صفحة الكاتب : عباس العزاوي

متى يتفق العراقيون
عباس العزاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تمنيت كغيري من العراقيين المبتلين ـ ليس من الله بل من خلقه ـ بكثرة التحليل والتعليل , والتشريح والتجريح في كل مصيبة تحل بنا وكل كارثة تهبط على رؤوسنا, تمنيت مرة واحدة على الاقل اتفاق العراقيين فيما بينهم , الكبار والصغار , المسؤولين والمواطنين ,الجهال والمفكرين , الاغنياء والمحرومين, التقاة والفاسقين , اليمين واليسار , القوميين والوطنيين. امنية باتت صعبة المنال بل هي اقرب الى المحال! سيقول بعض الناس ان الاختلاف سنة الحياة ورحمة, لكني ارى انه في العراق سنة الموت ونقمة!
 
فمنذ تأسيس الدولة العراقية وليومنا هذا والاختلاف سيد الاحداث, بل بقول اوضح الرصاص والغدراهم المفردات المتفق عليها في الحوار "الوطني البنّاء"!!, انا طبعا لااريد ان اخلط الحابل بالنابل , فلكل حقبة حسناتها ومساوئها بأستثناء البعث , فهو شر مستطير, لكن الملامح والسمات الرئيسية للتغيرات السياسية في العراق خلال المراحل السابقة والحالية تؤيد ذلك.
 
فانصار الحقبة الملكية مازالوا يمسحون بعناية مصحوبة بحسرات ساخنة واجتهاد غبار الزمن عن جبينها رغم انقراضها ونسيانها بحجة الامانة التاريخية والعلمية ويلمعون برجالاتها وامتيازاتها وانجازاتها "العظيمة" رغم كل التظاهرات والاحتجاجات التي كانت تجوب البلاد حينها  وسقوط الكثير من الشهداء , وانتشار الفقر والجوع والمرض والامية, ويطلق بعضهم على الفريق نوري السعيد لقب "الباشا " كأننا في عصر الطرابيش وصفة "الشهيد" ولا اعرف في سبيل من سقط السعيد؟... يقول انصاره بانه "كان مهادن لبريطانيا على الرغم من حسه الوطني العالي" !!فكيف جمع النقيضين؟ لانعرف ! مع انه اضطر للهروب مرتين بسبب الانقلابات.. وارتدائه ملابس نسائية وتسببه بمقتل زوجة صديقه في ثورة الزعيم!! وللشرقية الريادة في اكتشاف بعد مرور سنين طويلة بان العهد الملكي افضل العهود التي مرت بالعراق.
 
وانصار الثورة القاسمية من الفقراء والمحرومين مازالوا ايضا يغنون لزعيمهم المغدور الذي عاش ومات نزيها ووطنيا محباً للعراق وشعبه, ويطلق محبوه عليه ايضا صفة الشهيد اوالزعيم الخالد , فما قام به الرجل خلال فترة وجيزة لاجل الفقراء والكادحين لم يستطع " الباشا " نوري السعيد وازلام الحقبة الملكية خلال 37 سنة من انجازه . ولكن لاعدائه من البعثيين وبعض الاسلاميين قول آخر بشأنه!!
 
انصار حزب البعث وحتى بعد فشله خلال اربعين سنة حكم من النهوض بالعراق لمصاف الدول المتقدمة رغم ضخامة الموارد البشرية والمالية حين تسلقه للسلطة, مازالوا يصدعون رؤوس العراقيين بمبادئ الحزب العريقة واهدافة القومية الخالدة  بغض النظر عن الاخطاء "التافهه" التي حدثت خلال مسيرة الحزب القائد من مقابر جماعية لاتتجاوز ثلاث مائة مقبرة , واعدام حُفنة من العراقيين "مناؤين" للحزب واربعة حروب مدمرة " ماينحكه فيهم " وكم مائة مليار دولار " هايفين " , ولولا مجموعة صغيرة من " الخونة والعملاء " اقنعوا عشيرة أل بوشي !  باسقاط النظام وبالتواطئ مع الوهابية في الخليج والفرس الشيعة في ايران ومناطق جنوب البلاد لكان للعراق شأن اخر بقيادة القائد الفذ , حسب الناطقين بالبعثية  ,وبناءاً عليه فان عودة حزب البعث من الضرورات الحتمية لقيادة البلاد من جديد , وهذه المرة اخذوه من شوارب ابو محمد ( المطلك) هو الكفيل!
 
حتى هذا الحزب الدموي وسياسته التعسفية التي عاصرناها بانفسنا ولمسنا آثارها المدمرة,اختلف العراقييون في تقيمه, فهناك من يبكي وينوح كالثكالى عليه وعلى ايامه اوعندما يتم اجتثاث اي عنصر بعثي متورط بعمليات اجرامية سابقا او ارهابية حصدت ارواح العشرات من الابرياء, ومازال افراده يتربصون بالعراقيين الدوائر ولولا انهيار حكم القذافي وسقوط ملفات المخابرات الليبية بيد الثوار والحكومة الانتقالية  ـ مبادرة عظيمة تستحق الشكر ـ  وتسليم قائمة باسماء البعثيين للحكومة العراقية لما عرفنا حجم المؤامرة المدبرة بمساندة  مخابرات بعض الدول العربية لاسقاط النظام الديمقراطي في العراق , ولولا تدهور الاوضاع الامنية في سوريا والحصار الامريكي ـ الاوربي عليها, لما حصل العراق على اسماء قادة البعث وطبيعة نشاطاتهم والمتصلين بهم في الداخل ومؤامراتهم القذرة للنيل من العراق وشعبه بعد الانسحاب الامريكي المرتقب.
 
سؤال تردد في ذهني الاف المرات, لماذا يحدث  كل هذا ؟ هل السبب هو دول الجوار ام دول الاستعمار ؟! بسبب الصغار ام الكبار, بسبب عدم اتقان الحوار ام بسبب الخوار , بسبب القاعدة الفجار ... ام  بسبب المناضلين الاحرار؟
كل الشعوب في المصائب تتحد الا في العراق فان المشاعر تتقد !!
كل الشعوب في الكوارث  تلتحم الا في العراق فان المعارك تحتدم !!
كل الشعوب على الحقائق تتفق الا في  العراق  فالاصوات  تفترق !!
 
فأيام العراق ليس كباقي الايام في دول خلق الله.... فكل شئ لدينا استثنائي وكل الاحداث والكوارث استثنائية والسياسة استثنائية والموت استثنائي وحروبنا استثنائية وقادتنا ومواطنينا استثنائيون وازماتنا وعقدُنا استثائية واحزابنا ايضا استثائية!! وحتى لاانسى فلدينا ايضا كتّاب استثنائيون جداً
فالعراق بلد استثنائي بكل المقاييس سوى بتاريخة الحافل بالثورات والانقلابات " البيضاء" منها والحمراء والسوداء او بحاضره الدموي المتأزم واختناقاته السياسية المزمنة ؟.... فالسنوات في العراق تمر على جراحنا بثقل دمها وبلادتها المرهقة  .... تمر علينا بمرّها .... ومرّها مرور استثنائي كذلك... فلدينا مئات المناسبات وألاف الذكريات المفجعة... مذابح ومجازر ومفخخات في كل مكان , ومازال شبح الموت يطارد اطفالنا وشبابنا.
 
 وساستنا الافاضل منقسمون فيما بينهم... نجتث البعثيين , لانجتث البعثيين , نعدم الارهابيين , لانعدم الارهابيين , نحارب الفساد , لانحارب الفساد , نبني العراق , لانبني العراق , نعمل وفق الدستور , لانعمل وفق الدستور, نوحد الصفوف,لانوحد الصفوف, نخرج المحتل , لانخرج المحتل , نريد دكتاتورية , لانريد دكتاتورية , نطرد منظمة خلق , لانطرد منظمة خلق ,نطالب الكويت بايقاف مشروع ميناء ضرار , لانطالب الكويت , ليسعف احدكم ذاكرتي المتعبة ويقول لي , على ماذا ومتى اتفق العراقيون؟
 
 عباس العزاوي
30.10.2011
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس العزاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/30



كتابة تعليق لموضوع : متى يتفق العراقيون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net