إنّ طريق الدعوة إلى الله تعالى طريق عسير صعب ، وليس في مسالك الإنسان طريق أصعب وأشق منه ، والذين تساقطوا على هذا الطريق أو تخلّفوا عنه ، أو ضاعوا وتاهوا ، كثيرون ؛ لم يتمكّنوا من مواصلة السّير على الطريق رغم استقامة الطريق ووضوحه .
والعاملون على هذا الطريق من الدعاة إلى الله يتعرّضون كثيراً لمتاعب الطريق ومخاطره ومزالقه ، وأكثر ما يحيط العاملين في سبيل الله والدعاة إلى الله من مخاطر ومتاعب في هذا الطريق اثنان :مخاطر الضياع والضلال والتيه .
* ومخاطر التعب ، واليأس ، والخوف ، وإيثار العافية وحب الدنيا ، والتقاعس والتخلف .
وهذان النوعان من المخاطر يحفّان طريق الله والدعاة إليه تعالى ، وقلّما ينجو أحد ممّن يعمل في سبيل الله ، ويدعو إليه ، من مثل هذه العوائق النفسية .
ولولا رحمة من الله تعالى : ( وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ، [ العنكبوت : 69
الذين يجاهدون في سبيل الله ، ويعطون من أنفسهم وذويهم وأموالهم لله تعالى ، يعينهم الله تعالى في أمرين :
1ـ الدلالة والهداية ، والبصيرة ، والوعي ، والفقه ، والتمييز بين الحقّ والباطل .
وهذه هي المنحة الإلهية الأُولى ، ولولا أنّ الله تعالى يرزق المجاهدين من عباده ، بصيرة في دينهم ، وهدى ، ووعي ، وفقهاً في الدين ، لتاه من هؤلاء الكثيرون في متاهات الطريق والمسالك .
2ـ التثبيت والدعم والتطمين والتأييد ، وطريق الدعوة إلى الله تعالى محفوفة بكثير من التثبيط ، والإنسان العامل يواجه على طريق ذات الشوكة هذه العوائق التي تعيق تقدمه كثيراً .
ومن هذه العوائق ( الخوف ) و ( حب الدنيا ) و ( إيثار العافية والراحة ) و ( اليأس ) و ( قصر النظر ) في العمل و ( الكسل ) و ( ضعف النفس ) و ( الشحّ ) .
هذه العقبات هي أسباب تخلّف الناس وتساقطهم أثناء الطريق ، والشيطان يعمل أوّلاً : لتضليل العاملين وإيقاعهم في الغواية والشك والضلال ، فإذا تمّ له تحقيق هذه الغاية فقد حقق كلّ ما يريد ، وإن لم يتوفق في ذلك ، بدأ بالدور الثاني ـ من مهمّته ـ : بإلقاء اليأس ، والخوف ، والضعف ، وحبّ الدنيا ، وإيثار العافية في نفوس العاملين .
وإذا قدِّر للدعاة إلى الله النجاة من الشَرَك الأوّل للشيطان فإنّ الشيطان يمدّ
لهم الشرك الثاني في هذه المرحلة ، وقليل من العاملين من يستطيع أن يجتاز في هذه المرحلة ( عوائق الطريق ) ويمضي مستمراً في سيره ، متكلاً على الله القوي العزيز .
وإذا كان الداعية يحتاج في المرحلة الأُولى ـ لاجتياز التضليل ، والتعميه ، والتلبيس ـ إلى هدىً وبصيرة من الله تعالى ، فإنّه يحتاج في المرحلة الثانية ـ لاجتياز العوائق ـ إلى دعمٍ وتثبيتٍ من الله تعالى ، وإلى معيّة الله عزّ وجلّ المستمرّة له عند كلّ منعطف ومَزلق في الطريق ، وأَلاّ يَكِله الله تعالى إلى نفسه طَرْفَة عين ، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أوكل عبده إلى نفسه طَرفة عين كان من الهالكين والساقطين
الشيخ محمد مهدي الاصفي
في رحاب القرآن
|