البُعد الفقهي لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحسين (عليه السلام): ((إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِـراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاحِ في أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أنْ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ)). ([1])
تحدثنا في حلقة سابقة عن البُعد السياسي لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام، وفي هذه الحلقة نحاول أنْ نسلط الضوء بإيجاز عن البعُد الفقهي لها
- ثانياً: البُعد الفقهي.
إنَّ هذا البُعد يمكن قراءته في هذا النص من خلال المقطع الآتي: ((أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ))، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الفرائض الإسلامية التي أوجبها الله تعالى على عباده، وقد بيَّنت الشريعة المقدسة ما يتعلق بها من شروط وواجبات، وقد أكد القرآن الكريم على ذلك من خلال آيات متعددة، بل عُدَّ الأساس لجعل هذه الأمة من خير الأمم، قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ ([2]) أي إنَّ هذه الأمة هي خير الأمم ما دامت قد التزمت بهذه الفريضة العظيمة، بل هو أول أُسس الحكم بين الناس لتحقيق سعادة المجتمع قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾ ([3])، وفي التأكيد على عظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((إنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ سبيلُ الأنبياءِ، ومنهاجُ الصلحاءِ، فريضةٌ عظيمةٌ بها تُقام الفرائضُ، وتأمنُ المذاهبُ، وتحلُّ المكاسبُ، وتردُّ المظالمُ، وتعمَّرُ الأرضُ، ويُنتصفُ من المظلوم، ويستقيمُ الأمرُ)). ([4])
فالحسين (عليه السلام) أراد أنْ يعلن بأنَّ الأمة قد وصل الحال بها حيث وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن أنْ يخالف المسلمون ذلك، والحسين أوَّلُ مَنْ سيقوم بهذا الواجب دون غيره، فيجب على المسلمين بالتالي أنْ يقوموا بتأدية واجبهم الشرعي الذي يوجب عليهم الأمر بالمعروف وإلا فمعصية الله تعالى، إنَّ الحسين (عليه السلام) أراد أنْ يؤكد على إنَّ الأمر بالمعروف من أعظم الفرائض التي يجب على الأمة أنْ تتعاهده وتقوم به مهما كان للأمر من نتيجة ذلك، وإنْ أدى إلى قتل النفس، فإنَّ ذلك هو صورة من صور الجهاد التي أوجبه الله تعالى، وهذه صورة ورسالة واضحة للأمة كلها بوجوب الخروج ضد أمثال هؤلاء الحكام للحفاظ على مبادئ الشريعة المقدسة سواء كان ذلك الحاكم يزيد أم غيره، وهذه مصداقية لمشروعية هذه الثورة العظيمة، حيث لا يمكن أنْ يُنكر أحدٌ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقرآن الكريم يبيِّنُ لنا في كثيرٍ من آياته عن سيرة الأنبياء (عليهم السلام) ودعوتهم التي كانت قائمة على نشر الخير والمعروف في المجتمع ونبذ الشرك والمنكر منه ..
وهذا -فيما أعتقد- درس بليغ للمسلمين في التأمل والتفكير في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون الرضا بأسباب ورؤى خانعة، تؤدي بالتالي إلى التخاذل وضياع المبادئ للأمة، والرجوع بالإسلام والمسلمين إلى الوراء، حتى يصل الأمر إلى ما نحن عليه اليوم في أماكن متعددة حيث القرار والرأي بأيدي المفسدين دون الصالحين والمصلحين.
([1]) مقتل الحسين (عليه السلام)، عبد الرزاق المقرم ص139
([2]) سورة آل عمران: الآية 110
([3]) سورة الحج: الآية 41
([4]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري ج5 ص1943 باب (فعل المعروف).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat