كنتُ قد كتبتُ في مقالٍ سابِقٍ عن المَهدَويَّةِ وَعَبَّرتُ عنها بأَنَّها :(فكرةٌ إِنسانِيَّةٌ) ، أَي: انَّها فكرةٌ قالَ بها البشرُ جميعهم ، أَجمعوا على هذهِ الفكرة على اختلافِ المسافاتِ والثقافاتِ والألوانِ والأمزجةِ . اتَّفَقُوا على الفكرةِ واختلفوا في مصاديقها . اختلفوا في مَنْ هو المهدي؟
أَمّا مقالُ اليوم ، فيتناولُ موضوعَ المهدَوِيَّةِ ، هل هي حاجةٌ ؟ واذا كانت جاجَةً ، فهل هي حاجَةٌ حقيقِيَّةٌ أم هي حاجَةٌ مفتَعَلَةٌ ومُختَرَعةٌ ، اخترعها الخيالُ الشيعيُّ كَجُرعَةِ أَمَلٍ كاذبٍ تعويضاً عن تأريخٍ طويلٍ من القمعِ والقهر والالامِ والدموعِ ؟
ولابُدَّ لي قبلَ البَدءِ في الموضوعِ أَنْ أُفَرِقَ بينَ الضَّرورَةِ والحاجَةِ ، وبين الحاجة الضرورية والحاجَةِ المفتعَلَةِ. وهل المهدَوِيَّةُ ضَرورَةٌ أم حاجَةٌ؟
هناكَ حاجاتٌ إِنسانِيَّةٌ حقيقيّةٌ اذا لم يَتُمَّ إِشباعُها فَسَتُؤَدّيَ الى كوارثَ لاتُحمَدُ عقباها . كحاجاتِ الانسان الاساسيَّةِ ، كحاجته الى الطعامِ والشرابِ والجنس والمسكن والمأوى . وقد تنَبَّهَ عالمُ النَّفسِ الامريكيُّ " إِبراهام ماسلو" الى الاحتياجات الانسانية ورتبها بشكلِ هَرَمٍ تصاعدي على الشكل التالي:
1- الحاجاتُ الفسيولوجِيَّةُ
2- حاجاتُ الأمانِ
3-الحاجاتُ الاجتماعيَّةُ
4-الحاجَةُ للتَقدير
5- الحاجَةُ لتحقيقِ الذات
وقد أَغفلَ ماسلو حاجاتِ الانسانِ الروحيَّةِ ، ومنها حاجَة الانسان الى قائد. الذي سنتحدثُ عنها في مقالِنا هذا :" المهدويَّةُ حاجَةٌ إِنسانِيَّةٌ حقيقيَّةٌ" .
هناكَ فرقٌ بين الضرورةِ والحاجَةِ ، الضرورة التي يؤدي عدمُ اشباعها الى الهلاكِ ، كحاجَةِ الانسانِ الذي شارف على الموت في الصحراء ولم يجد امامَهُ الا الميتة ليأكلَ منها ليُبقِيَ على حياتِهِ. هنا لابُدَّ أنْ يأكُلَ لِيُبقِيَ على حياتِهِ ، هذه هي الضرورة ، أَمّا الحاجة : فهي التي يؤدي عدمُ إِشباعهِا الى الوقوع في العُسرِ والحَرَجِ لا الى الهلاك. فهل المهدويَّةُ ضرورَةٌ أَم حاجَةٌ؟
المهدَوِيَّةُ ضَرورَةٌ وَحاجَةٌ ، المَهدَوِيَّةُ ضَرورَةٌ وجوديَّةٌ ، فَبدونها يختَلُّ نظامُ الوُجُودِ ، كما جاء في الأَثَرِ " لولا الحجة لساختِ الارضُ بِأهلِها" ، وهي في نفسِ الوقتِ حاجة انسانيّة، وهذه الحاجةُ حاجَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ، وهي حاجة الانسانيّة الى قائدٍ وامامٍ ، وهيَ حاجة روحيَّةٌ حقيقية ، هناك حاجةٌ روحِيَّةٌ ان لانموتَ ميتةً جاهليَّةً " من ماتَ ولم يعرف إِمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتةً جاهِلِيَّةً" ، هناك في الارتباطِ بقائدٍ معصومٍ لايخطئ ، القائدُ المعصومُ هو المعيار الذي نضبطُ بهِ سلوكَنا ومواقفنا وحركتَنا في الحياةِ . وهذه الحاجة ، حاجةٌ حقيقيَّةٌ ، وليست هي حالَةٌ موهومةً اخترعها الذهنُ الشيعي تعويضاً عن المعاناة التي عاشها الشيعة . هناك حاجاتٌ حقيقية ، كحاجات الانسان الفسيولوجية ، كحاجته للطعام والشراب والجنس ، وهناك حاجات نفسية حقيقية كحاجة الانسان الى الامن ، وهناك احتياجات روحية كحاجة الانسان الى القيادة المعصومة التي تشكل الضمانة لسلامة المسير. اما الحاجات المفتَعَلَة وغير الحقيقية ، كحاجة الانسان ان يشتريَ ما لا يحتاجهُ بدافع النزعة الاستهلاكيَّة التي أدمن عليها الانسانُ المعاصر . حاجة الانسان الطبيعية الى الطعام حاجة محدودة ، وهي ان يشبعَ بطنَهُ ، اما تجاوزها والاسراف في تناول الطعام فهذه حاجة مفتعلَةٌ . والحاجة الى اللباس ، ماتحتاجهُ المرأة الى لباسٍ يستر جسدها حاجة حقيقة ، واما أنْ تلبسَ الفساتينَ الزاهيةَ المُزَركَشَةض بملايين الدولارات ، فهذه حاجاتٌ موهومَةٌ ومفتَعَلَةٌ . وحاجتُنا الى المهدي المنتظر حاجة انسانية حقيقية ، هي حاجَتُنا الى القائد ؛ فَبدون القائد الجكيم يعيش الناسُ في فُوضى ، كما ان قطيعَ الاغنام يحتاج الى راعٍ يوفر لها الكلأ والطعام والحماية ، وبدونه هي معرضة للاضطراب والفوضى وافتراس الذئاب ، كذلك هي الامم بجاجة الى القائد وبالتالي؛ المهدويَّةٌ حاجَةٌ انسانيَّة الى قائدٍ منتظَرٍ يَتُّمُ على يَدَيهِ الخلاصُ .
|