برأت محكمة التمييز رئيس المفوضية العليا للانتخابات السابق واثنين من زملائه من التهم التي ادانته بها محكمة الرصافة ، وهي براءة متوقعة لان الاتهامات كانت هشة ، بل لا اساس لها من الصحة ، فهو صرف مكافأة لموظفين بحكم موقعه الوظيفي الذي اكد الآخرون إجازة القانون له ذلك ، ولا ناقة له ولا جمل في موضوعها ، وقد تمت تسوية المشكلة .
كان الاتهام محاولة للانتقام من المفوضية العليا المستقلة لعدم خضوعها او تنفيذ ماطلب منها من قبل جهة سياسية معينة ، وفي النهاية يدخل هذا السلوك في باب محاولات الهيمنة على الهيئات المستقلة وانتهاك الدستور.
اليوم ، ربما يتكرر ما حدث مع المفوضية مع البنك المركزي العراقي ثانية ، فقد اثيرت ضجة قد تطغى على ماهو صحيح من اتهامات ، والابرز تحول الاتهام من فساد مالي واداري الى اخطاء في اتخاذ اجراءات وتعليمات ليست مضبوطة ، والفارق بين الاثنين كبير جدا .
ومع ذلك اخذ الهدف المباشر من الحملة طريقه ، وهو تحويل الاتهام الى اسقاط سياسي او اخافة الاخرين وجعلهم يتحسبون الى طلبات الجهات النافذة ، وبالتالي مباشرة الصفحة الثانية من محاولة الهيمنة على البنك المركزي وافقاده استقلاليته ، ولم يخف بعض النواب الغاية فقد قالوها صراحة على لسان النائب محمد الهنداوي بان البنك المركزي لم يقرض الحكومة خمسة مليارات في وقت سابق ، واعتبر ذلك افشالاً للحكومة ومنعها من التصرف باموالها حسب مقابلة اجرتها قناة البغدادية معه ليلة الثلاثاء على الاربعاء .
من هاتين الحادثتين والسياسيتين ازاء الهيئات المستقلة ، لم يعد خافيا ما ورائهما ، وماذا يبغي من هذا الهجوم الذي وصل الى حد كسر العظم لكل من يقف مع الانظمة والقانون والدستور ، وفي وجه هذه المحاولات التي تريد تركيز السلطات والانفراد بها .
وما يتضح من سير الصراع على ذلك ان القائمين عليه يستعجلون امرهم ويعتمدون على نفوذهم ، حتى انهم لم يضبطوا اخراجه وإظهاره بالمظهر الطبيعي ، لايهمهم ذلك ، ولا يريدون توفير القناعات للرأي العام ، فقد كان بامكانهم انتظار وجود المعنيين من المتهمين في داخل البلاد لاثارة القضية لتكون كل اطراف القضايا حاضرة ، ولكن على مايبدو كان هذا مطلوبا وهدفاً لإبعاد بعض المسؤولين وابقائهم خارج البلاد لخشيتهم من القضاء او افتضاح الاتهامات غير المسندة الى دليل والتي سيّس بعضها ، وبات اصدار اوامر القبض امرا يسيرا لشويه السمعة .
ان اجراءات غير دقيقة ستنقلب الى ضدها ، وسيكون كل المشاركين فيها تحت طائلة المسؤولية اذا لم يكن اليوم فانه سيكون غدا ، عندما تستقر الامور وتعود الى نصابها، ويفعل القانون ويخضع له الجميع ليس في هذه القضايا وانما في غيرها ايضا ، وفي مختلف المجالات .
الواقع اننا نتمنى على الحكومة والبرلمان ان تشدد الاجراءات والحملات على الفساد ، ولكن على أساس رصين وصلد ، وايقاف مسعى السيطرة على الهيئات المستقلة لتحظى بالتأييد وتمنع المتخرصين من التقول عليها والتشكيك في دوافعهما واهدافهما . |