شكر جزائري للعراقيين " الإمام الحسين(ع) بين عراق الكرم وكرم العراقيين "  

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ماذا اقول عن شعب اعزل يطعم الزوّار وهو احوج الى من يطعمه

ماذا اكتب عن اناس كتب الله لهم شرف خدمة ابي عبد الله الحسين عليه السلام

ماذا عساني اعبّر عن كرم العراقيين، ولو كان حاتم الطائي حيا لتعلم منهم الكرم

كنت في وطني الجزائر لا احلم بزيارة سيدي ومولاي ابي الاحرار عليه السلام حتى في المنام. فأكثرت من الدعاء والتوسل بأهل البيت عليهم السلام.....نذرت لله، فعلت كل ما ينبغي فعله......فقط من اجل تحقيق هذا الحلم ......انه زيارة سيد الشهداء مع المؤمنين، اعني زيارة الأربعين.

لم أيئس يوما من ذلك.....مع انه شبه مستحيل ان يوفّق جزائريّ لهذه الزيارة العظيمة. 

.....وهكذا الى ان جاء ذلك اليوم الذي كتب الله لي فيه زيارة الحسين عليه السلام، فبكيت فرحا لذلك ولم اصدّق أن مثلي سيزور مثل ابي عبد الله عليه السلام. 

حملت حقيبتي متوجّها الى ارض العروبة والإباء، وطن الديانة والوفاء، بلد الأحرار والشرفاء والمجاهدين والشهداء.....إنه العراق الجريح ذو اللسان الفصيح الذي أثخنه الأعداء بالجراحات لا لشيئ سوى أنه أفصح قائلا: هيهات منا الذلّة.

خرجت من بيتي، وقبل خروجي منه طلّقت الدنيا ثلاثا. وذلك لاحتمال عدم عودتي. لأن الذئاب اليوم قد كثرت ولدينها قد باعت ولأوطانها قد خانت، ولبلاد المسلمين قد اعلنت الجهاد واجتاحت، ولبلاد الكفار قد تركت......هذه هي الذئاب التي اتكلم عنها......تضع المفخّخات في الاوساط الشعبية، تفجّر نفسها بالمواد الكيماوية، لا لشيئ الا لأنها تريد الطائفية.

اول ما دخلت الأراضي العراقية ووضعت قدمي على حبات رملها النورانية خالجني شعور غريب وإحساس عجيب. لم أدر مالسبب، ألأني عن أهلي بعيد أم لقربي من المعشوق الحبيب. وإذا بالجواب يهتف: مرحبا بزوّار الحسين السليب ذي الخد التريب والشيب الخضيب.

هويت إلى الأرض ساجدا، شاكرا الله على هذه النعمة.

تقدّمت بضع خطوات وإذا بأناس يستقبلون الزوّار بصيحات: ‘’هلا بالزوّار. اشرب شاي يا زاير‘’.

نظرت في وجوههم فإذا بها علامات الفقر والعوز والحرمان. تقدمت نحوهم وقلت: كم ثمن فنجان الشاي؟ فأجابوا: ثمن هذا الشاي هو رضى الحسين عنّا. فعلمت انه مجاني. 

تعجبت من أناس فقراء كيف يطعمون الناس مجّانا وهم بهذه الحال.

مشيت خطوات للأمام وإذا بي أرى أطفالا صغارا جالسين على الأرض يتسابقون فيما بينهم من يحظى بمسح نعال زوّار الحسين عليه السلام. فسألت عن ثمن هذه الخدمة فقالوا: إنها للحسين عليه السلام. فازدادت دهشتي وتعجّبي.

ركبت السيارة حتى وصلت النجف الأشرف، فقابلتني قبّة صفراء يشعّ منها نور لم أر مثله يوما وشممت منها رائحة زكيّة لا تصدر إلا من الطاهرين المطهّرين، حتى أيقنت أنها لخير الخلق بعد رسول رب العالمين، وأنها تحوي جسد خير الوصيّين وقبر أمير المؤمنين وإمام المسلمين وقاتل الكفاّر والفجّار والناكثين.

أسرعت إلى حرمه الطاهر وبمجرد وصولي إليه هويت أقبّل عتبته الكريمة. لم أتمالك نفسي وأنا في حضرة قالع باب خيبر وباب مدينة علم الرسول الأطهر.....فحمدت الله على هذا التوفيق الأكبر.
 
وفي طريق عودتي إلى مكان المبيت شاهدت أمورا لم أر مثلها في حياتي، ولو أني سمعتها أو قرأتها في كتاب لما صدّقت بها. يوزّعون الأكل في كل مكان....يسقون الزوّار بمختلف الأشربة وهم مع ذلك مسرورون مستبشرون .....إنهم أناس مبهرون.

ودّعت عليا عليه السلام وانطلقت بعدها نحو جنّة الله، ماشيا مع المؤمنين الحفاة قاصدا قبر المقتول بالفلات. واللطميات الحسينية تخرق أسماعنا وتدخل قلوبنا وترجع لنا وجداننا وضميرنا.

بدأت المشي متحمّسا وأنا كلّي طاقة ورغبة في الوصول إلى قبر الحسين عليه السلام.

وكنت كلما أخطو خطوة أحسّ أني أرقى إلى السماء وأزداد قربا إلى جنّة العلياء فتصير روحي مع الشهداء وتسعد بجنة الخلد مع السعداء وما جنة الخلد الا جنة اهل البيت الطاهرين الكرماء.

آه على تلك الخطوات التي تكون لسيد الشهداء، والغبرة تكاد لا تنجلي حتى اضع قدمي الأخرى على الأرض....كأنّها غبرة سجال اصحاب الإمام الحسين وأبناءه الشرفاء حينما نازلوا أبناء الطلقاء.......والله لن أنسى تلك الخطوات ما حييت.

الملفت للنظر أن الطعام والشراب متوفّران في كل الطريق الرابط مابين النجف الأشرف وبين كربلاء المقدّسة. فمواكب العراقيين ساهرة ليلها ونهارها لأجل خدمة الزوّار تقدّم كل ماقد يحتاجه الزائر من أكل وماء وفواكه واماكن للنوم واتصالات مجانية ....الخ. 

مشينا حتى أذان المغرب وإذا برجل عراقي يطلب منا مرافقته الى بيته لنحلّ ضيوفا عنده ويحظى هو الآخر بشرف خدمة زوّار سيد الشهداء عليه السلام، وفي منتصف الطريق لاحظ أن لهجتي تختلف عن لهجتهم فسألني عن جنسيتي فأخبرته أني جزائري فسرّ بذلك واسرع بنا إلى بيته. 

أدخلنا داره، وقد كنا جماعة، ثم طلب منا وضع حقائبنا في غرفته وذلك لضيق داره. لكن...ما إن دخلت غرفته لوضع الحقائب رأيت منظرا 

كسر قلبي. أمه وزوجته جالستان في زاوية تلك الغرفة الصغيرة والغرفة مليئة بأثاث البيت. فطلب الرجل منهما الرحيل إلى بيت أهلهما ليظلّ البيت في خدمة الزوّار. حينها لم أجد ما أعبّر عنه إلا أني قلت: اللهم احشرهم مع محمد وآل محمد وارزقنا شيئا قليلا من إيمان هؤلاء وجهادهم.

بتنا تلك الليلة عنده وقد أكرمنا بالطعام والشراب .......وعند الصباح لم أجد كيف أشكره إلا بقولي: هنيئا لكم الجنة يا أخي. فقال: وكيف علمت ذلك؟ أجبته: أتظنّ أن أبا عبد الله عليه السلام يقبل بدخول أمثالكم النار  وأنتم تقدّمون كل هذا لأجله،لا والله لا يرضى بذلك أبدا.

أكملنا مسيرنا ذلك اليوم والشمس قد أحرقت وجوهنا والمشي قد أرهق أجسادنا حتى صرنا لا نقوى حتى على رفع أرجلنا. فرحم الله تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، ورحم الله تلك الأقدام التي مشت لأجل الإمام الحسين عليه السلام.

تقدّمت الى إحدى المواكب لأستفسر عن سبب هذا الكرم العجيب الذي لم نسمع به لا في الكتب ولا حتى في القصص الخيالية. فسألت صاحب الموكب: هل هذه الخدمات هي من ميزانية الدولة أم من طرف المراجع؟ فأجابني: بل هي من أموالنا الخاصة. قلت له: وكيف تقدرون على كلّ هذا وأنتم شعب فقير ماديّا؟ فأجاب: إنها بركة الإمام الحسين عليه السلام،فنحن نقدّم له ما نملك ثم هو يعوّضنا فيما بعد من حيث لا نشعر. فقلت له: لكن يبقى أن الذي تقدّمونه كثير جدا مقارنة بما تملكون! فقال: يا أخي نحن لم نقدّم شيئا. الإمام الحسين عليه السلام قدّم روحه وأهله وابنه الرضيع فكيف تقارن هذا بهذا؟!. هنا لم أملك عينيّ أن فاضتا فازداد حبي أكثر لهذا الشعب العظيم الذي يعبد الله عبادة الأحرار.

إتصل بي أحد الإخوة العراقيين الذين تعرّفت عليهم عن طريق الفيس، فاتّفقنا أن يكون لقاءنا وقت المغرب عند أحد الأعمدة، ومن شدّة شوقه لنا ظلّ يتصّل بي بين الدقيقة والأخرى حتى أخبرته بوصولي، وما إن رآني عانقني بقوّة وسالت دموعه على خدّيه.....إنه الحسين عليه السلام، يجمع الأحرار من شتّى مناطق العالم. 

أخذنا هذ السيّد إلى بيته المتواجد في إحدى قرى طويريج، فأطعمنا وسقانا وبتنا ليلتنا تلك، وفي الصباح أيقضني بقوله: ألا تريد خدمة الزوّار في موكبنا؟ فأجبته: إن ذلك شرف لي. فاتّجهنا إلى الموكب نقدّم الطعام والشاي لزوّار أبي عبد الله عليه السلام. والله ما ذقت طعم الخدمة إلا يومئذ.

لكن أجمل ما رأيته في هؤلاء هو تسابقهم فيما بينهم لأجل خدمة سيّد شباب أهل الجنة وهم بهذه الحال من الفقر والحاجة...أعني الفقر الماديّ طبعا وإلا فالعراقيون أغنى الناس في العالم، لأنهم لم يبيعوا ولاية أمير المؤمنين لا رهبة ولا رغبة. لم يبيعوها بريالات آل سلول ولا ببطش الفراعنة أمثال صدام يزيد اللعين.

نظرت إلى صديقي السيد وهو يوزع الماء للزوّار بكل فرح وسرور، وما إن ينتهي الماء حتى يهرول مسرعا لإحضار ماء آخر.......المهم أن يروى الزوّار ولا يعطشون......فالسلام عليك يامن قتلوك عطشانا بشط الفرات وجرّدوك من لباسك فبقيت عريانا وسط الفلات، فلعنة الله عليهم عدد المدر والحصاة ولعنة الله عليهم كلما أشرقت شمس أو حلّ وقت السباة.

وعند الليل أردنا مغادرة البيت وإكمال المسير، فأبى السيد وقال: أنا لم أصدّق أني التقيتكم، وأنتم الآن تريدون الرحيل! لا والله حتى تبيتون عندنا ليلة أخرى. فبتناها استجابة لطلب هذا الأخ الغالي. ووالله إنهم خدمونا حتى أحسسنا كأننا في بيتنا. 

وعند الصباح خرج معنا هذا السيد الجليل حتى وصلنا إلى جنة الله، أعني حرم أبي عبد الله عليه السلام. فما إن وقع نظري على قبة سبط سيد الأنبياء حتى رأيتني أعيش واقعة كربلاء، ملحمة الطفّ وأيام البلاء. فناديت بأعلى صوتي: السلام على سيد الشهداء وعلى ابن خير الأوصياء ومن لمقتله بكت الأنبياء ومن تشرّف بخدمته الأتقياء. ولعنة الله على اعداءه الجبناء الأشقياء.

زرنا الإمام الحسين وأخاه أبا الفضل العباس عليهما السلام. والحمد لله على هذه النعمة وهذا الشرف العظيم. 

وبعد يوم الأربعين قررنا مغادرة كربلاء وتوديع أصحابها الشرفاء، وبينما نحن خارجون منها وإذا بأصحاب المواكب يودّعون زوّار الحسين عليه السلام بلطمية : ‘’يا محلى الوداع بها المسية‘’ ودموعهم تسيل على خدّهم....إنه توديع الأحباب، توديع موسم الأحزان....لحظات لا تنسى.

ركبنا السيارة بعد توديع أصحاب هذه الأرض الطاهرة، وبينما نحن في وسط الطريق وقد كنت أكتب مقالة في كرم العراقيين، يتصل بي أخ عزيز من أهل السماوة، وكنت قد تعرّفت عليه عن طريق الفيس أيضا، فطلب مني المبيت في بيته الليلة وفي الغد نكمل مسيرنا، فاعتذرت له وقلت إننا مضطرون للخروج الليلة،فأصرّ على قراره باستضافتنا في بيته، لكنني كررت له اعتذاري وتبريري. فقال لي: حسنا لك ذلك على أن نلتقي اليوم في وسط الطريق لنسلّم على بعضنا ونرى بعضنا البعض فأجبته بالقبول.

وحين وصول سيارتنا إلى منطقته في السماوة كان هذا الأخ واقفا بجنب سيارته، رحت أسلّم عليه،طلب من ابنه التقاط صورة لن

ا ونحن نحمل علم الجزائر الذي كتبت فوقه:  ‘’الجزائر إدريسية فاطمية رغم أنف الداعشية‘’.

كرّر عليّ طلبه باستضافتنا في بيته. فوعدته أنه سيكون له ذلك العام المقبل إن شاء الله. وبينما أنا عائد إلى السيارة إذا به يقدّم كراية النقل لصاحب السيارة، دفع عني وعن الشخص الذي كان معي. فأقسمت عليه أن لا يفعل لأني لا أقبل هذا، غير أن إصراره غلبني. فلم أجد إلا أن أشكره على فعلته هذه، ثم ودّعته وذهبت. 

صعدت السيارة، أردت إكمال تلك المقالة، فعجز قلمي عن ذلك. ما تراني أكتب عن أناس يخدمون زوّار الحسين عليه السلام بهذا الجنون!

بقيت حائرا، ماسرّ هذا العشق؟ وماالذي جعل الشعب العراقي  بهذا الكرم الذي أذهل العالم وحيّر العقول، ثم وجدت أن السبب هو أنهم عاشقون....مجنونون....أجل عاشقون لأهل البيت، ومجنونون بحبّ الحسين عليهم السلام.

فيا أهل العراق، أهل الإباء والولاء والوفاء، إن كان حبّ الحسين أجنّكم فإن كرمكم أجنّنا. وإن كنتم لأهل البيت قدّمتم دماءكم وأموالكم، فإنّا نقدّم أرواحنا وأنفسنا لكم. 

يا أهل العراق الأوفياء، أعتذر منكم عن تقصيري في بيان حقّكم وقدركم، فمهما حاولت أن أصفكم فلن أقدر على إصابة شأنكم ومقامكم.

يا أهل العراق، يحقّ لكم والله رفع رؤوسكم عاليا، كيف لا وأنتم خدّام من قضى عطشان ظاميا، بعدما قطعوه بسيوفهم فأردوه صريعا داميا، ذاك سبط الرسول حسينا قضى في الطفّ وحيدا عاريا، حتى لمقتله النبي غدى في الطف هنالك باكيا، قتلوا ابن بنت نبيهم قتلوا الإمام العاليا، فحسابهم يوم المعاد حساب أشقى الأشقيا.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/15



كتابة تعليق لموضوع : شكر جزائري للعراقيين " الإمام الحسين(ع) بين عراق الكرم وكرم العراقيين "  
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net