الوطن إبن الأرض ومن صلب كيانها وهويتها وملامح شخصيتها , وهي التي أوجدته على جغرافية بدنها , ولا يمكنها أن تغييره إلا بإرادتها , وحينما تقرر أو تلد نفسها من جديد , من رحم التفاعلات الجيولوجية الكامنة فيها.
ولهذا فأن الأوطان حالة ثابتة كثبات الأرض , وقد تتعرض لتقسيمات سياسية وعسكرية وثقافية وغيرها من معايير التقسيم , لكنها تبقى بذات كيانها الأرضي , مهما حاولت القوى أن ترسمها وفقا لمشيئة مصالحها.
فبولندا – على سبيل المثال – تقسمت بين القوى المفترسة لها وعلى مدى 135 عاما , لكنها عادت والتأمت وأعلنت عن هويتها الوطنية المرسومة جغرافيا بيراع الأرض الدوارة بنا.
والعرب عندهم وطن واضح ومعروف ويخضع لتقسيمات سياسية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى , لكنه ووفقا لإرادة الأرض لا بد له أن يعود لذاته الجغرافية , ويعبّر عن دوره الحضاري كوطن واحد , حتى ولو إمتد هذا التقسيم لقرون أخرى , فقوة الأرض نافذة لكنها صابرة ومؤكدة لإرادتها , وتعلم أن البشرية من نسلها ومن ترابها ومائها , وإرادتهم تكون بقبضتها مهما يتوهمون.
تلك حقيقة دورانية تصارعية ذات تداعيات تفاعلية مؤثرة في مسيرات الأجيال المتعاقبة , ولها مردوداتها المتنوعة وصياغاتها المتعددة الكفيلة بصياغة حالة الصيرورة الفاعلة في الحياة المعاصرة والغابرة.
ومن هنا فأن الساعين لتفتيت أي وطن ربما سيفلحون لبعض الوقت , لكنهم على المدى البعيد سيفشلون حتما , لأن الفاعلين لا يدومون والتغيرات قانون حتمي شديد الفعالية والتطبيق مهما كانت المعوقات والمصدات , كما أن الأفكار تتطور وتتوالد وتتأثر بمعطيات عصرها وروافد الأجيال المتجددة المياه والأمواج والرؤى.
ولهذا فليذهب إلى حيث يريد أي عقل تفتيتي قاصر مستعبد بأفكار مضطربة عدوانية النوايا والتطلعات , لأنه سيبوء بخيبته في حياته أو بعد حين , فلن ينتصر البشر على الأرض , ولن يلوي ذراع إرادتها , ويهينها ويتحكم بقواها الهائلة النتائج والعظيمة الفعل.
فأهلا وسهلا بداعاة تقسيم أوطانهم وتدميرها , وعليهم أن يسجلوا فوق التراب شواهد أميتهم وجهلهم وتبعيتهم وعدوانهم على ذاتهم ومصيرهم , وكلها ستمضي وتغيب , ولن يبقى ويسود إلا ما يصلح للأرض والناس أجمعين!!
تلك حقائق واضحة ساطعة في أروقة التأريخ , ودروس بليغة متكررة يؤكدها ما جرى في القرن العشرين , وتعيدها أحداث القرن الحادي والعشرين , لكن الكيرين يتغافلون عنها وبعمهون في ضلالات المطامع والعواطف المريضة المنحرفة , التي تأخذهم إلى سوء السبيل وخزي المصير , ولا يستيقظون إلا حينما يجدون أن كل تميمةٍ لا تنفع!!
د-صادق السامرائي
|