من المعلوم أن دور أهل البيت ( عليهم السلام ) هو بناء الفرد المسلم بناءً إنسانياً , و إيمانياً , و أخلاقياً , و عقائدياً , و ذلك من خلال القول , و الفعل , و التقرير . فلقد أعتنى أهل البيت ( عليهم السلام ) بتربية , و تعليم أتباعهم و أصحابهم و تلامذتهم التربية الصحيحة المجسدة للتعاليم الإسلامية الحقيقية مفهوماً و واقعاً , و ذلك من خلال تربية الفرد المسلم وفق تعاليم كتاب الله تعالى , و سنة النبي الأكرم ( ص ) , حتى يكون هذا الفرد النموذج الحقيقي لهذه التعاليم , و ليكون محصناً ضد عوامل التخريب , و الأنحراف , و ليكون مهيئ للقيام بالتغيير , و الإصلاح متى ما أقتضت الضرورة لذلك .
فنشاهد هذه الحقيقة جلية و واضحة في سلوكهم ( عليهم السلام ) , و نجده أيضاً جلياً في وصاياهم , و كلماتهم , و أحاديثهم , و تصرفاتهم التي تعتبر الدستور الذي يسير عليه أتباعهم , و محبوهم في كل زمان و مكان .
و من أهم طرق التربية و التعليم طريق ( القدوة الصالحة ) فإساس هذه الطريقة قائم على تحويل المنهج النظري إلى واقع عملي متجسد أمام الجميع , و قد أشار القرآن الكريم إلى هذه الطريقة من خلال ابراز أجلى مصداق لها إلا و هو النبي محمد ( ص ) .
قال تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) سورة الأحزاب , الآية ( 21 ) .
و إلى هذه الخصلة المهمة أشار الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بقوله : (( أقتدوا بهدي نبيكم فإنه أصدق الهدى , و أستنوا بسنته فإنها أهدى السنن )) .
و قال ( عليه السلام ) : (( طوبى لمن عمل بسنة الدين , و أقتفى آثار النبيين )) .
فأفراد المجتمع لديهم الأستعداد لمحاكاة الغير و تقليدهم بمجرد التأثر بهم , فالمربي , و المعلم , و المصلح إذا لم يكن قدوة لغيره فإن علمه لن يثمر , و لن يستطيع أن ينفذ إلى القلوب , و لن يجتذب النفوس .
قال الأمام الصادق ( عليه السلام ) : (( إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا )) .
و قال ( عليه السلام ) : (( من لم ينسلخ عن هواجسه , و لم يتخلص من آفات نفسه و شهواتها , و لم يهزم الشيطان , و لم يدخل في كنف الله و أمان عصمته , لا يصلح له الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر , لأنه إذا لم يكن بهذه الصفة فكلما أظهر أمراً كان حجة عليه , و لا ينتفع الناس به )) .
فالإنسان المسلم الحقيقي هو القدوة الصالحة في المجتمع بأفعاله , و أقواله , و سلوكه , و هذا ما أكد عليه أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عندما أوصوا شيعتهم بأن يكونوا نماذج يحتذى بها بالقول , و السلوك على حدٍ سواء .
فقالوا ( عليهم السلام ) : (( كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم )) .
و قالوا ( عليهم السلام ) : (( كونوا لنا دعاة صامتين )) .
فالمسلم الذي يتحلى بصفات الإسلام لا يمكنه النفاق , ولا المسايرة للركب المنحرف عن طريق الحق والرشاد , كما و إن الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والانتصار على هوى النفس ما هو إلا خطوة نحو الثورة الشاملة لجلب قلوب الناس ، لمن اتصف بتلك الصفات ، وإن المرء إذا استطاع ضبط نفسه وتنظيمها لجدير بأن تنقاد الناس إلى دعوته .
|