لا زالت إشكاليات البحث عن الحقيقة حتى الآن تتركز و تصطدم بجدار العلاقة الجدلية بين الدولة,كدولة سلطة بشكل عام,وبين المثقفين حيث مرت العلاقات بين الدولة و المثقفين بمراحل تارة تظهر بنوع من التعاون, و تارة أخرى تظهر بنوع من التصادم, في حالات التعاونكانت الدولة تسمحللمثقفيت بالعمل بحرية أو في مناخ يكاد يكون متحرراً نسبياً, بل كانت الدولة أداة لإنتاج المثقفين, و ذلك من خلال تطبيق النظم التعليمية الحرة, و دعم البحث العلمي من خلال تقديم المُنح و تهيئة البنية التحتية اللازمة للبحث أما في حالات التصادم ففي أحيان كثيرة تلجأ الدولة الى ممارسة وسائل متعددة و متشددة لتقليص الحرية الثقافية الأكادمية, و من الوسائل التي أستخدمتها الدولة لغرض آرائها على المجتمع التعليمي الأكاديمي كان تقيدها بعمليات تحويل البحوث و تشديد الرقابة على المثقفين, بل و إعتقالهم و ليس بالأمكان رغم ذلك إدراك و معرفة العلاقة بين الدولة و المثقفين بشكل عام إذ لم تأخذ بنظر الإعتبار أحد العوامل المهمة في تشكيل تلك العلاقة ألا و هو المجتمع المدني إذ نستطيع القول أن المجتمع المدني في العالم أجمع كان حليفاً للمثقفين في بعض الفترات التاريخية, و بالتالي يقودنا الى السؤال من هم المثقفون؟ هل هم طبقة بحد ذاتها ؟ أم هم شريحة طبقية ؟ أم هم شريحة تنتمي الى النخب؟ أم هم يمثلون ضمير المجنمع؟ بالإضافة الى ذلك هل يمثل المثقفون جماعة او فئة طبقة متجانسة ؟ و هل يحتلون موقعاً محدداً في علاقات الإنتاج القائمة؟ و ما هو حجم تأثيرهم في مجتمعاتهم؟ كل مجموعة إجتماعية تنتج بشكل عضوي فئة أو أكثر من المثقفين و يتولى ذلك المثقفون مهمة إكتساب المجموعة الإجتماعية تجانسها و وعيها لوظائفها ليس فقط في المجال الإقتصادي, و لكن غالباً ما في المجالات الأجتماعية و السياسية.
أن ما يميز المثقفين عن بقية الجماعات الإجتماعية هو الدور الخاص الذي يلعبونه في عالم الإنتاج, وإن دور المثقفين هنا ليس مباشراً و إنما يتوسط البنى الفوقية التي يقوم فيها المثقفين بدور و ظيفي, و يعني ذلك إن المثقفين يلعبون دوراً خاصاً في تنظيم الحياة الإجتماعية و هيمنتها و سيطرة الدولة, و هم يرتبطون أساساً بمستوى البنية الفوقية : المجتمع المدني ,و المجتمع السياسي أو الدولة, إذن تتميز المجتمعات الحديثة بالتعقيد الناتج عن عمليات التباين و التخصص في التقسيم الإجتماعي للعمل الإقتصادي و الثقافي, و المدرسة هي أداة صنع المثقفين بمختلف المستويات , و صناعة الفئات المختلفة لا تتم على أرضية ديمقراطية مجردة, فالمدرسة بوظيفتها التنظيمية تفسح المجال أمام تقسيم معين للعمل و تدرج في مدى التأهيل الذي يتباين مشاركة (المثقف) في إدارة الدولة و قيادتها.
|