يتميز الاديب في اسلوبية خاصة تنتمي الى ابداعه , في تعاطي تقنيات السرديات النص , هذه الخصوصية , تجعله يتجاوز ثيمات السرد التقليدي في فن القصة القصيرة في تقنياتها الحديثة , فقد يعتمد على امكانيات واشكال متنوعة من الادوات التعبيرية والرمزية في باطن حثيثات المتن , عمودها الفقري , ثقافة المكان او نصية المكان , في ابرازها بكل مفاعيلها المتوقدة , في اطار جمالي مزدوج , في ثنائية . السرد / الحكي , اختيار براعة اللغة الشعرية , في اقتحام المعطيات في اشباع جماليات السرد , بالبلاغة المتفجرة في الاعماق ’ التي تتمدد في توسع احداثيات النص, في روية متداخلة , بين الخاص والعام . او الذاتي والموضوعي , في اطار الهم العراقي وهمومه الضاربة في الاعماق القهر والعسف , في الصراع القائم بين قطبين متعارضين على طول الخط . السلطة الطاغية في مخالب وانياب ظالمة في تعسفها الارهابي , لقوى المناهضة والمناوئة والمعارضة لها , ان هذه السرديات تعطينا , الصورة الكاملة في عمق الصراع الضاري , بين الجلاد والضحية , بين السجان والسجين . نجد في ثنايا النص العام , خريطة متكاملة , لساحة الصراع وادواته القمعية في السجن والنفي , واختيار ساحة الصراع , بأن تدور احداثه في ساحة ( السماوة وباديتها ) البلدة المنفية , لكنها تملك الروحية , التي تشتعل بشرارات المناهضة والتحدي , بشكل صلب وجسور, ضد الحكومات المتعاقبة , انها تمثل في رمزيتها الدالة , تحدي الظلم والطغيان , الذي يغلف ثوب العراق عامة , هذه هي ابداعيات جمالية السرد , اي ان هذا المكان النصي ( السماوة ) هي الوعاء الذي تصوغ فيه السلطة الطاغية , اجراءاتها التعسفية الظالمة , لمن يقف في وجهها . وفي تداعيات , ساحة لتصفية الحسابات , هذا المناخ السائد والجاثم , بأن يصوغ القاص حكاياته السردية في براعة مركبة , يصوغ االخيال ليحاكي تجاذبات الوقع , ويصوغ الواقع في تجاذبات الخيال , لكن ضمن موضوعية الواقع الفعلي بكل تفاصيله , في براعة الوصف والتصوير , المتكامل في تقنياته . ان الصراع الناشب وفي اختيار ( السماوة وباديتها ) لتصفية واجهاض روحية المعارضين , وهي في نفس الوقت تعطي روحية لديمومة استمرار ومواصلة , التحدي والصراع , بما يعرف عنها ( السماوة ) عن روحها الوثابة في التصلب النضالي المتواصل , في مواقفها المشهودة لها . في احتضان الذين يتعرضون الى الملاحقة والسجن والابعاد والنفي . كعامل رادع لهم , هذه مديات الرؤية الفكرية لمضامين السرد , في معانيها الرمزية الدالة , في المجموعة القصصية ( المعفاة ) التي احتوت على تسعة قصص قصيرة , نأخذ منها بعض هذه العينات في هذا الايجاز .
1- قصة ( النشيد ) : حدث ذات صباح قائظ , ان يستيقظوا فجأة اهالي البلدة , على هدير اصوات تشق عنان السماء , في هديرها الصاخب , بنشيدها الحماسي , الذي يشعل الصدوربلهب روح التحدي والصمود , فقد تركوا نومهم وتثائبهم , فقد سرق النوم منهم ( بسملوا / بصقوا / حولقوا / تمطو / سعلوا ) وهبوا يتراكضون ويصطفون بتجمعهم على جوانب الارصفة . فلم يكن هذا الداهم الغريب بحناجره المدوية , في الحماس الثوري , لم يكن إلا قافلة جديدة , من المرحلين من العاصمة , الى سجن المنفى , كأنهم في زفة عرس , في زخمهم البشري الكبير من ( الضباط / الجنود / أطباء / اساتذة جامعات / محامون / معلمون / وعمال وفلاحون ) حتى دار في خلد اهالي البلدة , بأن العاصمة افرغت من البشر , مما اثار هذا المناخ , استفزاز وحفيظة وقلق الشرطة , خوفا من التداعيات اخرى , قد تفلت من السيطرة وهم يقودون السجناء الى السجن الصحراوي , ومن اجل اخماد عنفوان النشيد , وتكميم الافواه , ألغت الشرطة التعداد الصباحي والمسائي لسجناء. هذا معنى يعطي اهمة لروح التحدي .
2 - قصة ( المكتبة ) : هي تمثل احد اوجه الصراع الفكري والسياسي, في مصادرة حرية الرأي والتعبير , بين سلطة الظلم والطغيان , واصحاب الرأي الحر , وتوارث ثقافتهم النضالية . لذا فان سلطة الطاغية تمارس اوحش الاساليب لنزع وتحطيم ارادة الانسان المكافح , الذي يفضح عورات المتسلطين على المكشوف , فأسهل اسلوب المجابهة , هي استخدام الارهاب والنفي والسجن , ضد من تبدر منه معارضة , او يناصر الافكار الثورية , لذا فأن العقوبة المرتقبة , هي النفي الى السجن الصحراوي , او النفي في نقل وظيفته الى البلدة المنفية في الصحراء , كما حدث للمدرس من المغضوب عليهم ,تم نقله الى البلدة الصحراوية , كأجراء عقابي له , ولكن هذا الابعاد , يزيده همة ونشاط ثوري اكثر ضراوة , ولم يأبى لخطف واعتقال المواطنين , بحجة سؤال بسيط لم يستغرق خمس دقائق , وهذه الخمس دقائق اشارة صريحة الى ضياع مصيرالمعتقل الى المجهول , واخيراً يقع ( المدرس ) في فخ الخمس دقائق من ذئاب السلطة الطاغية والظالمة , لكنه يسلم وصيته ورسائله المحظورة , الى احد الطلبة المتأثرين بافكاره لينقلها الى المكتبة , وهي تدل على التراث النضالي يظل حياً بالتوارث والتواصل .
3- قصة ( النافذة ) : السجن الجاثم على صدر البلدة الصحراوية . لا تفصله عن العالم الخارجي , سوى نافذة السجن , المطلة على ساحة , يلعب فيها الاطفال كرة القدم , وتبنى علاقة صداقة وطيدة , بين السجناء واشبال كرة القدم , من خلال صيحات التشجيع والترحيب بين الطرفين , حتى بات الاطفال يعرفون اسماء السجناء واحداً واحد ,ويسألون عن احوالهم ’ حتى الغائب منهم يسألون عنه , وكذلك السجناء يعرفون اسماء الاطفال واحداً واحد , ويسألون عن الغائب منهم , هذه الصداقة اثارت حفيظة وغضب الشرطة , مما حدى بهم الى تطويق الساحة , واعتقال الاطفال , وتعذيبهم بعصا الشرطي دون رحمة , ولم يطلق سراحهم إلا بعد أخذ تعهد من اباءهم , بعدم العودة واللعب في الساحة , مما اصابهم الالم والحزن من انقطاع العلاقة مع السجناء , وتناهى الى سمعهم في احد الايام , بأن السجناء سيرحلون الى سجن ( نقرة السلمان ) , فيستعدوا اشبال كرة القدم , بكامل ملابسهم الرياضية , يقفون على جانب الطريق محبة ووداع , فقد تعانقت نظرات العيون للعيون , وتهامست القلوب للقلوب , مما حدى بالسجناء ان يلوحون بأيديهم محبة ووداع وتقدير للصداقة التي توثقت بينهم
4 - قصة ( المعفاة ) : قصة تحمل اشارات رمزية بليغة في دلالتها واشاراتها الى منصات الواقع , رغم مناخها الفنتازي , لكنها تكشف حول رؤية العقل الاعوج في التفكير والبصيرة , في التعامل مع واقع الحال , في كيفية الخروج من عنق الزجاجة . او الخروج من الازمة والمأزق , في البحث عن خيارات براقة المنظر , لكن جوفها يحمل سمم قاتل , يبدأ طريق التأزم من حالة بسيطة وصغيرة ثم يأخذ في الانتشار في النمووالتوسع والضخامة , حتى السيطرة على عنق الواقع وفق ارادتها ورغباتها , , تقول لغة السرد , انه وجد ثوب افعى واحد مسلوخ , واعتبر الناس هذه بادرة خير , وتكاثرت هذه الاثياب الافاعي بعد ذلك , حتى انجذب اهالي البلدة اليها بكل سرور وارتياح , حتى اصبحت هذه الثياب علامة بارزة , تتصدر الواقع في البلدة , وبدأت تنشو علاقات وطيدة بين الافاعي واهل البلدة , وكانوا يقدمون الماء بالملح , حتى أصبح الملح النشاط الاول , ومصدر العيش والرزق للبلدة , واخذت الافاعي تفرخ افاعيها اكثر لزيادة انتاجية الملح , ولكن تبدلت العلاقة الحميدة الى عداء وتوجس , فأصبح سم الافاعي , اداة للقتل , فكان الاخ يضع السم في طعام شقيقه لقتله , حتى اصبحت الحالة لا تطاق ولا تتحمل , فأجتمع لاهالي البلدة , في مناقشة الخروج من هذه الازمة الخطيرة التي داهمتهم , ووقع الاختيار على القنافذ لقتل الافاعي , طالما القنافذ يغطي جلدها اشواك كالسكاكين قادرة على فناءالافاعي , ولكن السؤال والتساؤل , الذي اصاب حيرة الاهالي ( هل ياترى ستكون القنافذ ارحم من الافاعي ؟ ) وهي الحالة تنطبق على الواقع العراقي , بين اختيار الدكتاتورية , في البديل الشافع , هو المحتل !!
5 - قصة ( القرد ) : تعطي اهمية دالة على المدول في اشاراتها الرمزية , وهي من اهم من شجون الواقع , وهي ارادة المالك الميسور , او ولي الامر , ان يشتري انسان ويحوله بكل بساطة متناهية في سهولتها , الى قرد , طالما يملك الامكانية المالية للدفع , والشراء يتم برغبة الفرد ان يتحول الى قرد , لعوزه المالي ان يتحول الى قرد حقيقي , يكون تحت تصرف المالك الميسور , ان يتقمص بأبداع شخصية القرد , في التصرف والسلوك , في حركاته البهلوانية , حتى يحوز الاعجاب والتصفيق من ضيوف المالك الميسور , ان يدخل الفرح والسرور في قلب المالك القصر , وفي يوم عيد ميلاد مالك القصر , نزل الى حلبة السيرك التهريج ليقدم دوره الضاحك والمهرج , لكنه وجد امامه قرد اخر , مرعب ضخم الجثة , كثيف الشعر الخشن , تيقن ان نهايته اقتربت , داهمه الخوف والفزع من هذا القرد الضخم , واصغى السمع اليه , فوجده يدمدم بتيمة الدعاء , عرف بأن القرد الضخم , من فصيلته الانسانية , فشحذه همته بالعزيمة بالهجوم عليه ونهش لحمه . وهذا واقع الحال من القرود السياسية , التي تكشف عن مخالبها وانيابها لتنهش بعضها البعض في السيرك التهريج السياسي , في رضى وسرور مالك القصر
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat