صفحة الكاتب : فؤاد الموسوي

رجال فوق الرمال
فؤاد الموسوي

 عندما تشرق الشمس و يبدأ يوم جديد، تبدأ المعاناة و يبدأ الصراع من أجل البقاء بعد أن يبدأ شبح الموت يتسلل نحو المخيم كما تتسلل افاعي الصحراء ما بين الرمال . مكان بعيد و مجهول في عمق الصحراء ، مكان موحش و خالي من كل شيء ما عدا الأشباح الآدمية التي تعيش فوق الرمال لا ترى غير الأرض و السماء و الخيم الصفراء في أرض بلقع حمراء لا نبات فيها و لا حتى قطرة ماء . و لكن هناك أمل هو أمل العودة إلى ديار الوطن ، هذا الأمل الذي أصبح يتضائل كل يوم تماماً كما تبدأ الشموع بالوميض عند إقتراب نهاية الفتيل ، عندها أشعر بأن حياتي قد بدأت العد التنازلي نحو الأفول الأبدي دون أن يكون هناك أمل ببزوغ فجر من جديد . شعور كئيب ينتاب الجميع ليحطم أرواحهم قبل أجسادهم حينها أشعر بأن الدموع قد بدأت تترقرق في عيني عندما أرى احدهم لأنه يذكرني في نفسي كلما أحاول أن أنسى أحزاني و آلامي . كان علي أن اغسل ذهني من هذه الأفكار الكئيبة لأنها بالفعل قد بدأت تنهش في جسدي و روحي و لكن ذلك ليس بالأمر الهين كما يتصور البعض و السبب في ذلك هو إن حياة المعتقل تختلف تماماً عن حياة الحرية خارج القضبان و الأسلاك الشائكة . في الواقع ، إن الحياة في مخيمات الاعتقال لا يمكن أن نسميها حياة بل هي الجحيم بعينه و خاصة في صحراء الحجاز الحارقة .

 

في أحد الليالي قبل منتصف الليل ، كنا نسمع دوي بنادق الجنود السعوديون الذين كانوا يطوقون المخيم من كل مكان ، كنا نقول في أنفسنا ربما كان هذا إنذاراً لنا بأن نستسلم للموت و ندفن في الصحراء و لكننا إخترنا الحياة . و بينما أنا خارج الخيمة ، شعرت برصاصتين قد مرتا قاب قوسين أو أدنى من رأسي و بعد ذلك سمعت بأن عدد من السجناء قد تم قتلهم على أيدي الحرس السعودي . نظرت من حولي و لم أجد غير الاشباح و الأسلاك الشائكة و الرمال التي بدأت تزحف علينا ببطء ، بعد ذلك هبت عاصفة رملية شديدة و بدأت الخيم تتساقط واحدة تلو الأخرى و غطت الرمال الصفراء المخيم و اصبحنا لا نرى بعضنا بعضا، لا نعلم هل نحن ما زلنا على قيد الحياة أم في عداد الموتى . لم نكن نسمع غير زئير الرياح القادمة من بعيد و كأن لسان حالها يقول : ليس هناك أمل في الحياة بل يأس و إستسلام و إذعان . بالرغم من كل ذلك ، كنا دائماً نقول : لا يأس مع الحياة و لا قنوط من رحمة الله الرحمن الرحيم . لذلك قررنا الهروب من جحيم اليأس و الإعتقال إلى حياة الأمل و الحرية التي ينشدها كل إنسان . و الآن الوقت قد حان لكي نبدأ المسير نحو المجهول ، في ليلة شتاء باردة و داكنة السواد حيث الحراس يغطون في سبات عميق، علينا أن نسرع الخطى قبل أن تبدأ خيوط الفجر بالظهور . و بينما كنا نزحف ما بين الرمال ، سمعنا صوت البنادق يدوي في ارجاء الصحراء و كأنه الرعد و لم نكن نرى غير الشظايا الحمراء تكاد تخطف أبصارنا كأنها البرق . كنا محاصرين من كل الإتجاهات و لم يكن حينها لدينا أي خيار إلا الإستسلام للموت الذي لا بد منه حيث إخترنا أن نموت احراراً على أن نموت ببطء داخل مخيم الإعتقال . حينها شعرت بخدر يسري في عروقي و نار تشتعل في صدري ، حاولت أن أتنفس لكن أنفاسي بدأت تنقطع رويداً رويدا ، سقطت على الارض و بدأت أنظر إلى السماء حيث النجوم بدأت تتلألأ في الفضاء و أصبحت أكثر إشراقاً و جمالاً عندها بدأت ابتسم سعيداً بما قد حصلت عليه من حياة حرة كريمة بعيداً عن سجن الحياة و ظلم الإنسان و جور الزمان و الغربة عن الاوطان و كأن لسان حالي يقول كما قال الإمام الحسين (ع): {وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما}

 

 

 

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فؤاد الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/12



كتابة تعليق لموضوع : رجال فوق الرمال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net