صفحة الكاتب : الشيخ محمد قانصو

نبيل ..
الشيخ محمد قانصو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عند الصباح, حين تستيقظ الشّمس وتغسل وجهها, وتحمل أشعة النور إلى معترك الحياة, أراهم زُرافات يتأبّطون العلم ويمضون, تضيق بهم الحافلات, وتزدحم بهم الشوارع, ورغم الطبقيّة التي تميّزهم, بين غنيّ تقلّه الحافلة إلى مدرسة الأغنياء, وفقير تجرّه قدماه إلى مدارس الفقراء, إلّا أنّهم رائعون حقّا ..
أسير خلفهم على مهل, ويسبقني إلى اللّحاق بهم طفل اسمه أنا, متلبّساً كلّ ما احتضنته طفولتي من البساطة, مسترجعاً كلَّ الفرح المنسرح على دروب الذكريات. وأتيه في غمرة التفكّر بين الطفولة والرجولة, فتوقظني من الحلم المستحيل خفقة قلب مشبع بالألم ..
أعود إلى الحاضر لألمح بين خطوات الزُرافات الجميلة طفلاً متيبّساً أمام محل لتصليح السيارات, وقد اكتسى جسمه ملابس رثّة تشرّبت زيوتاً وتشبّعت غبار الطرقات.
 استوقفني المشهد, واقتربت من الطفل مبادراً بسؤاله عن اسمه, فتنفّست حنجرة صغيرة بأحرف مرتجفة, وانفرجت شفتا ابن الحادية عشرة عن همس رقيق كفأس هشّم ضلوع الروح الشفوقة: نبيل!
دفعتني اللجاجة المشفوعة بالشفقة لاستنطاق الطفل عن علّة وجوده في هذا المكان, ولأيّ عذر لم يكن بين رفاقه على مقاعد العلم؟ ومرة أخرى صفعني القدر المرّ بكفّه الرعناء حين تدفّق البؤس من شفتي نبيل ليحكي حكاية اليتم والفاقة, ليخبر عن عيون الأطفال الحالمة بالفرح, عن الذين عصموا ضمائرهم من خطيئة التبعيّة للخوف, والاستزلام للباطل, عن النساء المريميات اللواتي استعصمن بالشرف, وتجمّلن بالصبر, عن البذور النابتة في الظلّ تنتظر الشّمس لتنفخ فيها روح الحياة ..
نظرت إلى كفيّ نبيل, وقد لوّنهما التعب, وأخفى معالم الطفولة عن أصابعهما الصغيرة, فلم أقوَ على التجلّد والاحتمال, وكيف يحتمل القلب المشظّى حراب الجفون المتعبات ؟!..
.. ولأنني لا أهوى تضميد الجراح بطيّون الكلام, استدرت راجعاً من مكاني, تاركاً لنبيل قدره الذي رسمته يد القسوة, وابتدعته شريعة الحجر..
يا أصدقائي ..  في بلادنا المنتشية بأمجاد الشعراء, ومعلّقات الوهم في سوق الجهالة, تستفحل الأميّة عاراً, يُحرم الأطفال تهجئة الوجود, وعلى مسافة من الاستهلاك والبداوة, تتعالى أغنيات الفخار على منابر حكّام كذبة يوصدون بالجهل نوافذ العقل..
لنبيل الذي سرقه الفقر من مدرسته, وحرمته أنظمة التجهيل حقّ المعرفة, لكلّ نبيل في هذا الوجود نزل إلى الشارع, ليكون نبضاً وورداً في زمن الربيع العربيّ, تتطلّع العيون وتنعقد الآمال بالغد الواعد..
 Cheikh_kanso@hotmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد قانصو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/16



كتابة تعليق لموضوع : نبيل ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net