ما هكذا يتحدث كبار العلماء يا معالي الشيخ صالح اللحيدان
د. أحمد بن عثمان التويجري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  د. أحمد بن عثمان التويجري

رئيس منظمة العدالة الدولية
عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود وعضو مجلس الشورى السعودي سابقا
 
يسوؤني شيء بقدر ما تسوؤني رؤية أحد من المحسوبين على العلم الشرعي في موقف لا يليق به ولا بالعلم الشرعي الذي يحمله. وقد ذهلت أشد الذهول عندما شاهدت قبل أيام برنامج الجواب الكافي الذي تبثه قناة المجد والذي كان ضيفه معالي الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله عضو هية كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ، والذي تعرض فيه لقرار خادم الحرمين الشريفين حفظه الله المتعلق بإشراك المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية ، فقد قال معالي الشيخ صالح حفظه الله كلاماً غريباً يصعب تصور صدوره حتى من صغار طلبة العلم الشرعي ، سواء أكان ذلك من حيث مضمون الكلام أم حيث صياغته. ونظراً لأن ما قاله معالي الشيخ حفظه الله في البرنامج المشار إليه قد أحدث بلبلة لدى كثير من الناس وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة ، وشرق وغرب به المحبون والشانئون ، بل وأدى إلى التشكيك من قبل بعض الناس في مدى صدق كون خادم الحرمين قد استشار مجموعة من العلماء حول مشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية ، فقد وجدت لزاماً علي أن أجلو ما في كلام معالي الشيخ صالح من إشكالات ، وما انطوى عليه من أمور لا يُقر عليها الشيخ وفقه الله بياناً لما أعتقد إنه الحق وأداء للواجب الشرعي في هذا الشأن.
 
أولاً : إن من الواضح أن معالي الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله مستاء من كون خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لم يستشره ضمن من استشارهم قبل اتخاذه قراره بإشراك المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية ، وكل ما قاله معالي الشيخ صالح حفظه الله في البرنامج المشار إليه لم يخرج في حقيقة الأمر عن دائرة هذا الاستياء والإيحاء بأنه كان من الأولى على الملك حفظه الله أن يستشير معالي الشيخ صالح قبل كل الآخرين لاعتبارين مهمين في نظر معالي الشيخ ، أولهما كونه أقدم أعضاء هيئة كبار العلماء والثاني لكونه ممن رشحهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله لعضوية الهيئة.
ولو عمل معالي الشيخ صالح حفظه الله بعلمه وما يعتقده فيما يتعلق بالاستشارة والشورى ، ذلك العلم وذلك الاعتقاد اللذين عبر عنهما بوضوح وصراحة في بداية حديثه المشار إليه ، لما وجد مبرراً لاستيائه على الإطلاق . يقول الشيخ صالح حفظه الله ما نصه : " على كل حال بالنسبة للشورى وما يتعلق بها كان رأيي أصلا في الشورى أن تترك لولي الأمر ولا يكون بترشيح من الناس لأن المستشار يرجع أمره إلى المستشير ، و الشأن في أمة الإسلام أن ولي الأمر لا يفرض عليه أناس يستشيرهم ولا يحل ، فإذا كان وضع ولي الأمر أنه يحتاج إلى أن يفرض عليه فمعناه انه ليس أهلا للولاية" . وإذا تجاوزنا الخطأين اللغويين الفاحشين في هذا الكلام الركيك الصياغة ، فإن من لوازمه على معالي الشيخ صالح حفظه الله ألا يستاء من عدم استشارة خادم الحرمين الشريفين له ، فقد أعطى الشيخ صالح ولي الأمر الحق الكامل في اختيار من يراه أهلاً للمشورة وعدّ إلزام ولي الأمر بمن يستشيره قدحاً في أهليته ؟ ، وماذا سيكون رد معالي الشيخ إذا قيل له: إنه بناء على ما أصلته فإن من معاني موقفك أنك تقدح في أهلية خادم الحرمين الشريفين للولاية ؟
وفي جانب آخر يقول معالي الشيخ حفظه الله في حديثه ما نصه : "فولي الأمر إذا اختار أحدا يستشيرهم لا يقال لا يحق لك أن تستشير أحد" ، ومرة أخرى مع تجاوز الخطأ اللغوي الفاحش في هذه العبارة ، فإنها تناقض موقف معالي الشيخ العملي ، فإذا كان معالي الشيخ حفظه الله يعتقد أنه لا يجوز أن يفرض على ولي الأمر أناس يستشيرهم كما لا يجوز أن يقال له إنه لا يجوز لك أن أن تختار من تستشيرهم ، فلماذا يعتب الشيخ حفظه الله على الملك إذا اختار أن يستشير أناساً دون أناس ؟ ولماذا يظهر معالي الشيخ صالح ولو تلميحاً في موقف المعارض لما قام به الملك حفظه الله ؟ ولو تأمل معالي الشيخ حفظه الله في هذه المسألة بعيداً عن حظوظ النفس لوجد أن كل ما قام به خادم الحرمين الشريفين في استشارته بعض العلماء دون بعض حول مشاركة المرأة ما هو إلا تطبيق عملي لحقه المشروع حسب المبدأ الذي يؤمن به الشيخ صالح إيماناً راسخاً ، فلماذا العتب ولماذا التعبير بما يوحي بعدم الرضى ؟.
قال الشاطبي في الموافقات :" وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات" ، وذكر إن أولها : "العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقا لفعله فإن كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه ولا أن يقتدى به فى علم وهذا المعنى مبين على الكمال فى كتاب الاجتهاد".
 
ثانياً : لا أعلم ما الدليل الشرعي الذي بنى ويبني عليه معالي الشيخ صالح حفظه الله موقفه في مسألة الشورى . فليس في حديث الشيخ المشار إليه أي استناد على أي دليل شرعي سوى أثرين لا علاقة لهما بالشورى على الإطلاق ، أولهما ما نسبه معالي الشيخ صالح إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو قوله: " لو كان بيني وبين الناس خيط ما أذنت أن ينقطع ذلك الخيط" ، ولم أجد أثراً لهذا القول بهذه الصيغة ولا لنسبته إلى معاذ رضي الله عنه ، وإنما المشهور هو ما رواه ابن حبان في روضة العقلاء عن معاوية رضي الله عنه موقوفاً قال: " أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الصَّيْدَاوِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْمَدَائِنِيِّ ، قَالَ : قَالَ مُعَاوِيَةُ : " لَوْ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةٌ مَا انْقَطَعَتْ ، قِيلَ : وَكَيْفَ ؟ قَالَ : لأَنَّهُمْ إِنْ مَدُّوهَا خَلَّيْتُهَا، وَإِنْ خَلَّوْهَا مَدَدْتُهَا " ، وثاني الأثرين أثرٌ أخطأ معالي الشيخ في نسبته أيضاً حيث نسبه إلى عمر رضي الله عنه بينما الثابت أن قائله الصحابي سهل بن حنيف رضي الله عنه ، كما أخطأ في رواية متنه رغم أنه في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم ، ونص رواية البخاري: "حدثنا عبدان ......... عن أبي وائل قال: قال سهل بن حُنَيف: يا أيها الناس اتَّهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتُني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته، وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر يُفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير هذا الأمر. قال: وقال أبو وائل: شهدت صفِّين وبِئْسَتْ صفِّين"، ونص رواية مسلم: " حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ........... عن شقيق قال سمعت سهل بن حنيف يقول بصفين أيها الناس اتهموا رأيكم والله لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته والله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا لم يذكر ابن نمير إلى أمر قط، وحدثناه عثمان بن أبي شيبة وإسحق جميعا عن جرير وحدثني أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد وفي حديثهما إلى أمر يفظعنا".
 
ثالثاً : إن من المحزن والمؤلم ألا يفرق معالي الشيخ صالح حفظه الله بين الاستشارة والشورى. فمعظم كلامه إن لم يكن كله إنما هو عن الاستشاره ، وإن استخدم لفظة الشورى ليعبر عن الاستشارة ، ولفائدة معالي الشيخ حفظه الله فإن ما قاله عن الاستشارة ليس مقصوراً على ولي الأمر بل إنه ينطبق على كل راشد من الناس كل الناس ، فليس لأحد أن يلزم أي أحد باستشارة أي أحد. أما الشورى فمصطلح شرعي علمي محدد المعنى من مصطلحات السياسة الشرعية ، ويقصد به أوجه تحقيق ما أوجبه الله عز وجل على المؤمنين من أن يكون أمرهم شورى بينهم ، أي نظام استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور المتعلقة بها. ومن حقنا أن نعتب على معالي الشيخ حفظه الله حين تختلط عليه مثل هذه الأمور البدهية، كما إن من واجبنا أن نذكره حفظه الله بأن المؤمنين لا خيرة لهم في أن يكون أمرهم شورى بينهم أو لا يكون ، حيث قد حسم الله عز وجل هذا الأمر بقوله : " وأمرهم شورى بينهم" ، ولم يستثن الله عزّ وجلّ أحداً من المؤمنين في هذا الشأن لا حاكماً ولا محكوماً ، وأما الكيفية أو الآلية التي تتم بها الشورى فهي مسألة اجتهادية وهي في نظري من ضمن ما يجب أن يكون شورى بين المؤمنين.
 
رابعاً : لم يبيّن معالي الشيخ صالح حفظه الله موقفه من مسألة مشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية ، ولا ندري رغم كل ما قاله في البرنامج هل هو مؤيد لقرار خادم الحرمين الشريفين أم معارض له. والواجب الشرعي يفرض على معالي الشيخ إن كان مؤيداً للقرار أن يثني عليه ويظهر محاسنه ويوضح المستند الشرعي له إما نصاً أو استصحاباً حتى وإن لم يكن منضمن من استشارهم الملك حفظه الله ، وإن كان معارضاً للقرار فإن من أوجب واجباته أن يبيّن بالدليل الشرعي ما يبرر معارضتة له ، ولا أظن إلا أن خادم الحرمين الشريفين وكل العلماء الذين استشارهم سيعودون إلى الحق إذا تبيّن لهم أنه مع الشيخ صالح.
 
خامساً : إن من أعجب العجب أن يتمنى معالي الشيخ صالح حفظه الله أن خادم الحرمين لم يقل إنه استشار بعض أعضاء هيئة كبار العلماء ! وأعجب منه قوله حفظه الله : "ما كان بودي أنه يذكر أحداً يقول (أي الملك) : إني رأيت هذا الأمر وإذا كان فيه تحريم فعلى من يرى التحريم أن يقدم" ، فهل نفهم من هذا القول العجيب أن معالي الشيخ صالح حفظه الله يفضل أن يستبد الحكام بآرائهم وقراراتهم فلا يستشيرو أحداً على الإطلاق حتى العلماء؟ وهل نفهم منه أن معالي الشيخ حفظه الله يرى أن الحكمة تقتضي أن تتخذ القرارات من قبل كل حاكم وبشكل منفرد قبل التأكد من حرمتها وحلها ؟ وإذا كان الاعتراض على القول وليس الفعل ، فلماذا كان بود معالي الشيخ أصلاً أن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لم يقل ما قاله؟ هل فيما قاله حفظه الله أي مخالفة شرعية أو أي أمر لا يليق بولي أمر أن يقوله ؟
 
سادساً : إن من المفترض أن يكون العلماء من أدق الناس عبارة وأكثرهم انضباطاً في الحديث سواء أكان ذلك من حيث مضامين الكلام أم من حيث صياغته ، وهذا ما لم يلتزم به معالي الشيخ صالح حفظه الله في حديثه المشار إليه بل إن في حديث معالي الشيخ ما لا يليق أن يصدر حتى من العوام ، ولقد أحصيت ما لا يقل عن ثلاثة عشر خطأً ومأخذاً على حديثه المشار إليه والذي لم تتجاوز مدته أربع عشرة دقيقة كان الشيخ فيها يتكلم بأناة شديدة ويتمهل في اختيار عباراته . ولكي لا يظن ظان أنني أبالغ في هذا القول ، فإنني أورد ما أحصيته من الأخطاء والمآخذ متجاوزاً عن أمور أخرى يمكن أن تعد من ضمن المآخذ:
 
1- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : " و الشأن في أمة الإسلام أن ولي الأمر لا يفرض عليه أناس يستشيرهم ، ولا يحل" ، وأقول: إن الجملة الأولى فيها خلط بين الاستشارة والشورى كما أسلفت ، وهي تنطبق على الاستشارة وليس الشورى. أما الحق الذي يقرره معالي الشيخ في مسألة الاستشارة فإنه ليس مقصوراً على ولاة الأمر وحدهم كما توهم عبارة الشيخ ، وإنما هو حق لكل الناس كما بينت من قبل فليس لأي أحد أن يلزم أي أحد باستشارة أي أحد. أما الشورى فهي حق للأمة وواجب عليها ، وهي ليست استشارة لولي الأمر أن يطلبها أو لا يطلبها وإنما هي واجب على الأمة في شؤونها العامة. وأما قول الشيخ: "ولا يحل" فجملة مبتورة ، حيث لم يبيّن معالي الشيخ ما هو الذي لا يحل ولا المستند الشرعي لعدم حله.
 
2- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : "فولي الأمر أُمر الناس أن يسمعوا ويطيعوا حتى ولو رأوا أنه أخطأ" ، وأقول: لا أعتقد أن أحداً يوافق معالي الشيخ على هذا القول على عمومه ، بل إن معالي الشيخ نفسه لا يمكن أن يصر عليه ، لأن من لوازمه أن المسلمين مأمورون بأن يطيعوا ولي الأمر حتى في معصية الله ، وهذا لا يقول به أحد. ثم أليس الواجب من حيث الصياغة فقط أن تكون الجملة: "فولي الأمر أمر الناس أن يسمعوا ويطيعوا له" وليس ” فولي الأمر أمر الناس أن يسمعوا ويطيعوا".
 
3- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : "بالنسبة لي كان ودي أن ولي الأمر لم يقل إنه شاور هيئة كبار العلماء كلها أو بعضهم" ، وقد كان الواجب أن يقول معالي الشيخ إما: "هيئة كبار العلماء كلها أو بعضها" ، أو يقول : " هيئة كبار العلماء كلهم أو بعضهم" .
 
4- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : ”ما كان بودي أنه يذكر أحداً يقول إني رأيت هذا الأمر وإذا كان فيه تحريم فعلى من يرى التحريم أن يقدم" ، وهذا قول عجيب سأناقشه في موقع آخر ، أما الجملة كما هو واضح فمبتورة ، حيث لم يبيّن معالي الشيخ ما الذي على من يرى التحريم أن يقدمه.
 
5- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : "أنــا عضو في هيئة كبار العلماء ولم يبق في هيئة كبار العلماء من جلس أول جلسة فيها إلى يومنا هذا إلا أنا وعبد الله بن منيع وجميع أعضاء الهيئة إنما جاؤوا اليوم" ، وأقول : هل حقاً إن من سوى معالي الشيخ صالح ومعالي الشيخ عبدالله بن منيع من أعضاء هيئة كبار العلماء إنما جاؤا إلى الهيئة اليوم ؟ ثم أليس قوله حفظه الله : "وجميع أعضاء الهيئة" يشمله ويشمل معالي الشيخ عبدالله المنيع ؟ أولم يكن الواجب أن يقول: "وبقية أعضاء الهيئة إنما انضموا إليها بعد ذلك" ؟
 
6- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : "والهيئة سميت قبل ذلك سماها الشيخ محمد بن إبراهيم للملك فيصل وكانوا يغلب على ظني أنهم أربعة عشر شخصا" ، وما قصده معالي الشيخ حفظه الله هو إن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رشح أعضاءها للملك فيصل رحمه الله ، وأما تسمية الهيئة فأمر آخر في اللغة والاصطلاح لا علاقة له بترشيح أعضاء الهيئة.
 
7- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه": بالنسبة للشورى وما يتعلق بها كان رأيي أصلا في الشورى أن تترك لولي الأمر ولا يكون بترشيح"، وقد كان الواجب أن يقول: "ولا تكون بترشيح".
 
8- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه: "فولي الأمر إذا اختار أحدا أن يستشيرهم" ، وقد كان الواجب أن يقول: ""فولي الأمر إذا اختار أحدا أن يستشيره" ، وليس يستشيرهم
 
9- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : "ولي الأمر واجبه عظيم ومسؤوليته كبيرة ويتسامح له بما لا يتسامح للناس الآخرين" ، ولا أدري ما مستند الشيخ على هذا القول الغريب ، ولا ما هو الذي يتسامح لولي الأمر فيه ؟ فالمعلوم هو إنه إذا واجب ولي الأمر عظيمً ومسؤولياته كبيرة (وهما كذلك دون أدنى شك)، فإن من لوازم عظم الواجب وكبر المسؤولية عظم وكبر المحاسبة ، لا العكس كما ذهب معالي الشيخ حفظه الله.
 
10- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه : "ولي الأمر المحدود الولاية إذا ارتكب أمرا ليس في الشرع تحريم له وارتكبه يلتمس له فيه العذر"، وليس من الواضح ماذا يقصد الشيخ بالمحدود الولاية ، حيث لا أعلم أن فقهاء الأمة فرقوا بين ولي أمر مطلق الولاية وولي أمر محدود الولاية ، وإنما المعلوم أن مصطلح ولي الأمر إذا لم يخصص فإنه يطلق على صاحب الولاية العظمى ، والتحديد إنما يرد على الولايات دون الولاية العظمى كالوزارة والقضاء وما في حكمها. غير إن الأمر الأهم هو إن ما ليس في الشرع تحريم له لا يسمى إتيانه ارتكاباً ، إذ الارتكاب مقترن بالأمور المحرمة ، وإتيان الحلال لا يعبر عنه بالارتكاب ولا يستوجب التماس العذر لصاحبه. وإن من أعجب العجب أن يصدر مثل هذا الكلام بهذه الصيغة عن شيخ مارس القضاء وكان رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء ما يزيد عن أربعين سنة.
 
11- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه :" بالنسبة لما كنت أوده أنا لما سمعت الكلمة كلمة خادم الحرمين الشريفين وما جاء في الإسشارة بدون شك أنا لم أعلم شئ قبل سماعي لكلمة خادم الحرمين الشريفين أنا حين رأيت نزول من كانوا مع خادم الحرمين الشريفين قبل أن يخرج إلى المنصة سماحة المفتي وبعض أعضاء الهيئة كرئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح الحميد وعبد الله بن محمد رئيس مجلس الشورى وأظن وأنا لم أكن متأكد من كان معهم من الأعضاء أنا لم أكن ترى أرفع رأسي أنظر من ينزل لأني حتى لا أحرج أحدا يأتي ليضطر للسلام علي فما كنت لكن لما خرج الملك لا صرت أنظر اللي ينزل" . وقد حاولت جاهداً أن أجد أي معنىً لهذه الطلاسم وهذه العبارات التي لا يربط بينها رابط فلم أستطع ، كما حاولت جاهداً أن أجد لها أي غرض معقول فلم أوفق ، وهذا غير مقبول من أي أحد فكيف بشيخ يرى أنه أولى من كل من سواه من علماء المملكة بتقديم المشورة إلى ولي الأمر.
 
12- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه :" وأكرر إعتذاري للمسؤولين فيما يتعلق بأمور السجناء أوما يظنه كثير من الناس مخالفات أن يتهموا آراءهم" ، ومرة أخرى فإننا أمام طلاسم بحاجة إلى تفكيك وترجمة ، فمن هم المسؤولون الذين يكرر الشيخ اعتذاره لهم ؟ ومن هم السجناء الذين يقصدهم ؟ وما هي أمورهم التي أوجبت اعتذار الشيخ ؟ وما هي المخالفات التي يظنها كثير من الناس ؟ ، ومن هم هؤلاء الناس الذين يشير إليهم الشيخ ؟ وما علاقة معالي الشيخ بهذا الأمر ليكرر اعتذاره ؟ ومتى كان اعتذاره الأول الذي يكرره الآن وعن أي شئ كان ؟ وما علاقة كل هذه الطلاسم بموضوع مشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية ؟
 
13- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه :"الإنسان لا إذا رأى رأيا ظن أنه كما يقول ذاك أنه رجل الدنيا وواحدها ، لا من ظن أنه كامل الرأي فليعرض آراءه على الكمل ليتبين له مدى صحة رأيه أو مدى الخلل فيه " ، وإلى جانب ما في الجملة الأولى من الركاكة اللغوية التي لا تقبل حتى من أنصاف النتعلمين أقول: ليت معالي الشيخ صالح حفظه الله التزم بمضمون هذا القول وبدأ بنفسه لأراح واستراح
 
14- قال معالي الشيخ حفظه الله ما نصه :"أنا أجزم أنه لا أحد لا من الولاة ولاة الأمر ولا من حولهم ولا ممن يعيشون في سائر بلادنا لا أعتقد أنه أحداً أنصح مني لهذه الدولة وأغير عليها وأشد اهتماما لحفظها مني" ، وأقول يا سبحان الله ! ، هل معالي الشيخ حفظه الله يعلم الغيب ؟ وهل كشف حفظه الله عن قلوب كل سكان المملكة حكاماً ومحكومين ومواطنين ومقيمين ليتوصل إلى هذا الاستنتاج العجيب وبهذه الدرجة من اليقين التي جعلته يقول: "أجزم" ؟ وهل هذا النوع من تزكية النفس مما يليق بأي إنسان مسلم دع عنك بشيخ وعضو في هيئة كبار العلماء ؟ وما علاقة هذه التزكية بمناقشة قرار يتعلق بمشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية ؟ ثم ألم يفطن معالي الشيخ حفظه الله إلى أن من الممكن أن ينظر كثير من الناس داخل المملكة وخارجها إلى كلامه هذا على أنه نوع من التزلف الممقوت الذي لا يليق بأي أحد ؟ وهل فكر معالي الشيخ حفظه الله ولو للحظة واحدة في الآثار السلبية لهذا القول أولاً عليه هو شخصياً ثم على المملكة وعلمائها بوجه عام ؟
 
سابعاً: إن من غير الواضح لي وجه التلازم بين كون معالي الشيخ صالح حفظه من أقدم أعضاء هيئة كبار العلماء وأنه رشح لعضوية الهيئة من قبل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، وبين ضرورة أن يكون من ضمن من يستشيرهم الملك حفظه الله ، فلا تلازم منطقي بين الأمرين على الإطلاق. حيث قد يكون أصغر أعضاء الهيئة سناً وأحدثهم تعييناً ومن لم يرشحه أي عالم على الإطلاق ، أولى بكثير لأخذ رأيه واستشارته ممن سواه ، إذ إن المعول الحقيقي في هذا الشأن إنما هو على رسوخ العلم ورجاحة العقل والتخصص والورع ، وليس على وقت التعيين أو الطريقة التي تم بها الترشيح للمنصب.
 
ثامناً: إن ما قام به خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ووفقه لكل خير واجب شرعي وحق من حقوق المرأة ، بل وحق من حقوق المجتمع ، فالنساء شقائق الرجال ، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، والنساء متساويات مع الرجال في حقوق المواطنة ، وإن من النساء في مجتمعنا كثيرات ولله الحمد ممن يفقن كثيراً من الرجال في الاستقامة والعلم ورجاحة العقل والإخلاص وهن أولى بأن يكون لهن رأي في شؤوننا من كثير من غيرهن من الرجال ، كما إن ما قاله خادم الحرمين الشريفين عن استشارته عدداً من العلماء في هيئة كبار العلماء وخارجها حق لا يجادل فيه إلا مكابر وهو مما يحمد له حفظه الله ، بل إنه من فضائله الكبرى ، والحمد لله أنه يقدر العلماء وينزلهم منازلهم ويحرص على الاستنارة بآرائهم ، وأما عدم استشارته لمعالي الشيخ صالح اللحيدان فليس مأخذاً عليه على الإطلاق بل هو دليل على معرفته بمن بصلح لكل مسألة ومن لا يصلح ، ورحم الله البحتري الذي قال:
إذا مَحاسنيَ اللاتي أدل بهاكانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر ؟
ومع احترامي الشديد لمعالي الشيخ صالح حفظه الله ، فقد كنت ولا زلت من ضمن من يعتقدون أنه حفظه الله من الناحيتين العلمية والفقهية ليس من العلماء الأفذاذ ولا من الراسخين في العلم ، وهذا الرأي ناتج عن متابعة طويلة لكثير من دروسه وأقواله وأفعاله ، وهو رأي لا أنفرد به وإنما أشارك فيه كثيرين ممن يعتد برأيهم ، ووجوده في هيئة كبار العلماء إنما كان للمناصب الرسمية التي كان يتولاها ، وأظن أن أي نظرة متفحصة ومتجردة لموقع معالي الشيخ الإلكتروني ستبين هذه الحقيقة ، فليس له حفظه الله أي مصنف علمي معتبر سوى مقالات ليس فيها أي جديد ، وليس في دروسه أو فتاواه ما يتميز به عن غيره من طلبة العلم ، بل إن معظم أجوبته على أسئلة المستفتين خالية من الأدلة الشرعية وهي أقرب إلى المواعظ منها إلى الفتاوى الشرعية المؤصلة.
 
تاسعاً : إنني أود أن أؤكد أنه ليس بيني وبين معالي الشيخ صالح حفظه الله أي خلاف على الإطلاق لا على المستوى الشخصي ولا على المستوى المهني ، ولم ير مني حفظه الله طيلة معرفتي به إلا كل التقدير والاحترام لأسباب على رأسها كبر سنه والموقع الذي كان يتولاه ، وفي المقابل فقد كان حفظه الله يقدرني ويوليني عنايته ولم ألتق به سواء في مكتبه أو منزله إلا وذكرني برابطة نسب بين أسرتينا ، ولكن كل ذلك لا يحول دون قول الحق ولا النقد الموضوعي بأي شكل من الأشكال.
 
أخيراً إن الواجب والمأمول أن يكون معالي الشيخ صالح وكل علماء المملكة ومشايخها ودعاتها ، حفظهم الله جميعاً ، في مقدمة المطالبين بتطوير الشورى وتوسيع دائرتها ، لا أن يكون أي منهم من المعطلين لها والمعيقين لتطورها أو المثيرين للبلبلة حول قرارات ولي الأمر الرامية إلى النهوض بها ، كما إن الواجب والمأمول أن يكونوا جميعاً أعظم سند لولي الأمر في كل خطوة إصلاح يتخذها بل أكبر حاثين عليها ومطالبين بها
ولقد قلت مرّات ومرات وفي مواطن عدة من قبل وأعيد القول الآن: إن من المؤلم والمحزن أن علماء الأمة وفقهاءها في القرون الأولى من تاريخ الإسلام كانوا يتحاورون ويتجادلون حول حقوق المرأة في الولايات الكبرى وتتسع صدورهم حتى لمن كان يرى أن لها حق الولاية العامة بإطلاق ومن ضمنها الولاية العظمى ، بينما نتجادل نحن ونكاد نتقاتل في هذه المرحلة من التاريخ حول أمور ليست من الولايات العامة في شيء وإنما هي من أبسط حقوق المرأة ومن أوجب الواجبات تجاهها.
إنني أغتنم هذه المناسبة لأناشد جميع العلماء والدعاة وطلبة العلم الشرعي في المملكة أن يكونوا أول وأكثر المطالبين إلحاحاً بإنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها المشروعة ، وأن يكونوا هم السند الأول لها بعد الله عزّ وجلّ في رفع المظالم التي وقعت عليها سواء من الأفراد أم من المجتمع ، كما أناشدهم أن يكونوا جميعاً قادة ورواداً في مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز للإصلاح الديني والسياسي ، وجنوداً فاعلين في كل خطوة خيرة يتخذها للنهضة بالمجتمع والدولة ، فهم أحق وأولى الناس بكل ذلك ومسؤوليتهم عنه عند الله عز وجل أكبر من غيرهم.
 
إنني أعلم أن هناك من الشباب المتحمس من سيضيق صدره بهذه المقالة إما حمية عاطفية في نصرة معالي الشيخ صالح وإما ظناً منه أن فيها انتقاصاً من مكانة العلماء ، ولهؤلاء أقول: إن تاريخي ولله الله الحمد والمنة شاهد على غيرتي على العلماء والذب عن أعراضهم في السر والعلن ، ولكن الحق أحق أن يتبع ، والنقد العلمي الموضوعي يجب أن يقبله الجميع وليس فيه انتقاص لأي أحد ، وهو واجب شرعي وأخلاقي على كل قادر عليه ، ولا يمكن أن تستقيم أحوال الناس إلا بممارسته ، وعلينا جميعاً أن نتعود على سماعه. وقبل ذلك وبعده فلا عصمة لأي أحد من الناس إلا من عصمهم الله في تبليغ رسالاته . وإذا وجد أحد في مقالتي هذه خطأ فليبينه لي وسأشكره وأدعوا له وسأعلن اعتذاري وتراجعي عنه وعن كل خطأ بلا تردد بإذن الله.
كما أعلم أن هناك من سيقول: إنه كان من الواجب علي أن أناصح معالي الشيخ صالح سراً بهذه الملاحظات ، ولهؤلاء أقول : إن انتشار ما قاله معالي الشيخ صالح في وسائل الإعلام المختلفة وما أحدثه من بلبلة في أذهان كثير من الناس ، بل وما أدى إليه من التشكيك في صدق كون خادم الحرمين الشريفين حفظه الله قد استشار العلماء ، كل هذا يستوجب أن تكون الاستدراكات على معالي الشيخ معلنة وهذا أمر يعلمه أهل الفقه . وفقنا الله جميعاً إلى ما فيه الحق والخير وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله من قبل ومن بعد

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د. أحمد بن عثمان التويجري

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/17



كتابة تعليق لموضوع : ما هكذا يتحدث كبار العلماء يا معالي الشيخ صالح اللحيدان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net