جدال المجالس ..بين التأني والتفكر ..والثرثرة والتهريج..
عبد الهادي البابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الهادي البابي

أن أكثر المجالس التي يهرج فيها الناس على هذاوذاك ، هي في الواقع مجالس البطالين ،من الذين أستحوذ عليهم الشيطان ،وزّين لهم أرذل الكلام وأفحشه والمشكلة أن هؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعاً !!
وفي الوقت الذي يقول الله تعالى :( ياأيها الذين آمنوا أتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).. . وجاء في الحديث الشريف:( من كثر كلامه كثر خطؤه ) ، إلاّ أن هناك من الناس من يحبّ الكلام فيكثر منه ويحشي ويطيل ، ويسألك عن آخر الأخبار في المجتمع ،وقد يسكت لحظات ، ثم يتذكر خبراً فينقله بمبالغة وتشحين ، ثم يستدرجك ويسألك عن أخبارك ويعود الى مبالغاته وزياداته، وهكذا هو دائماً يتسقط أخبار الناس بكل وسيلة ثم يعلق عليها ويضيف توقعاته واستنتاجاته على تصرفات غيره ويحسبها عليهم !!
هذه الظاهرة تسمى ظاهرة الثرثرة ..وقد حرمها الإسلام ، لما فيها من الكذب والمبالغة وتصوير الباطل حقاً وبالعكس،وتفخيم الأمور في نفوس المستمعين ودفعهم لمواجهة قضايا لاتخدمهم أبداً ، إذ يترتب عليها تدمير العوائل والعلاقات بين الناس،ويحرمها الإسلام لأن فيها تركيبة من الغيبة والتهمة والنميمة وتثبيط العزيمةلفعل الخير ، وتعميق الجمود والتخلف ، وتبرير المساويء والبهتان والتنابز باللألقاب ،وقد تكون كلمة واحدة فقط مثل عود الكبريت ،تشعل نيراناً من الخلافات الحارقة التي تعصف بالمجتمع الواحد ،فكيف إذا كانت تلك الكلمات قنابل من الكلام والثرثرة !!!
روي أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :( يارسول الله أوصني قال: ( إحفظ لسانك ) فقال الرجل : يارسول الله أوصني ،قال (إحفظ لسانك) ،قال يارسول الله أوصني ..قال :(إحفظ لسانك) ..ويحك وهل يُكَبُّ الناس على وجوههم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ) !!! فياليت المثرثرين يحرقون ألسنتهم بشيء من نار الدنيا ليتذكروا دائماً أليم نار الأخرة ، فيردعوا أنفسهم من زيادة الكلام، ويتورعوا من نشر عذاب الفرقة والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد ..
وهكذا نعلم جيداً أن ّمن أسباب نشوب الخلافات بين الناس ..هو كثرة الكلام والمبالغة في الأخبار التي يتناقلها الثرثارون ، ومن الناحية العلمية يقول علماء النفس ( إذا زاد الضجيج ، صُمتّ الآذان ،وغادرت العقول) ..وعند مغادرة العقل يضيع الصواب وتهرب الحقيقة ، فالأفضل عدم حرق الأوقات والأعصاب في هذه النقاشات في أجواء الثرثرة والجدال العقيم ، إذ لايصل الأطراف إلى نتيجة إلاّ المزيد من الفجوة والخلاف !!
من هنا أمرنا الأسلام بنبذ الجدال والمراء وبأكثار الصمت ،والتزام الهدوء، أو الكلام بتأني وتفكر وأدب ، وأن نتحمل الأستماع للخصم والأصغاء جيداً للنقاش ،ثم البدأ في نقاشه منطقياً إذا كان مخطئاً ،فنضع النقاط على الحروف من دون أنفعال وتعصب، وطول ثرثرة وتهريج ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat