدي وأخذ يؤذيني .... وبدأت علامات الموت تدنو مني وحلّت بي حالة الاحتضار .
أداروا برجليّ نحو القبلة ٬ وأحاط بي زوجتي وأبنائي وأقربائي وبعض أصدقائي ٬ ومنهم من ترقرقت دموع
عينيه ٬ أغمضتُ عينيّ بهدوء وغرقتُ في بحر أفكاري ٬ وأخذتُ أفكر مع نفسي ٬ بمَ قضيتُ عمري ٬ ومن
أين لملمت أموالي رغم قلتها ، وأين أنفقتها ؟
لقد كان التفكير بذلك يؤلمني كثيراً ٬ ومن شدة القلق فتحت عيوني .
((الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ))
في تلك الأثناء إنتبهت إلى وجود شبح طويل القامة يرتدي ثياباً بيضاء قد نشب يديه على أطراف أصابع قدميّ وأخذ يتجه نحو الأعلى من جسدي ٬ ولم أكن أشعر بالألم عندما كان عند قدميّ لكن الألم أخذ يزداد كلما إرتفع نحو الأعلى وكأن الألم بأجمعه أخذ يتحرك إلى الأعلى من جسدي ٬ حتى وصلت يده إلى حلقومي ٬
حينها أصبح جسدي بلا شعور ٬ بيد أن رأسي أصبح ثقيلاً بحيث كنت أشعر بأنه سينفجر من شدة الضغط ٬ أو أن عينيّ ستخرجان من حدقتيهما .
تقدم عمي الشيخ العجوز نحوي وقد امتلأت عيناه بالدموع وقال لي : ياولدي اقرأ الشهادتين ٬ أنا أقرأها ، وأنت رددها معي : أشهد أن لا إله إلا االله وأشهد أن محمداً رسول االله وأن علياً ولي االله ....
لقد كنت أراه وأسمع صوته ٬ فتحركت شفتاي ببطء ٬ وما أن أردت التلفظ بالشهادتين حتى أحاطت بي أشباح سوداء وألحّوا عليّ أن لا أنطق بالشهادتين . لقد كنت سمعت بأن الشياطين تحاول سلب إيمان المرء عند موته ٬ لكنني لم أكن أتصور أبداً إنهم يفلحون في صدي .
ومرة أخرى أدنى عمي وجهه مني وتلفظ بالشهادتين ٬ ولما أردت تحريك لساني تحرك الشياطين مرة أخرى؛ ولكن عن طريق التهديد في هذه المرة .
لقد كانت لحظات عجيبة ٬ فمن ناحية كان الذي يرتدي ثياباً بيضاء يمارس أعمالاً مدهشة . ومن جهة ثانية ٬
كنت أواجه إصرار عمي على النطق بالشهادتين ٬ وثالثة محاولات الأشباح الخبيثة في سلب إيماني في آخر لحظات حياتي .
ثقل لساني وكأن شفتي قد خيطت مع بعضها ٬ لقد اعتراني العجز ٬ وكنت أريد الخلاص من هذا الوضع المؤلم ولكن كيف ؟ وعن أي طريق ؟ وبواسطة من ؟ في غضون ذلك التجاذب ظهرت من بعيد أنوار ساطعة
فقام ذلك الرجل ذو الثياب البيضاء إجلالاً لها ، و ولّت تلك الوجوه القبيحة هاربة ٬ ورغم عدم معرفتي في تلك اللحظات لتلك الأنوار الطاهرة الفريدة لكنني عرفت فيما بعد أنهم الأئمة الأطهار (ع) ، قد حضروني في اللحظات الحساسة وببركة وجودهم أشرق وجهي وانفتح لساني فحركت شفتيّ ونطقت بالشهادتين هنا امتدت
يد ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء لتمسح على وجهي ٬ وشعرت بالاطمئنان بعد أن كنت أعاني شدة الألم والاضطراب .
لقد أصبحت وكأنني ألقيت الآلام والعذاب بأجمعه على كاهل أهل الدنيا لأنني شعرت بالاستقرار وكأنني لم أرَ حرية واستقراراً كالذي عشته في ذلك اليوم فقد انفتح لساني وانشرح عقلي . كنت أرى الجميع وأسمع أحاديثهم . هنا وقعت عيناي على ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء فسألته : من أنت ؟ وماذا تريد مني ؟ فإنني
أعرف كل الذين حولي إلا أنت ٬ فقال : كان عليك أن تعرفني ٬ أنا ملك الموت ٬ فاضطربت لسماع اسمه واهتز كياني ٬ فوقفت أمامه أتخضع وقلت : السلام عليك يا ملك ربي فلطالما سمعت باسمك ومع ذلك لم أستطع معرفتك حين الموت ٬ هل تريد الإذن مني كي تقبض روحي ؟
فأجاب ملك المو ت مبتسماً : إنني لا أحتاج إلى إذنٍ من أي أحد لأنتزع روحه من جسده ٬ وإذا ما تأملت جيداً سترى انك قد ودعت الحياة الفانية ٬ أنظر إلى جسدك قد بقي بين أهل الأرض ٬ فنظرت إلى الأسفل فاستحوذت عليّ الدهشة والحيرة ٬ إذ أن جسدي مطروح على الأرض بلا حراك بين أقربائي ومعارفي ٬ فيما كانت زوجتي وأبنائي وكثير من الأقارب يحومون من حولي وهم يبكون وترتفع صرخاتهم إلى عنان السماء
وأخذ آخرون بالشكوى والتساؤل : لقد تعجل عليه الموت ٬ لماذا ؟
أخذت أفكر مع نفسي : لِمَ ينوح هؤلاء ؟ ومن أجل من ؟ أردت دعوتهم لالتزام الهدوء ٬ وهل يكون ذلك ؟
.... صرخت فيهم : أيها الأعزاء التزموا الهدوء ٬ أما تريدون راحتي واستقراري ؟ فلماذا هذا التفجع
والحزن ؟
بعد الألم المضني أصبحت الآن في كامل الراحة والسعادة .
إنني أخاطبكم أما تسمعون ؟ لِمَ هذا البكاء ؟ ممّ عويلكم وبكاؤكم ؟ نوروا الدار بالدعاء وذكر الحق تعالى .
استمر عويل واستغاثة الحاضرين ٬ يعلو ويعلو ٬ هنا سمعت صوت ملك الموت يقول : ما الذي دهى هؤلاء ؟
مم ّصراخهم وعويلهم ؟ ولِمَ هذه الشكوى والتفجع ؟ لِمَ هذا البكاء واللطم على الرؤوس ؟ أقسم باالله إنني لم أرتكب ظلماً بحقه ٬ فلقد نفذ رزقه في هذه الدنيا ٬ ولو كنتم مكاني لقبضتم روحي بأمر من االله ٬ اعلموا أن دوركم سيأتي يوماً ما ٬ وسأتردد على هذه الدار حتى لا أدع أحداً فيها ٬ إن عبادتي وطاعتي لله هي أن أقطع كل يوم وليلة أيدي الكثيرين عن هذه الدنيا ،
الناس مستمرون بعملهم لا يسمعون هذه الإنذارات . تمنيت لو كنت سمعت هذه الإنذارات ولو مرة واحدة في الحياة الدنيا كي تكون عبرة لي ... لكن واحسرتاه ثم واحسرتاه !!
لفوني بقطعة قماش وبعد ساعة حملوني إلى المغتسل ٬ إنه مكان معروف لدي فطالما جئت هنا لغسل أمواتنا ٬ وهنا لفت انتباهي المغسل حيث كان يقلبني كيف شاء ودون عناء ٬ ونظراً لعنايتي بجسمي فقد صرخت بالمغسل : تمهل قليلاً ! ارفق بي ! فقبل لحظات خرجت الروح من هذه العروق فأضعفتها وأعجزتها ... لكنه
واصل عمله دون أدنى عناية بمطالبي المتكررة .
انتهى الغسل ٬ ثم لفوني بذلك الكفن الذي كنت قد اشتريته بنفسي ... لقد كنت أفكر آنذاك بأن شراء الكفن إنما هو عمل روتيني ٬ ولكن ما أسرع أن لف جسدي بالبياض . حقاً إن الدنيا دار جواز .
وعند سماعي لنداء الصلاة .. الصلاة .. الصلاة .. دخلني نوع من الطمأنينة .
(( يتبع إن شاء الله تعالى ))
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat