صفحة الكاتب : عبد الهادي البابي

ظاهرة العنف والسلوك العدواني في العراق المشكلة .... والحل ..
عبد الهادي البابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا أحد ينكر بأن ظاهرة العنف والميول إلى التصرفات العدوانية وحب الأنتقام في المجتمع العراقي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة بشكل لايمكن تجاهله أو الخجل من الأعتراف به ، فإضافة إلى العمليات الأرهابية (الطائفية والسياسية ) التي حصدت ولازالت تحصد أرواح الأبرياء من أبناء الشعب العراقي ، فأن هناك ظواهر أخرى بدأت تبرز على واقع الشارع العراقي لاتقل خطراً عن أفعال الأرهابيين وأعمالهم الوحشية ، مثل القتل لأجل السرقة بدم بارد ، والقتل على الشبهة والظّنة ، والقتل بسبب الثارات والأوتار العشائرية القديمة   ، وقتل غسل العار ، وغيرها من الظواهر القبيحة التي ماكانت منتشرة بهذه الطريقة المخيفة !!
 وحول سبل معالجة هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعنا والغريبة على قيمنا وأخلاقنا هناك يبرز سؤال مهم في هذا الموضوع :
كيف لنا أن نستثمر كل جهود المرجعيات الدينية والسياسية والثقافية والأجتماعية ، وكيف يمكن لنا أن نستثمر المنظومات الأخلاقية والدينية والإنسانية  في القضاء على هذه الظواهر الخطيرة التي عصفت في المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة ؟
يرى البعض من الباحثين في علم الأجتماع  بأن العنف الأجتماعي له عدة أسباب يتحرك منها ، وأن هناك بعض الجينات التي تتحكم بظاهرة العنف ، وهناك أيضاً  عنف متعلق بالتربية والسلوك والوراثة ، ومن أشمل وأكبر تلك الأسباب  إفشال مشاريع الشعوب وتطلعاتها بالحرية والخلاص ، وقمعها بالعنف والقسوة ، حيث أن رّد الفعل بهذه الطريقة القمعية يولد حالة نفسية طاغية تنعكس على سلوكيات المجتمع وتصرفاته في المستقبل، وتتولد نفسيات محبطة نتيجة لذلك الكتبت الذي تمارسه السلطات الحاكمة ، وهذا ماحصل مع العراقيين خلال العقود الماضية ، وخصوصاً في أنتفاضتهم الشعبية عام 1991م التي أعقبت الغزو العراقي للكويت وتداعيات التدخل العسكري الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية ،حيث جوبهت تلك الأنتفاضة من قبل النظام السابق بمنتهى الوحشية ،  وبالتالي وصل الشعب العراقي إلى مرحلة من مراحل الأحباط الداخلي ، فترى الفرد العراقي عندما ينفجر فإنه ينفجر بإنحرافات سلوكية غريبة ، وهذا ماحصل عندنا بالضبط بعد فشل تلك الأنتفاضة !!
فإذا كان هناك مشروع وطني لأجهاض الأحباطات الماضية ، علينا أولاً أن نبدأ من المعالجات الحقيقية وأولها الأصلاح العام ، والأصلاح العام  يأخذ أبعاداً كثيرة أهمها هو أصلاح الوضع القانوني والوضع السياسي  من الناحية المجتمعية ، إضافة لذلك فإن وسائل الأعلام يجب أن يكون لها دور كبير في توعية المواطنين على هذا الوضع العدواني المنحرف وتحذيرهم من مخاطره وآثاره ، وكذلك برامج التعليم ، حيث لازالت برامج التربية والتعليم لاتنشيء المواطن الذي نحلم به ، أو المواطن الذي يتوازى مع مانطمح به من مشروع ديمقراطي واسع لبناء دولة حديثة ..
فالمسلسلات الأجنبية المدبلجة  وأفلام العنف والقتل والجريمة التي تغزو الشارع العراقي تلقي بظلالها على نفسية المجتمع وتجعله أكثر عدوانية ، وربما هناك من يقول : لماذا هذه الأمور غير موجودة في دول أخرى وهي لديها هذه الأشياء ؟
والجواب : إن هذه السلوكيات العدوانية كسلوك بشري موجودة في كل المجتمعات ، ولكن من الناحية التطورية والعلمية  فإن المجتمعات تختلف في تربيتها وتنشأتها لأجيالها ، فهناك مجتمعات تربي أبنائها على القيم والأخلاق ،  وهناك مجتمعات تربي أبنائها على البخل ، وهناك مجتمعات تربي أفرادها على الشجاعة والأقدام وهناك مجتمعات تربي أجيالها على العفو والتسامح ، فنرى أن  البيئة المجتمعية أو- بيئة المجتمع -  تساعد على نمو سلوك نحن نسعى له ، وهذا يفسر التساؤل عن سبب نمو هذا العنف بهذه الدرجة في مجتمعات أخرى ، ولكنه يظهر في مجتمعات مضطربة لأن الوضع الداخلي عندنا وضع مضطرب يساعد على نشوء إنحرافات سلوكية وأضطرابات نفسية تتحول إلى عقد ومواطن لأنطلاق العنف والجريمة !!
فعلينا أن نشدد على أهمية تغيير الأتجاهات وتغيير الأفكار  ، من خلال وسائل الإعلام ، لأن وسائل الإعلام لها الدور الرئيس والمهم بتغيير الإتجاهات والأفكار وذلك بنشر الثقافة ، ونشر الأدبيات الأخلاقية ، ونشر الثقافة النفسية ، وهناك نقطة مهمة وهي أن التربية في البيت لها الأثر الكبير على هذه المسألة ، والتربية في المدرسة لها الأثر الكبير أيضاً ، ووجود المرشد النفسي بالمدارس مهم جداً ، كذلك وجود المرشد والباحث النفسي الذي يهتم بالعوائل والأسر ومراقبة الأوضاع الأجتماعية في المدن والقرى والأرياف والمناطق البعيدة بشكل منتظم له الأثر الكبير في تقويم السلوك ..
وقد يقول البعض بأن الأنظمة الفاسدة قد تستخدم بعض اللقطاء والمتخلفين فكرياً في تنفيذ أجنداتهم ومشاريعهم البغيضة ، إلا أنه قد ثبت أن بعض هؤلاء المجرمين هم من حملة الشهادات الجامعية العليا ،وبعضهم يحمل ثقافات مختلفة ،  ولكن في الواقع إن من هؤلاء من يوظف هذه الثقافة ويوظف هذه المعلومات للتخريب والقتل والشر ، وهذا مايفسره علماء الأجتماع بأن السلوك العدواني يبدأ منذ البداية وحتى قبل دخول المراحل الأولى من الدراسة ، عندما يأخذ الطفل قلماً من صديقه ويقوم بكسره حتى يغيض زميله الطالب ، هكذا يرى المحلل الأجتماعي هذه المعاملة الطفولية بأنها البداية التي ترسم للأنسان خطوطاً مشوشة نحو الرغبة في الأنتقام  !!
إلا أن البعض يرى بأن الناحية السياسية  هي أساس المشكلة ،  فما هي ياترى سبل الحلول – بنظر أهل السياسة - لأنهاء هذه الظاهرة الخطيرة من تواجد المجرميين وكثرتهم ورغبتهم بأستخدام العنف في التعبير عن الحاجة في هذا الوقت بالذات !
لاشك في أن سيادة القانون وأستقلال القضاء العراقي ، وإبتعاد القوى السياسية من التدخل في الشأن الأمني ، كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة أو السيطرة عليها على أقل تقدير ، مع مراعات عدة أمور أساسية في هذا الجانب منها:
أن قضية الأمن الذي يخص الجميع ، ويهّم كل مواطن يسكن على أرض العراق إذا كان عربياً أو كردياً أو تركمانياً ، مسلماً أو مسيحياً ، سنياً كان أو شيعياً  ولايميز بين مواطن وآخر هو مسؤولية الجميع ، وكل مواطن عراقي يعيش على هذه الأرض عليه أن يتمتع بالأمن والأمان ، ولايأتي هذا إلا من خلال سيادة القانون ، وهذه القضية تختلف عن موضوع الرؤى السياسية المختلفة للأحزاب السياسية ، لأن الحزب السياسي يمكن أن تكون له رؤيا مختلفة عن رؤية الحزب الآخر لبناء الدولة ، ولكن المهم في المسألة أن لاتختلف تلك الأحزاب على ضرورة أن يسود الأمن على كل ربوع البلاد لأنه في مصلحة الجميع ..
ومن البديهي أن العنف بشكل أساسي لايترعرع بدون حاضنة ، وإن الأعلام المتشنج والتصريحات المتشنجة هي جزء من الحاضنة النفسية لهذه الجرائم ، فهناك حاضنة نفسية وحاضنة مادية : والحاضنة المادية هي الأرض التي يسكن فيها الإنسان ويصله منها الدعم اللوجستي لتنفيذ مشاريعه ، ولكن هناك الدعم النفسي  الذي يأتي من خلال التصريحات المتشنجة لبعض القوى السياسية في الحكومة والمواقف السياسية المؤيدة للقاتل وليس للضحية !
ومن خلال ذلك فإن هناك ضرورة ملحة في أن يعاد النظر في مفهوم حقوق الأنسان ، على أعتبار أن هؤلاء المجرمين لايصح أن نسميهم بشر أسوياء ، لأنهم في الواقع قد فقدوا إنسانيتهم من خلال ماأرتكبوه من جرائم بشعة لاتفعلها حتى الوحوش في في الغابة!! فلايصح عليهم ان نسميهم بشرأسوياء ، ونطبق عليهم حقوق الأنسان ، لأن حقوق الأنسان يجب أن يُطبق أولاً على الضحية الذي عانى من هؤلاء المجرمين ، ويطبق على أسرته وزوجته  وأطفاله الذين فقدوه  وذاقوا مرارة غصة فقده وتعذبوا من طريقة قتله الوحشية الهمجية التي فعلها به القتلة !! أماهؤلاء المجرمون فيجب أن يعاملوا ويحاسبوا بطريقة أخرى بعيداً عن مفاهيم حقوق الأنسان وبعيداً عن اللجان البرلمانية  والقوى السياسية التي تدافع عنهم !
فالأصلاح يجب أن يكون في سيادة القانون وإعادة النظر بالقضاء العراقي ، أو طريقة محاسبة هؤلاء المجرمين ، لأن القضية التربوية في موضوع التشخيص لهذه العوارض المبكرة ، لأنه في دول الغرب الطفل الصغير الذي يقوم بكسر قلم صديقه أو تمزيق كتابه ، تستدعي أداراة مدارسهم  أولياء أمورهم فوراً ويجبرون على أن يعالجوا معالجة نفسية ، لأن هذا السلوك العدواني إذا ترك على حاله فإنه سيتطور ويتحول إلى رغبة عدونية نشطة ، وبما أن هناك أرضية سياسية مستعدة لأحتضان هؤلاء القتلة من المجرمين والأرهابيين ، أضافة إلى أن هناك خلافات سياسية داخلية ، وهناك دول مجاورة للعراق تبحث عن مثل هؤلاء المجرمين وتمدهم بالمال والسلاح لقلقلة الأوضاع وتخريب العملية السياسية ، فمن الضروري أن تكون هناك إعادة رؤية للقضية التربوية ، وأعتبار المدارس هي المكان المخصص للتعليم ، والمكان الذي يعطي  التربية والأخلاق وحب الناس وحب الأوطان ، وليس أن تتحول مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا إلى أوكار للكراهية  ولتهيأة الحالات النفسية  للمجرمين والأرهابيين والعنفيين ،!! فلماذا كلما كانت هناك عملية أستباقية تقوم بها الأجهزة الحكومية فأن قادة بعض الجهات السياسية يقيمون الدنيا ولايقعدوها !!
فيجب على جميع الكتل السياسية أن تنأى بنفسها عن التدخل في الشأن الأمني ، وعليهم أن يتركوا القضية الأمنية لأصحاب الشأن الأمني ، بل وعليهم العمل والحث  على تقوية الجانب الأستخباري ، وتقوية العنصر البشري في تقصي المعلومات ، وعلى البرلمان العراقي أن يمد وزارة الداخلية بالأموال اللازمة لبناء منظمومة أمنية عراقية وطنية قادرة على حفظ الأمن بعد الأنسحاب الأمريكي القر يب من الأراضي العراقية ، رغم تمنياتنا أن تكون المنظومات الأخلاقية والتربوية والقيمية والأنسانية والثقافية حاضرة لدى كل عنصر من عناصر الأجهزة الأمنية  ، ونتمنى أن يكون الحس الأمني كذلك حاضراً لدى أبناء الشعب العراقي للمساهمة في أحلال الأمن والأمان في بلدهم الغالي ، الذي هو أمن كل العراقيين الذين يستحقون كل الخير ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الهادي البابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/24



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة العنف والسلوك العدواني في العراق المشكلة .... والحل ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : مهديالمحمداوي ، في 2012/03/10 .

لا شك ان ظاهرة العنف صاحبت البشريه من بداية الخليقه ، نلاحظ كيف ان قابيل قتل اخيه ومنه انفتقت الحركه العنفيه للانسان ، التعليم الديني مسؤول اولا عن نشر ظاهرة التسامح كمشروع حضاري الاعلام لابد من دعم العلماء الروحانيين وابرازهم على شاشات التلفزه الاجهزه الصوتيه لابد من ابراز علماء الاجتماع لكي يدلوا بدلوهم فهم لهم رايهم الواقعي التجريبي لابدمن دعم منظمات المجتمع المدني بهذا الاتجاه وتوفير الامكانيات الماديه لها لطرح رؤاها وبرامجها لا ننسى الاساتذه والمعلمين والدور التربوي الذي يمارسونه من خلال اقامة دورات شهريه لاستهداف شريحه معينه منهم وعرض مساويء العنف من خلال افلام مسرحيات عروض..دور الكتاب والشعراء ينبغي الا يغفل كل ذلك من خلال الاعلام المريء والمسموع واظهارهم بقوه وتركيز




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net