الصحفي ...(ولطم شمهوده)..!!
عبد الهادي البابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الهادي البابي

وشمهوده هذه – أيها السادة- إمرأة عجوز عاشت فقيرة وليس لها معيل [جادود ] ينفق عليها ،وبعد معاناة طويلة مع الجوع والحرمان أهتدت إلى طريقة غريبة للحصول على طعامها وأشباع بطنها، فكانت تذهب وتجلس على باب [مغتسل الموتى ] في مدينتها، فإذا جاؤوا بميت أخذت عنوان بيت أهله من بعض المشيعين،وتبقى تنتظر بفارغ الصبر اليوم الثالث للوفاة الذي يسمى عندهم [يوم الختمة ] حيث يقيم أهل الميت مجلس عزاء نسوي ويجلبون [الملاية ] لهذا الغرض ، وعندما تبدأ الملاية بقراءة قصيدتها تنهض بنات الميت وزوجته وأخواته وقريباته إلى حلقة اللطم [الجولة] فيظهرن على ميتهن الجزع ويظهرن من فنون اللطم والصراخ والعويل مايوحي بمحبتهن لميتهن وتعبيرهن عن صعوبة فراقهن له ، ولكن العجوز [شمهودة]تقوم وتتوسط حلقة النساء وتبادر باللطم الشديد على صدرها ووجهها مايعادل لطم جميع النساء المعزيات !! بحيث تعتقد النساء اللاتي لايعرفنها بأنها ولشدة مارأين منها من حرص على اللطم والصراخ والعويل بأنها أقرب النساء إلى الميت، فبعضهن تهمس بأذن الأخرى وتقول لها : هذه أخت المرحوم ..والثانية تقول لابل هذه أم المرحوم وهكذا ..ولكن نساء المرحوم وقريباته يعرفن [شمهودة] ويعرفن سبب حرقتها ولوعتها ولطمها الشديد لأنها تنتظر طعام الثواب الذي سيقدم للمعزين والمعزيات نهاية الختمة!!
وبعد أنتهاء مراسم العزاء يقدم الطعام للمعزين ، فيقدم أولاً للذوات المحترمين من الرجال ، ثم إلى النساء الجليلات المعروفات في المنطقة ،ولاأحد يعبأ بشمهودة وبلطمها ونوحها والتي قامت بالواجب و[ذبت لحم ] على فقدان المرحوم !!فالمسكينة تجد نفسها مطرودة وهي تقف مع الأطفال في باب الدار تنتظر متى ينتهي الذوات من أكل الطعام حتى يُسمح [للزعاطيط ] أن يدخلوا ويأكلوا ماتبقى من فتافيت العظام وبقايا الطعام المتناثرعلى سفرة المرحوم ، فتأكل معهم وحالها من حالهم !!!
فالمسكينة شمهودة بالنتيجة [تلطم مع الكبار وتأكل مع الزعاطيط] ولن يشفع لها لطمها وصراخها وبكائها على المرحوم ، ولكنها تشكر الله على كل حال وتعود إلى كوخها الصغير في أطراف المدينة لتصنع لنفسها ماءاً دافئاً تداوي به كدمات صدرها الشائخ ووجهها المتورم من شدة اللطم ،ثم تنام وهي تحلم بجنازة جديدة على باب مغتسل المدينة !!
وشمهودة هذه لايفكر فيها أحد ولايسأل عنها أحد ....لامن أصحاب المآتم ولا أهل العزاء من الذين يعرفونها بعد موقفها المتميز بالعزاء، فلايعني الأمرلهم شيئاً ولايدرون عنها هل أكلت من طعام ميتهم ، أم أين حلت وأين سكنت ، أم أي أرض ٍبخستها، أم أي سماءٍ حصبتها !!!
وقصة [شمهودة] أيها السادة ذهبت مثلاً يُضرب للذين يُضّحون أول الناس، ولكنهم في الجزاء والعطاء يكونون في آخرالطابور !!
والصحفي العراقي هو أول هؤلاء الذين يلطمون وينوحون على بلدهم ليلاً ونهاراً ، تراه يصول ويجول في كل سهل وجبل ، وتأخذه الحرقة والأسى واللوعة على كل صغيرة وكبيرة ، فهو يدس أنفه في كل زاوية من زوايا الوطن ، فيسلط على مايجرى فيها أضواء الحقيقة، ثم يبدأ بالصراخ والعويل ويجول مع الجائلين ،ليُسمع الغافلين ، ويستنكر على الظالمين والمعتدين على حقوق الناس، ولكن ماهي النتيجة..أنه يُحارب ، ويُمنع ، ويُهدد، ويُطرد ، ويُقتل، أنهم يفعلون به مايشاؤن من صنوف الأبعاد والتهميش والأقصاء ، فالمسكين حاله حال خالته المغدورة [ شمهودة المسكينة] !!
إلا أن الفرق هنا بين الصحفي وبين شمهودة - والحق يقال- أن شمهودة بالنتيجة تأكل من فتافيت طعام [ثواب المرحوم ] وتملأ ربع معدتها الخاوية على الأقل لأنها لطمت لنصف ساعة مع اللاطمات .. لكن الصحفي الذي أفنى عمره باللطم والصراخ والعويل على وطنه لايُسمح له أن يجلس لامع الكبار ولامع الصغار ، ويمنع من الأكل حتى من فتافيت مائدة الوطن الكبيرة ، التي يشبع منها البر والفاجر !!!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat