قبابٌ من نور
وردَ في بعضِ الرواياتِ ما يُشيرُ إلى أنَّ الإمامَ المهدي عندما يأتي إلى النجفِ الأشرف أو (ظهر الكوفة) فإنّه سيأتي بواسطةِ (سبع قباب من نور)، وذكرتِ الروايةُ أنَّ الناسَ لا يعلمون في أيّ قُبّةٍ منها هو موجود، فقد رويَ عن جابر قال: قالَ أبو جعفر في قولِ اللهِ (تعالى): ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ قال: ينزلُ في سبعِ قبابٍ من نورٍ، لا يُعلَمُ في أيّها هو حين ينزلُ في ظهرِ الكوفة، فهذا حين ينزل.
ومع غضِّ النظرِ عن سندِ الرواية ، هُنا عِدّةُ إشارات:
الإشارة الأولى: قد يخطرُ إلى الذهن: أنَّ نزولَه في قِبابِ النورِ يعني أنّه ينزلُ بأطباق طائرة، كمثل الذي تُصوّره لنا اليومَ الأفلامُ العلميةُ وغيرها...
وهو أمرٌ معقولٌ في حدِّ نفسِه، خصوصًا إذا لاحظنا الرواياتِ التي أشارتْ إلى التطوّرِ العلمي الهائلِ الذي يُحدثُه هو عندما يخرج، فقد وردَ عن أبي عبد الله أنّه قال: «العلمُ سبعةٌ وعشرون حرفًا، فجميعُ ما جاءتْ به الرُسلُ حرفان، فلم يعرفِ الناسُ حتى اليوم غيرَ الحرفين، فإذا قامَ القائمُأخرجَ الخمسةَ والعشرين حرفًا، فبثّها في الناس، وضمّ إليها الحرفين، حتى يبثَّها سبعةً وعشرين حرفًا«.
ويُمكِنُ أنْ نُعطيَ تصوّرًا لذلك، وهو: أنّه سينزلُ بواسطةِ طائراتٍ مُتطوّرةٍ وبشكلٍ يحسبُه الرائي نورًا، الأمر الذي عبّرَ عنه الإمامُ الباقرُ في الروايةِ بقباب النور، إذ إنّه كانَ يتكلّمُ مع الناسِ على قدرِ عقولِهم أو بما يفهمونه من اصطلاحات، فلم يُعبَّرْ عنها بالطائرة.
وقد يُقالُ: إنَّ المقصودَ من (النزول) هو الوصولُ إلى ظهر الكوفة، فتقول: نزلت في المكانِ الفلاني إذا وصلت إليه، وليس بالضرورةِ أنْ يكونَ النزولُ من السماء، فيكون المُرادُ من الروايةِ: أنَّ المركبَ الذي سيستقلّه الإمامُ المهدي إبان الظهورِ سيكونُ مُتطوّرًا جدًا بحيث إنَّ من يراه يحسبُه من نور.
اللهم إلا أنْ يُقالُ: إنّه وبقرينةِ ورودِ الروايةِ في ذيلِ الآية التي وردَ فيها نزولُ الملائكة، فإنَّ المُرادَ من النزولِ هو من السماء.
الإشارة الثانية: يُمكِنُ تصوّرُ هذه المسألةِ تصوّرًا علميًا آخر، بأنْ يُقال: إنّه فعلًا يأتي بقبةٍ من نور، الأمر الذي ربما يتلاءمُ مع الآيةِ التي وردتْ هذه الروايةُ في ذيلِها (في ظللٍ من الغمام)، ولا مانعَ من هذا التصوّرِ في حدِّ نفسه.
الإشارة الثالثة: الروايةُ تُشيرُ إلى جانبٍ تكتيكي عسكري، فالإمامُ سيأتي موكبُه في سبعةِ مراكبَ متشابهةٍ، وهو في أحدِها، ولا يعلمُ أحدٌ في أيّها هو، الأمرُ الذي يعني إجراءً عمليًا وفنيًا في تضييعِ الفرصةِ على من يُريدُ اغتيالَ الإمام مثلًا، وهذا أمرٌ مُتعارفٌ هذه الأيام عند القادة، خصوصًا في الأوضاعِ السياسيةِ الحرجة، ولا شكَّ أنَّ نزولَ الإمامِ في النجفِ سيكونُ في بدايةِ ظهورِه المُبارك، حيثُ الحرب في بداياتها، وحيث لم يتم تطهيرُ الأرض بعدُ من المُعارضين والأعداء.
|