لامني أحد الأصدقاء لكثرة التغني ببلادي ولا سيما مدينتي الحبيبة ومسقط رأسي الحلة الفيحاء وقال لي أنت في الجنة وتحنُّ مشتاقا للحلة التي لم تذكرك يوما إبنًا باراًّ بها فقلت له
مروجُ الحلةِ الفيحاءِ أحلى
من الجناتِ في المنفى جميعا
بها مغنى الصِّبا وديارُ أهلي
رأيتُ فراقها القاسي مُريعا
أحنّ لها اشتياقاً مثلَ أُمّي
كأنّي لم أزلْ طفلاً رضيعا
لو انّي في جنانِ الخلدِ أثوي
لضجَّ لها الفؤادُ هوىً نزوعا
ومهما قلتُ فيها دون وصفي
أراها أجملَ الدُّنيا ربوعا
وفيها العيشُ أطيبُ من سواها
ولو كانَ الكفافُ بها قنوعا
ولستُ بطالبٍ قصراً منيفاً
فما أرجوهُ لي كوخاً وديعا
وعن عذلٍ بها أغلقتُ أُذني
وكنتُ لها مدى عمري سميعا
إليها إنْ أعدْ يرجعْ شبابي
وكلُّ فصولهِ تغدو ربيعا
متى عيناي تكتحلان فيها
وتمسحُ فوقَ خدَّيَ الدموعا
وأخبرها ببعدكِ شاب قلبي
ورأسي أشيبٌ أضحى صقيعا
وأخفي بين أضلاعي فؤاداً
بما لاقيتُ في المنفى صديعا
فما مستغربٌ أبكي هواها
بكائي لم يكن ذُلّاً وضيعا
وأخفي في حنايا الصدر قلباً
بطول فراقها كالصابِ ريعا
مقامي طالَ في برْدِ المنافي
متى الأيامُ تأذنُ لي رجوعا
على مَ الهجرُ يا أغلى الأماني
وكنتُ ولم أزلْ برّاً مُطيعا !!!
إذا رانَ الظلامُ على بلادي
لها الأضلاع أوقدُها شموعا
فرفقاً يا بلادي بالمعنّى
بحبّكِ لم يزلْ صبّاً ولوعا
شدوتُ هواكِ ردحاً من زماني
وحاشا فيكِ شدوي أنْ يضيعا
تردّدهُ العذارى كالأغاني
تكادُ تذيبُ رقّتُهُ الضلوعا
هل استنشقتِ من عطر القوافي
رجوتُهُ في دياركِ أن يضوعا
شدوتُ الشعر حبّاً وافتخاراً
وعندكِ ليتهُ أضحى شفيعا
برغم الشانئينَ لهُ سيبقى
على الأفواه مرويّاً بديعا
|