وَلا بَعْدَ [٥٠٠] سَنَةٍ! [١]
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

إِستمَعَ صديقٌ لي من النَّشء الجديد [ولأَوَّل مرّةً] إِلى منلوجٍ قديمٍ للشَّاعر العراقي الرَّاحل عزيز علي [١٨٩٨ - ١٩٩٨] يصفُ فيه الحال آنذاك، فبعثهُ لي مُتسائلاً باستغراب؛ هل يُعقلُ أَنَّ حالنا لم يتغيَّر على مدى (٥٠) عاماً؟! فكأَنَّ المنلوج يصفُ حالَنا اليوم بكلِّ تفاصيلهِ؟! فأَجبتهُ؛
ولا بَعْدَ (٥٠٠) سنة!.
لماذا؟! سأَلني!.
قلتُ لَهُ؛ الجوابُ، بكلِّ بساطة، لأَننا لا نقرأ التَّاريخ وإِذا قرأناهُ فللتَّسليةِ وليس لِنتعلَّم مِنْهُ! وإِذا تعلَّمنا مِنْهُ شيئاً لم نلبث أَن ننساهُ أَو نستثني أَنفسنا من دروسهِ لاعتقادِنا بأَنَّنا [غَير شِكِل] ولذلك يتكرَّر عندنا التَّاريخ كلَّ عقدٍ أَو عقدَين وبأَسوء الأَشكالِ!.
إِنَّ مَن يُطالع مذكَّرات العراقييِّن من الأُدباء والسِّياسيِّين والفنَّانين والعُلماء والحزبيِّين وغيرهِم ومن مُختلفِ الخلفيَّات والمشارب فسيجد هذه الظَّاهرة عندنا ملفتةٌ للنَّظرِ كثيراً! فالعراقُ مثلاً هو البلد الوحيد في المنطقة الذي تعرَّض للغزو الأَجنبي [٣] مرّاتٍ خلال قرنٍ واحِدٍ وهي المُدَّة الزَّمنيَّة الممتدَّة من عام [١٩١٧] عندما غزتهُ القُوَّات البريطانيَّة إِبَّان الحَرْبِ العالميَّة الثَّانية ولحدِّ الآن!.
وهو البلد الوحيد في العالَم الذي يمتلك الحاكمُ فيهِ ميليشيا مسلَّحة! سواء أَكان هذا الزَّعيم هو [القائد الضَّرورة] أَو الحزب [الأَحزاب] الحاكِمة!.
وهو البلد الوحيد في العالَم الذي يُقاتل شعبهُ بالنِّيابةِ عن الآخَرين! فيُفرِّط بمصالحهِ الوطنيَّة لحمايةِ مصالحهِم! ويوزِّع خيراتهُ على الآخرين من دونِ أَن يتمتَّع بها هوَ!.
وقِس على ذلك!.
في الْعِراقِ لا معنى عندنا لتراكُمِ الخِبرة! لأَنَّ المجتمع مصداقٌ صارخٌ لقولِ الله تعالى {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} في إطارِ ما باتَ يعرفُ اليوم بنظريَّة [الازاحةِ الجيليَّةِ] وهي، برأيي، أَسخف نظريَّة يتبنَّاها مُراهقون في مُجتمعٍ من المُجتمعات! [أَكيد الفاشِلة] والتي هدفُها الحقيقي صناعةُ [الصَّنَمِ] و [الزَّعيم التَّاريخي] الذي يتضخَّم عادةً على حسابِ قطيعٍ من السُّذَّجِ!.
إِنَّ شعوب العالَم المتحضِّر تحمي تاريخها بتراكُمِ التَّجربة والخِبرة والتي لا تتحقَّق إِلَّا بالحمايةِ الجيليَّة!.
فهُنا في الوِلايات المتَّحدة الأَميركيَّة مثلاً يضمُّ الكونغرس بمجلسَيهِ النُّوَّاب والشُّيوخ ما لا يقلُّ عن [٣] أَجيال من السياسيِّين! كما أَنَّ كلَّ الإدارات في البيت الأَبيض تضمُّ عادةً جيلَين أَو أَكثر! فضلاً عن أَنَّ أَجيال السَّاسة والقادة الذين يتركونَ العمل السِّياسي المُباشر يتحوَّلون إِلى أَكبر وأَشهر المفكِّرين والمستشارين والمنظِّرين وبعضهُم يقودُ أَهم مراكز الأَبحاث الأَساسيَّة في البلد والتي لا يستغني عنها المُشرِّع في الكونغرس ولا عضو الادارة في البيت الأَبيض بِمن فيهم الرَّئيس!.
إِنَّ الأَجيال السَّابقة هي مصدر إِلهام للأَجيال اللَّاحقة! وليس كما هو موجودٌ عندنا! فالأَجيالُ اللَّاحقة مصدر حقدٍ وضغينةٍ على الأَجيال السَّابقة! في إطارِ مفهوم [صراعُ الأَجيال] مقلوباً!.
أَضف إِلى ذلك فانّ النَّشء الجديد من السياسيِّين والحزبيِّين عندهم يترعرعونَ عادةً في أَحضانِ وتحت جَناح الأَجيال التي سبقتهم من الزُّعماء! ولك أَن ترى هذه الظَّاهرة واضحة بشَكلٍ جليٍّ في مكاتبِ أَعضاء الكونغرس ومراكز الأَبحاث وفِي الكثير من مكاتبِ المستشارينَ وغير ذلك!.
حتَّى الرَّئيس فاذا كان من جيل الشَّباب تراهُ يُحاطُ بكمٍّ كبيرٍ من أَعضاء الادارة والمستشارين والموظَّفين المُخضرمين ليتعلَّم منهم الخِبرة والتَّجربة في مُختلفِ المجالات! فضلاً عن عدم إِستغنائهِ أَبداً عن إِستشارات ورُؤى مراكز الأَبحاث وما يُسمى هنا بالـ [think tanks]!.
*يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat