المثقف الرسالي بين رغبة التجديد ....وضغوط المجتمع !
عبد الهادي البابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من يثورعلى واقع فاسد ، ويعلن عليه حرب الأصلاح والتغيير ، لابد أن يتوقع ردة الفعل الأولى من المجتمع ، المتمثلة بصيحات الجامدين، وهجمات الحاقدين، وأستثارة الغافلين، وتلك حقيقة يعرفها المجددون، ذلك لأن طريق الأصلاح والتجديد ليس مفروشاً بالرياحين ، حيث أن المجدد يحمل رسالة التغيير ، إذاً فهو يحاول أن يحرك مجتمعاً راكداً منذ أمدٍ طويل ، فهو مثل من يحاول هدم جدار بمعوله ، فلابد أن يتوقع في الضربات الأولى ردة الفعل ،وأصتدام المعول في الجدار العنيد ..
أن المثقف المجدد يجب أن لايتوقع أن يكون طريقه مفروشاً بالرياحين ، لأنه يحمل معول التغيير لهدم جدران العبودية والجهل ،فهو كأبراهيم الخليل الذي حمل المعول وهدم الأصنام يتوقع أن يسبب ذلك له عذاباً مثل محاولة حرقه بالنار المتأججة كأنها الجحيم ...
فالمجتمع كلما كان أكثر ركوداً ، كلما كان أكثر حاجةً إلى من يحركه ،ولأنه راكد فهو يشبه الصخرة الصماء التي تتكسر عليها الأمواج في البداية ، ومع تكرار الأمواج تتحطم الصخرة ، وهكذا يتحرك المجتمع الراكد مع أستمرار أمواج الرسالي التي تتوالى دون كلل أو ملل .
وأول مايستند عليه المجتمع الراكد ، هو إنه يرفض التغيير ، ولقد سمع كل الأنبياء من قومهم هذا القول في مختلف العصور ،قال تعالى : [قالوا بل نتبع ماوجدنا عليه آباءنا ) لقمان 70..وقال تعالى ( إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون] الزخرف 23..
إنهم إذاً كانوا يرفضون التغيير ، ومن هنا كانوا يتشبثون بطريقة الآباء والأجداد لتبرير مقاومتهم لرسالة الأنبياء ،ولكن بسبب هذا الركود وتلك العقلية كان الله يبعث الأنبياء وينزل الكتب، ذلك لأن الله لايرسل نبياً إلاّ حينما تكون هنالك حاجة إليه ..إي حينما يكون المجتمع راكداً ويحتاج إلى التغيير ، يقول القرآن الكريم :[كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ] البقرة 213..ومن هنا فلا بد أن يتوقع الرسالي ضغطاً شديداً من قبل المجتمع الجامد ، ولا بد أن يقاومه كما قاوم كل الرساليين ضغط مجتمعاتهم ولم يتنازلوا عن رسالتهم وهدفهم ..
وقد يسأل البعض : كيف يمارس المجتمع الراكد الضغط على المثقف الرسالي ؟
والجواب : هناك الكثير من الوسائل والطرق التي يمارسها المجتمع ضد المثقف الرسالي منها – الدعايات المضادة وإتهامه بمختلف التهم أو الأستهزاء به وتحقيره وتكفيره وتكذيبه ومحاولة إعتقاله أو طرده أو تعذيبه، ومن ثم تهديده بالقتل !!
وقد تعرض كل الأنبياء والأوصياء وأتباعهم لهذه الأمور أما كلها أو بعضٍ منها، وأول تلك الدعايات هو رميهم بالسفه كما حدث بالنسبة إلى النبي هود عليه السلام يقول القرآن الكريم ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه أنا لنراك في سفاهةوإنا لنظنك من الكاذبين ) هود 67..وبعض الأنبياء أتُهم بالجنون وبعضهم أتهم بالسحر ، يقول تعالى ( كذلك ماأتى الذين من قبلهم إلاّقالوا ساحر أو مجنون )الذاريات 52..
وكم أنزل الله من آيات لتبرئة أنبيائه من السحر والجنون وخاصة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي أشاعوا حوله تهمة السحر والجنون بشكلٍ صّدقهُ منهم الكثيرون ..
قال تعالى ( أم يقولون به جُنّة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون )الطور 29
أما الأتهام الذي يوجهه المجتمع الراكد إلى بعض الأنبياء فهو أنواع ، منها مثلاً تهمة العمالة للأجنبي يقول تعالى :( وقال الذين كفروا إن هذا إلاّ أفك إفتراه وأعانه عليه قوماً آخرين ) الفرقان 4..وأما الأستهزاء فأن كل الأنبياء وحملة الرسالات يتعرضون له (قال ياحسرة على العباد مايأتيهم من رسولٍ إلا ّ كانوا به يستهزئون ) يس36.ز
أن أبناء المجتمع الراكد يستهزؤون بالرسالي والمصلح والمجدد،وينكتون عليه ويضحكون منه ،ويصنعون عليه المسرحيات وبذلك يحاولون إسقاط شخصيته !
أمّا التكفير ، فقد واجهه كل الأنبياء تقريباً ، لأنهم كانوا يريدون تغيير المجتمع وكانت العادات والتقاليد الأجتماعية البالية قد أتخذت صفة ( القدسية ) ولذلك فكل من كان يريد تغييرها أو إنتقادها كان يعتبر كافراً !!وهكذا يواجه كل رسالي تهمة المروق عن القدسيات الأجتماعية فيلاقي من المجتع الويلات والويلات !!
قال تعالى (قالوا إنْ أنتم إلا بشر تريدون أن تصدونا بسلطان مبين )أبراهيم 10 وكذلك تهمة الكذب ووصف أصحاب الرسالات بإنهم من الكّذابين والدجالين فهي من ( أكثر ) ماتعرض له المجددون الرساليون ..قال تعالى ( كلما جاء أمة ٍ رسولنا كذبوه ) المؤمنون 44 وقال تعالى كذبت قوم نوح المرسلين ) (وكذبت عاد المرسلين ) (كذبت قوم لوط المرسلين ) ....الخ
هذه هي بعض أنواع التُهم والدعايات التي يتعرض لها الرساليون ، والتي يجب عليه فيها أن يستمروا حتى يحققوا ماقاموا من أجله ، أن الصمود في مواجهة الأتهام والأستهزاء والتحقيروالأستمرار في الموقف ، هو الضمانة الوحيدة لقلب الموقف لصالح المثقف الرسالي ، أما التراجع أمام الأتهام، والأستسلام في مواجهة الأستهزاء والأنكماش في مقابل التحقير فهو دليل السقوط في الأمتحان ..
إن على المثقف الرسالي أن يعرف إنه في بداية تحمله للمسؤولية يتعرض لردة فعل المجتمع الراكد ، وإنه بصموده وصبره وشجاعته سرعان مايتحول الذين كانوا يستهزئون به ويتهمونه بأنواع التهم يتحولون الى أصدقاء ومحبين ، وعندها يشعر المثقف بأن جهوده لم تذهب سدى وهاهوالآن يقطف ثمار صبره ومعاناته في النجاح على تحريك مجتمعه وأهله ،وجلب أنتباههم الى طريق النجاة..
والحمد لله رب العالمين ..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عبد الهادي البابي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat